موسوعة اللغة العربية

المَبحَثُ الرَّابِعُ: النَّشأةُ الثُّنائيَّةُ التَّاريخيَّةُ


الثُّنائيَّةُ التَّاريخيَّةُ: أكثَرُ ما قيل فيها: إنَّ اللُّغةَ العَرَبيَّةَ نشأت بمحاكاةِ الإنسانِ لأصواتِ الطَّبيعةِ؛ ومن ذلك تقليدُ الإنسانِ لأصواتِ الحيواناتِ، وكذلك أصواتُ الظَّواهِرِ الطَّبيعيَّةِ، أو أنَّه يُعَبِّرُ عن انفعالاتِه الخاصَّةِ به، أو أيضًا عن الأفعالِ التي عندما تقَعُ تظهَرُ أصواتٌ مُعَيَّنةٌ [145] يُنظر: ((المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي)) لرمضان عبد التواب (ص: 122)، ((دراسات في فقه اللغة)) لصبحي الصالح (ص: 148). .
منَ الثُّنائيَّةِ التَّاريخيَّةِ إلى الثُّنائيَّةِ المُعجَميَّةِ:
هناك العديدُ من العُلَماءِ الذين تتَبَّعوا الثُّنائيَّةَ التَّاريخيَّةَ وصِلَتَها بالمعاجِمِ، واستقصَوا أسبابَ انتقالِها إلى المعاجِمِ؛ فأصحابُ هذا القولِ لا يَقِفُ أمامَهم حائلٌ في إيجادِ ذلك الرَّابِطِ الوثيقِ بَينَ الثُّنائيَّةِ التَّاريخيَّةِ والمعاجِمِ، فوجَدوا أنَّ أصوَبَ شَيءٍ أن تُسَمَّى "ثُنائيَّةً مُعجَميَّةً"، وقد ألَّفوا الكثيرَ من الكتُبِ في الأصولِ الثُّنائيَّةِ التي زِيدَ عليها صوتٌ أو أكثَرُ، فأصبحت ثلاثيَّةً ورُباعيَّةً، ووجدوا مانِعًا معنويًّا قد جَمع بَينَ الصُّورةِ الأصليَّةِ المجرَّدةِ والصُّورةِ المَزيدةِ، وإذا وجَدوا جامِعًا معنويًّا بادر إلى ذهنهِم أنَّ زيادةَ المادَّةِ الصَّوتيَّةِ أعطَت فارقًا معنويًّا جديدًا، ولكِنْ في الغالِبِ ما تكونُ محتَفِظةً بجوهَرِ المعنى القديمِ الأصليِّ.
وقد نَبَّه الأبُ أنِسْتاس ماري الكَرَمْليُّ إلى مَعرِفةِ حُذَّاقِ اللُّغَويِّينَ العَرَبِ المُتَقَدِّمينَ لهذه الثُّنائيَّةِ المُعجَميَّةِ، (فمِمَّن قال بها ولم يَحُدْ عنها قِيدَ شَعْرةٍ: الأصبَهانيُّ صاحِبُ كِتابِ غَريبِ القُرآنِ؛ فإنَّه بنى مُعجَمَه على اعتِبارِ المُضاعَفِ هِجاءً واحِدًا، ولم يُبالِ بتَكرارِ حَرفِه الأخيرِ، فهو عِندَه مِن وَضعِ الخيالِ، لا من وَضْعِ العِلمِ والتَّحقيقِ، أي: إنَّه إذا أرادَ ذِكرَ "مَدَّ يَمُدُّ مَدًّا" مَثَلًا في سِفْرِه، ذَكَرها كأنَّها مُرَكَّبةٌ من مادَّةِ "مَدَّ" أي: ميم، ودال ساكِنة، ولا يَلتَفِتُ أبَدًا إلى أنَّها من ثَلاثةِ أحرُفٍ، أي: "م د د"، كما يَفعَلُ سائِرُ اللُّغَويِّينَ؛ ولهذا السَّبَبِ عَينِه يَذكُرُ "مَدَّ" قَبلَ "مَدحَ" مَثَلًا، ولا يُقَدِّمُ هذه على تلك، على ما نُشاهدُه في مُعظَمِ مَعاجِمِ اللُّغةِ؛ كالقاموسِ، ولسانِ العَربِ، وأساسِ البَلاغةِ، وتاجِ العَروسِ، وغَيرِها) [146] يُنظر: ((دراسات في فقه اللغة)) لصبحي الصالح (ص: 153- 154). .

انظر أيضا: