موسوعة اللغة العربية

المَبحَثُ السَّادِسُ: الثُّنائيَّةُ وعَلاقَتُها بالمُناسَبةِ الطَّبيعيَّةِ


الثُّنائيَّةُ ترتَبِطُ ارتباطًا وثيقًا بنظريَّةٍ تُسَمَّى محاكاةَ الأصواتِ الطَّبيعيَّةِ، وهي تكونُ على المقطَعِ التاريخيِّ الذي يتألَّفُ ويتكوَّنُ من حركةٍ ثمَّ سُكونٍ (ح + س)، وتَرى أنَّ الزِّيادةَ طَرَأت على هذا الجَذرِ؛ في الصَّدرِ، أوِ الوسَطِ، أوِ الطَّرَفِ.
ابنُ جِنِّي قد وافق في القِدَمِ على مبدأٍ وهو مبدأُ محاكاةِ الأصواتِ، كما تمَّت الإشارةُ إليه فيما سَلَف: دَوِيُّ الرِّيحِ - حَنينُ الرَّعدِ - خَريرُ الماءِ - نَهيقُ الحِمارِ - نَعيقُ الغُرابِ - صَهيلُ الفَرَسِ - نَزيبُ الظَّبْيِ... وقد تحدَّث عن مسألةِ «إمساسِ الألفاظِ أشباهَ المَعاني» [152] يُنظر: ((الخصائص)) لابن جني (2/ 152- 168). ، وقد قام لغويُّون آخرون بجهودٍ أيضًا، ومن ذلك: الخَليلُ بنُ أحمَدَ (174هـ) - سِيبَوَيه (180هـ) - ابنُ دُرَيدٍ (321هـ) - أحمَدُ بنُ فارِسٍ (395هـ) [153] يُنظر: ((دراسات في فقه اللغة)) لصبحي صالح (ص: 148- 149). .
ومِن مَلحوظاتِهم:
- مَصادِرُ (فَعَلان) الدَّالةُ على الاضطِرابِ والحَرَكةِ (غَلَيَان - غَشَيان...)، قوبِلَ تَوالي حَرَكاتِ المِثالِ (الفَتحة) بتَوالي حَرَكاتِ الأفعالِ.
- وتدُلُّ المصادِرُ الرُّباعيَّةُ ذاتُ التَّضعيفِ على التَّكريرِ، بمعنى تكرارِ حُروفِها: الزَّعزَعةُ - القَلقَلةُ - القَعقَعةُ.
- وزنُ (فَعَلى) في المَصادِرِ الصِّفاتِ يدُلُّ على السُّرعةِ: بَشَكى (صِفةٌ للمَرأةِ الخَفيفةِ) - جَمَزى (صِفةٌ للحِمارِ السَّريعِ) - وَلَقَى (عَدْوُ النَّاقةِ بشِدَّةٍ).
عَبَّادُ بنُ سُلَيمانَ الصَّيمَريُّ (مُعتَزِليٌّ في عَصرِ المَأمونِ) قد أصَرَّ على المُناسَبةِ التي تكونُ بَينَ الحُروفِ والمَعاني، وكونِها مُطَّرِدةً، فتَكَلَّفَ وتَأوَّلَ، وقد كان له رأيٌ خالف فيه جميعَ عُلَماءِ اللُّغةِ العَرَبِ على أنَّ المناسَبةَ بَينَ الحُروفِ والمعاني تكونُ ذاتيَّةً وواجبةً، وهو في هذا قد تأثَّر بالمُعتَزِلةِ، وذلك في نظريَّةِ «الصَّلاحِ والأصلَحِ»، وما توجِبُه [154] يُنظر: ((لسان الميزان)) لأبي عبيدة (4/ 389)، ((دراسات في فقه اللغة)) لصبحي صالح (ص: 148، 150). ((المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي)) لرمضان عبد التواب (ص: 113). .

انظر أيضا: