موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ السَّابعُ: المُوارَبةُ


وهُو: "أنْ يقولَ المُتكلِّمُ قولًا يَتضمَّنُ ما يُنكَرُ عليه به، فإذا وُجِّه له الإنْكارُ اسْتَحضرَ بحِذْقِه وجْهًا مِنَ الوُجوهِ يَتخلَّصُ به؛ إمَّا بحَمْلِ الكَلمةِ على مَعانيها، أو بتَحْريفِها، أو بتَصْحيفِها، أو بحذْفِ بعضِ حُروفِها، أو نحوِ ذلك".
فمِن حذْفِ بعضِ الحُروفِ قولُ أبي نُواسٍ في "خالِصَةَ" جاريةٌ للرَّشيدِ: المتقارب
لقد ضاعَ شِعْري على بَابِكم
كَما ضاعَ عِقْدٌ على خالِصَهْ
فلمَّا أنْكرَ عليه الرَّشيدُ قولَه ذلك قال: إنَّما قلتُ: "ضاءَ" لا "ضاعَ. أيْ:
لقد ضاءَ شِعْري على بَابِكم
كَما ضاءَ عِقْدٌ على خالِصَهْ
حتَّى قالَ بعضُ الحاضِرينَ: هذا بيتٌ ذهَبتْ عَيناه فأبْصَرَ!
ومِنَ التَّحْريفِ أنَّ عبدَ المَلِكِ بنَ مَرْوانَ أُحضِرَ إليه بعضُ الخَوارِجِ، فقال له عبدُ المَلِكِ: يا عَدوَّ اللهِ، ألسْتَ القائِلَ:
فإنْ يكُ منْكم كان مَرْوانُ وابنُه
وعَمْرٌو ومنْكم هاشِمٌ وحَبيبُ
فمنَّا حُصَينٌ والبَطينُ وقَعْنَبٌ
ومنَّا أميرُ المُؤمِنينَ شَبيبُ
فقالَ الرَّجُلُ: لم أقلْ كذا يا أميرَ المُؤمنينَ، وإنَّما قلتُ: "ومنَّا -أميرَ المُؤمِنينَ- شَبيبُ" فاسْتَحسَن عبدُ المَلِكِ منه ذلك وأطْلَق سَراحَه.
والمُوارَبةُ هنا أنَّه نصَب "أمير" على النِّداءِ، أيْ: ومنَّا شبيبٌ يا أميرَ المُؤمنينَ، في حينِ المَعْنى على رفْعِ "أمير" أنَّه جعَل شَبيبًا أميرًا للمُؤمنينَ، وهذا ما أخَذَه عليه عبدُ المَلِكِ؛ فهرَب الرَّجلُ منْها بنصْبِ "أمير".
ومِنَ التَّصْحيفِ أنَّ بعضَ المُلوكِ كان له ولَدٌ اسْمُه يَحيى، ووَزيرٌ اسْمُه نَجْمٌ، فتَعلَّق قلْبُ الوَزيرِ بذلك الولَدِ وعَشِقه، ونقَش خاتمَه: "نَجْمٌ عَشِقَ يَحيى"، فلمَّا بلَغ المَلِكَ ذلك وعاتَبَه وأنْكَر عليه، قالَ: أيُّها المَلِكُ، إنَّما نقَشتُ: "بحم عسق نَجِّني"؛ يُريدُ أنَّه يَدعو اللهَ تعالى بحقِّ سُورةِ الشُّورى! وساعَدَه على ذلك عدَمُ النَّقْطِ.
ومِن تَغييرِ المَعْنى أنَّ المُتوكِّلَ أرادَ يومًا رمْيَ عُصْفورٍ فأخْطأَه، فقالَ له بعضُ أصْحابِه: أحْسَنتَ واللهِ يا أميرَ المُؤمنينَ. فاسْتَشاطَ المُتوكِّلُ غَضَبًا، وقال: أتَسْخَرُ منِّي؟! فقالَ: بل أحْسَنتَ إلى العُصْفورِ!
وقد تكونُ المُواربَةُ بغيرِ ذلك، كما وقَع لسُليمانَ بنِ كَثيرٍ؛ حيثُ إنَّ أبا مُسلِمٍ الخُراسانيَّ قال له: بلَغني أنَّه جَرى ذِكْري في مَجلِسٍ، فقلتَ: اللَّهمَّ سوِّدْ وجْهَه، واقْطَعْ رأسَه، واسْقِني مِن دَمِه. فقال: نَعمْ، قلتُ ذلك، وكنَّا جُلوسًا تحتَ كَرْمِ حِصْرمٍ، فوارَبَ بأنْ أعادَ الضَّميرَ في الدُّعاءِ على الكَرْمِ، وهُو العِنَبُ [483] ينظر: ((أنوار الربيع في أنواع البديع)) لابن معصوم المدني (2/299)، ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 334). !

انظر أيضا: