موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ الثَّالثُ: العَقْدُ


وهُو: " أنُ يَعمِدَ الشَّاعرُ إلى شيءٍ مِن كَلامِ اللهِ، أو كَلامِ رَسولِه، أوِ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنَ الصَّحابَةِ ومَنْ بعدَهم، أو كَلامِ الحُكَماءِ المَشْهورينَ، فيَنظِمَه بلفْظِه ومَعْناه، أو مُعْظمِ اللَّفظِ فيَزيدَ فيه ويَنقُصَ منه ليَدخُلَ في وزْنِ الشِّعرِ".
فمِثالُ العَقْدِ مِنَ القُرآنِ قولُ أبي نُواسٍ: الطويل
بنَفْسِي غَزالٌ صار للنَّاسِ قِبلةً
وقد زُرتُ في بعضِ اللَّيالي مُصلَّاهُ
ويَقرأُ في المِحرابِ والنَّاسُ خلفَه
ولا تَقْتلوا النَّفْسَ الَّتي حرَّمَ اللهُ
فقلتُ تأمَّلْ ما تقولُ فإنَّها
لِحاظُك يا مَنْ تَقتُلُ النَّاسَ عَيناهُ
فإنَّه عقَدَ قولَه تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ [الأنعام: 151] .
ومنه قولُ الشَّاعِرِ: الوافر
أنِلْني بالَّذي اسْتَقرضتَ خَطًّا
وأشْهِدْ مَعْشرًا قد شاهَدوهُ
فإنَّ اللهَ خلَّاقَ البَرايا
عَنَتْ لجَلالِ هَيبَتِه الوُجوهُ
يقولُ إذا تَدايَنْتُم بدَيْنٍ
إلى أجَلٍ مُسمًّى فاكْتُبوهُ
فالبيتُ الأخيرُ عقْدٌ لقولِه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة: 282] .
ومِن عقْدِ الحَديثِ الشَّريفِ قولُ الشَّاعِرِ: البسيط
إنَّ القُلوبَ لأجْنادٌ مُجنَّدةٌ
بالإذْنِ من ربِّها تَهْوى وتَأتلِفُ
فما تَعارَفَ منْها فهْوَ مُؤْتَلِفٌ
وما تَناكَرَ منْها فهْوَ مُخْتلِفُ
عقدٌ لقولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الأرْواحُ جُنودٌ مُجَنَّدةٌ؛ فما تَعارَفَ منْها ائْتلفَ، وما تَناكَرَ منْها اخْتلَفَ )) [505] أخرجه مسلم (2638) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
وقولُ الإمامِ الشَّافِعيِّ: الخفيف
عُمْدةُ الخيْرِ عِندَنا كَلِماتٌ
أرْبعٌ قالَهنَّ خيْرُ البَريَّه
اتَّقِ الشُّبُهاتِ، وازْهَد، ودَعْ ما
ليسَ يَعْنيكَ، واعْمَلَنَّ بنِيَّه
عقَد فيه الشَّافعيُّ أرْبعةَ أحادِيثَ، وهِي ((الحَلالُ بَيِّنٌ، والحَرامُ بَيِّنٌ، وبينَهما مُشبَّهاتٌ لا يَعلَمُها كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ، فمَنِ اتَّقَى المُشبَّهاتِ اسْتَبْرأ لدِينِه وعِرْضِه )) [506] أخرجه البخاري (52) واللفظ له، ومسلم (1599)، من حديث النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما ، و((ازْهَدْ في الدُّنيا يُحِبَّك اللهُ، وازْهَدْ فيما في أيْدي النَّاسِ يُحِبَّك النَّاسُ)) [507] أخرجه ابن ماجه (4102) باختلاف يسير، والطبراني (6/193) (5972)، والحاكم (7873) واللفظ لهما من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه. ، و((مِن حُسْنِ إسلامِ المَرءِ ترْكُه ما لا يَعْنيه )) [508] أخرجه الترمذي (2317)، وابن ماجه (3976) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ، و((إنَّما الأعْمالُ بالنِّيَّاتِ )) [509] أخرجه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907) باختلاف يسير من حديث عمر بن الخطاب رَضِيَ اللهُ عنه. .
ومنه عقْدُ الأمْثالِ، كقولِ الشَّاعِرِ: البسيط
الْبِسْ جَديدَك إنِّي لابِسٌ خَلَقي
ولا جَديدَ لمَنْ لا يَلبَسُ الخَلَقا
فإنَّه عقْدٌ للمَثلِ: «لا جَديدَ لمَنْ لا خَلَقَ له» [510] ينظر: ((الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم)) لعصام الدين الحنفي (2/ 517)، ((بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة)) لعبد المتعال الصعيدي (4/ 697). .

انظر أيضا: