موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ الأوَّلُ: الاقْتِباسُ


وهُو: "أن يُضَمِّنَ المُتكلِّمُ كَلامَه مِن شِعرٍ أو نَثْرٍ شيئًا مِنَ القُرآنِ أو الحَديثِ؛ تَفْخيمًا لشأنِه، وتَزيينًا لسَبْكِه، على وجْهٍ لا يُشْعِرُ أنَّه منْهما".
فالاقْتِباسُ هو تَزْيينُ الشِّعرِ أوِ النَّثرِ بكَلامِ اللهِ تعالى أو بكَلامِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهذا لا يَشُكُّ سامِعٌ أنَّ هذا الكَلامَ مِن نظْمِ الأدَيبِ، بل يُوقِنُ تَمامًا أنَّه كَلامُ اللهِ تعالى أو كَلامُ رَسولِه، لا سيَّما إنْ كان للمُسْتمِعِ شيءٌ مِنَ الدِّينِ والعقْلِ.
غيرَ أنَّه يُشتَرَطُ في الاقْتِباسِ -كما في التَّعْريفِ- أنْ يكونَ على وجْهٍ لا يُشعِرُ أنَّ كَلامَه هذا مِنَ القُرآنِ أوِ السُّنَّةِ؛ فلا يقولُ: قالَ اللهُ تعالى، أو: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
فمِن ذلك خُطبَةُ ابنِ نُباتةَ: "فيا أيُّها الغَفَلَةُ المُطْرِقُون، أمَا أنتم بِهذا الحَديثِ مُصَدِّقونَ، ما لَكم لا تُشفِقونَ، فورَبِّ السَّماءِ والأرْضِ إنَّه لحقٌّ مِثلَ ما أنَّكم تَنْطِقونَ"؛ فاقْتَبسَ ابنُ نُباتَةَ في خُطْبتِه وأدْخَلَ فيها قولَه تعالى: فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ [الذاريات: 23].
كما يُشترَطُ أيضًا ألَّا يكونَ الاقتباسُ في كَلامٍ هَزْليٍّ سَخيفٍ يُفقِدُ النَّصَّ القُرآنيَّ والنَّبَوِيَّ هَيْبتَه واحتِرامَه.
والاقْتِباسُ نَوعانِ:
أ- نَوعٌ لا يُنقَلُ فيه الكَلامُ مِن مَعْناه إلى مَعنًى آخَرَ:
كقولِ الحَريريِّ في مَقاماتِه: "أنا أنُبِّئُكم بتَأويلِه، وأمَيِّزُ صَحيحَ القولِ مِن عَليلِه"؛ فإنَّه صدَّرَ الكَلامَ بقولِه تعالى: أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ [يوسف: 45] .
ومنه في الشِّعرِ قولُ الشَّاعِرِ: الطويل
إذا رُمتُ عنْها سَلوةً قال شافِعٌ
مِنَ الحُبِّ مِيعادُ السُّلُوِّ المَقابِرُ
ستَبقَى لها في مُضمَرِ القلْبِ والحَشا
سَريرةُ حُبٍّ يومَ تُبْلى السَّرائِرُ
فقد ختَم بَيتَيه بقولِه تعالى: يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ [الطارق: 9] .
وقولُ بَديعِ الزَّمانِ الهَمْذانيِّ: المتقارب
لآلِ فَريغُونَ في المَكْرُماتِ
يدٌ أوَّلًا واعْتذارٌ أخيرَا
إذا ما حلَلْتَ بمَغْناهُمُ
رأيْتَ نَعيمًا ومُلكًا كبيرَا
اقْتَبس قولَه تعالى: رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا [الإنسان: 20] .
ومنه قولُ الصَّاحِبِ بنِ عبَّادٍ: الرمل
قالَ لي إنَّ رَفيقي
سيِّئُ الخُلْقِ فدارِهِ
قُلتُ دَعْني وجهُكَ الجَنـ
نَّةُ حُفَّتْ بالمَكارِهِ
اقْتَبس قولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((حُفَّتِ الجنَّةُ بالمَكارِهِ )) [502] أخرجه مسلم (2822) من حديث أنس بن مالك رَضِيَ اللهُ عنه. .
ب- ما نُقِل فيه الكَلامُ مِن مَعْناه الأصْليِّ إلى مَعنًى آخَرَ:
كقولِ ابنِ الرُّوميِّ: الهزج
لئِن أخْطأتُ في مدْحِـ
ـكَ ما أخْطأتَ في مَنْعي
لقد أنْزَلتُ حاجاتي
بوادٍ غيرِ ذِي زَرْعِ
اقْتَبس قولَه تعالى: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ [إبراهيم: 37] ، والمُرادُ مِنَ الآيةِ: لا زَرْعَ فيه ولا ماءَ، وأرادَ به الشَّاعِرُ: لا مَنْفعةَ مِن وَرائِه [503] ينظر: ((عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح)) لبهاء الدين السبكي (2/ 332)، ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 338). .

انظر أيضا: