موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الأوَّلُ: اللَّونُ الأوَّلُ مِنَ التَّطْريزِ


هو: "أنْ يَقعَ في أبْياتٍ مُتوالِيةٍ مِنَ القَصيدةِ كَلِماتٌ مُتَساويةٌ في الوزْنِ، فتكونَ فيها كالطِّرازِ في الثَّوبِ".
فمنه قولُ الشَّاعِرِ: البسيط
أُمْسي وأُصْبحُ مِن هِجرانِكم وَصِبًا
يَرثي ليَ المُشْفقانِ: الأهلُ والولَدُ
قد خدَّدَ الدَّمعُ خدِّي مِن تَذكُّرِكم
واعْتادني المُضْنيانِ: الوجْدُ والكمَدُ
وغاب عن مُقْلتي نَومي ونافَرَها
وخانَني المُسعِدانِ: الصَّبْرُ والجَلَدُ
لو رُمتُ إحْصاءَ ما بي مِن جوًى وضنًى
لم يُحصِه المُحْصيانِ: الوزْنُ والعدَدُ
أو رُمتُ مِن ضَعفِ جسْمي حمْلَ خَردَلةٍ
ما ضمَّها الأقوَيانِ: الزَّندُ والعَضُدُ
أسْتودِعُ اللهَ مَنْ أهواهُ كيفَ جرَتْ
بشَخْصِنا الحالتانِ: القُرْبُ والبُعُدُ
لا غَروَ للدَّمعِ أنْ تَجري غَوارِبُه
وتحتَه المُضْرَمانِ: القلْبُ والكَبِدُ
كأنَّما مُهْجتي شِلْوٌ بمَسبَعةٍ
يَنْتابُها الضَّاريانِ: الذِّئبُ والأسَدُ
لم يَبقَ غيرُ خَفيِّ الرُّوحِ في جسَدي
فِداؤُكِ الباقيانِ: الرُّوحُ والجسَدُ
إنِّي لأحْسُدُ في العُشِّاق مُصْطبِرًا
وحسبُك القاتلانِ: الحُبُّ والحسَدُ
فانْظُرْ كيف تَوالَتْ في عجُزِ الأبياتِ جميعًا تلك الكَلِماتُ المُثنَّاةُ، الَّتي تتَّفقُ معًا في الوزْنِ العَروضيِّ، وهِي: "المُشفِقان، المُضْنيان، المُسْعِدان، المُحْصيان، الأقوَيان، الحالتان، المُضْرَمان، الضَّاريان، الباقيان، القاتِلان"، وبعدَ كلِّ كَلمةٍ منْها تَفْسيرُها بأمرَينِ مَعْطوفَينِ ومُتّفقَينِ في الوزْنِ كذلك.
ومنه أيضًا قولُ الشَّاعِرِ: الرجز
صَبٌّ مُقيمٌ سائِرٌ فؤادُهُ
طوْعَ الهَوى معَ الخَليطِ المُنْجِدِ
غائِبُ قلْبٍ حاضِرٌ وِدادُهُ
لمَنْ نأى في عَهدِهم والمَعْهَدِ
له جوًى مُخامِرٌ يَعْتادُهُ
إذا شكا طَيْفُ الكَرى في العُوَّدِ
لصبرُه يُكابِرُ اتِّقادُهُ
حشْوَ الهَوى بعدَ الحِسانِ الخُرَّدِ
ودمعُه يُكاثِرُ اشْتِدادُهُ
خوْفَ النَّوى يقولُ للنَّومِ: ابْعُدِ
ما الصَّبرُ إلا غادِرٌ إنْجادُهُ
إذا بدا حُسْنُ النَّوى مِنْ بُعُدِ
لولا حَمامٌ هادِرٌ إسْعادُهُ
يَنْفي الجَوى بلَحنِه المُردَّدِ
كأنَّه مَزاهِرٌ أجْيادُهُ
سُودُ الحِلى مِنْ كلِّ شادٍ غَرِدِ
مُرخًى له سَتائِرٌ أعوادُهُ الـ
ـخُضْرُ الذُّرى بطلِّهنَّ تَرتدي
وافى ربيعٌ باكِرٌ أجْنادُهُ
حتَّى مضى سُلطانُ بَرْدٍ مُعْتدِ
أسلَفَ وهُو ناجِزٌ عُهادَهُ
بحرُ الثَّرى اللُّؤلؤَ بالزَّبَرجَدِ
ففي قافِيةِ العَروضِ في الأبْياتِ تَلحَظُ انْتِهاءَها بكَلِماتٍ مُتَقارِبةٍ في الوزْنِ وإنِ اخْتَلفتْ قليلًا أحْيانًا، كما أنَّ تلك الكَلِماتِ تَنْتهي جَميعًا بقافِيةِ الهاءِ المَضْمومةِ المَسْبوقةِ بألِفِ التَّأسيسِ وبعدَها الدَّخيلُ، وهُو حرْفُ الدَّالِ، وقد الْتزَمَه الشَّاعرُ في كلِّ عَروضِ القَصيدةِ، حتَّى تَرى تَكرارَ "آدهو" في نِهايةِ صدْرِ كلِّ بيتٍ مِنَ القَصيدةِ [490] ينظر: ((الصناعتين: الكتابة والشعر)) لأبي هلال العسكري (ص: 425)، ((البديع في نقد الشعر)) لأسامة بن منقذ (ص: 64). .

انظر أيضا: