موسوعة اللغة العربية

المَبحَثُ الأوَّلُ: بدايةُ العُروبيِّين (السَّاميِّين)


يُطلَقُ على لُغاتِ ولهَجاتِ الأُسَرِ التي تنتمي إلى العائِلةِ السَّاميَّةِ: اللُّغاتُ السَّامِيَّةُ، أو اللُّغاتُ العُروبيَّةُ، واللُّغويُّون قد قَسَّموا اللُّغةَ السَّاميَّةَ إلى مجموعاتٍ وفصائِلَ لُغَويَّةٍ في العالَمِ، ويُعَدُّ شُلوتْسَرُ اللُّغويُّ الألمانيُّ أوَّلَ من أطلَق على هذه العائلةِ اسمَ اللُّغاتِ السَّاميَّةِ، وكان ذلك في نهايةِ القرنِ الثَّامِنَ عَشَرَ من الميلادِ عامَ 1781م، واستمَدَّ شُلوتْسَرُ هذه التَّسميةَ من خلالِ الشُّعوبِ التي كانت تعيشُ في العهدِ القديمِ، وذلك من خلالِ الكتابِ المُقَدَّسِ لدى النَّصارى، الذي قد ورَد فيه أسماءُ أبناءِ سَيِّدنا نوحٍ عليه السَّلامُ، وهم: يافِثُ، وحامٌ وسامٌ؛ فجميعُ الشُّعوبِ والقبائِلِ قد انحدَرَت من سُلالتِهم [79] يُنظر: ((فقه اللغات السامية)) لبروكلمان (ص: 11)، ((المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام)) لجواد علي (1/ 254-255)، ((علم اللغة العربية)) لمحمود فهمي حجازي (ص: 35-36)، ((فصول في فقه العربية)) لرمضان عبد التواب (ص: 25). ، وورد ذلك في الكتابِ المُقَدَّسِ، سِفرِ التَّكوينِ، الإصحاحِ العاشِرِ، ونصُّه كما يلي: (وهذه مواليدُ بني نوحٍ: سامٍ، وحامٍ، ويافِثَ)، وفي ذلك أورد الإمامُ الطَّبريُّ: سامٌ أبو العَرَبِ، ويافِثُ أبو الرُّومِ، وحامٌ أبو الحَبَشِ [80] يُنظر: ((تاريخ الطبري)) (1 / 209). .
هذه العائلةُ اللُّغويَّةُ تَضُمُّ بداخِلِها لُغاتِ الشُّعوبِ التي تحيا إلى الآنَ، والتي كانت تقيمُ في السَّابِقِ في شِبهِ الجَزيرةِ العَربيَّةِ واليَمنِ، والحَبشةِ والشَّامِ، والعِراقِ.
وعُلَماءُ اللُّغةِ قاموا بتصنيفِ هذه اللُّغاتِ إلى ثلاثةِ أصنافٍ، هي:
‌أ- الشَّرقيَّةُ: وتضُمُّ لغةً واحِدةً فقط، هي اللُّغةُ الأكَّاديَّةُ.
‌ب- الشَّماليَّةُ الغربيَّةُ: وتحتوي على اللُّغاتِ العَموريَّةِ، والأوغاريتيَّةِ، والكَنْعانيَّةِ، والآراميَّةِ.
‌ج- الجنوبيَّةُ الغربيَّةُ (أو الجنوبيَّةُ): وتَضُمُّ العَرَبيَّةَ الجنوبيَّةَ، والعَرَبيَّةَ الشَّماليَّةَ، واللُّغاتِ الإثيوبيَّةَ. وتضُمُّ العَرَبيَّةُ الشَّماليَّةُ: العَرَبيَّةَ البائِدةَ، والعَرَبيَّةَ الباقيةَ (الفُصحى).
واللُّغةُ المِصريَّةُ القديمةُ التي تُدعى (الهِيروغْليفيَّةَ) تندَرِجُ تحت اللُّغاتِ السَّاميَّةِ، ولكِنَّها قد انفصَلت وابتعَدت عنها منذُ زَمَنٍ بعيدٍ، وسلَكَت منذُ آلافِ الأعوامِ مَنحًى خاصًّا بها، وبعضُ الباحثين يظنُّون أنَّ القُدَماءَ المِصريِّين قد استخدَموا اللُّغةَ الأكَّاديَّةَ في عَلاقاتِهم الخارجيَّةِ، وذلك مع دُوَلِ المِنطَقةِ التي تمتَدُّ بَينَ نَهْرَيِ البَحرِ الأبيضِ المتوسِّطِ ونهرِ الفُراتِ [81] يُنظر: ((فقه اللغات السامية)) لبروكلمان (ص: 12، 13)، ((علم اللغة العربية)) لمحمود فهمي حجازي (ص: 35، 134)، ((دراسات في فقه اللغة)) لصبحي صالح (ص: 49 -52) ((فصول في فقه العربية)) لرمضان عبد التواب (ص: 26 – 36). .
- مَوطِنُهم الأوَّلُ:
قد اختلف العُلَماءُ في أصلِ اللُّغاتِ السَّاميَّةِ وأقدَمِها، وما هو الأقرَبُ إلى اللُّغةِ السَّاميَّةِ الأُمِّ؛ وأيضًا اختلَفوا في أوَّلِ مَوطِنٍ للسَّاميِّين، وذلك على سِتَّةِ آراءٍ، فيما يأتي [82] يُنظر: ((تاريخ الأدب العربي)) لبروكلمان (1 / 41)، ((المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام)) لجواد علي (ص: 229 – 238)، ((دراسات في فقه اللغة)) لصبحي صالح (ص: 48)، ((فصول في فقه العربية)) لرمضان عبد التواب (ص: 38 – 42). :
1- في الشَّمالِ الإفريقيِّ، وقد قال بذلك جِيرلِنْد.
2-في سُوريَا وكَنعانَ، ومِمَّن قال بذلك جون بِيتَرْس.
3- على ضِفافِ نَهرَيِ الفُرَاتِ ودِجْلةَ (فيما بَينَ العَراقِ وأرمينِيا)، وقال به كُلٌّ من فونِ كريمَر، وجُويدي، وهُومِل.
4- في بلادِ الحَبَشةِ، وقد قال بهذا الرَّأيِ بِلْكِريف.
5- في الحِجازِ ونَجْدٍ، وقال به شبِرِنْجَر.
6- في جَنوبِ غَربِ شِبْهِ الجَزيرةِ العَربيَّةِ (في اليَمنِ)، وقد قال بذلك رينان، وكارْل بُروكْلمان، وفِلبِّي.
ومن الأهميَّةِ أن نشيرَ إلى أنَّ تحديدَ أوَّلِ مَوطِنٍ للُّغةِ السَّاميَّةِ يعتَمِدُ على المكانِ الذي يَطرُدُ منه السُّكَّانَ، والمكانِ الذي يَجذِبُ انتباهَهم؛ وذلك تَبَعًا لهِجْراتِهم التي دائمًا ما ينتَقِلون بواسِطتِها من مكانٍ إلى مكانٍ آخَرَ، وبناءً على هذه الدِّراساتِ استنتج العُلَماءُ أنَّ مِنطَقةَ الحِجازِ ونجدٍ يُعَدَّانِ من المناطِقِ الطَّاردةِ للسُّكَّانِ إلى جنوبِ اليَمَنِ، وأرمينِيا والعِراقِ والشَّامِ في الشَّمالِ، وفي الغَربِ الشَّمالُ الإفريقيُّ؛ لذلك من المرجَّحِ أن يكونَ هذا هو أوَّلَ مكانٍ للسَّاميِّين، ثمَّ بَعدَ ذلك تفرَّقوا شِيَعًا وأقوامًا، واختَلَفت لهَجاتُهم ولُغاتُهم [83] يُنظر: ((المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام)) لجواد علي (1/ 240، 241). .

انظر أيضا: