موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ السَّابِعُ والعِشرونَ: التَّفريعُ


وهُو: "أنْ يَقصِدَ المُتكلِّمُ وصْفًا ما، ثمَّ يُفرِّعَ منه وصْفًا آخَرَ يَتعلَّقُ بالمَوْصوفِ، يَزيدُه تَأكيدًا"، أو: "أنْ يُثْبَتَ لمُتعلِّقِ أمرٍ حكْمٌ بعدَ إثْباتِه لمُتعلِّقٍ له آخَرَ".
كقولِ الكُمَيتِ: البسيط
أحْلامُكم لسَقامِ الجهْلِ شافِيةٌ
كما دِماؤُكمُ يُشفَى بِها الكَلَبُ
يذكُرُ الشَّاعرُ أنَّ مَمْدوحَه مِن أرْبابِ العُقولِ والأحْلامِ، فحِلْمُه يَشفِي جهْلَ الحَمْقى والأغْبِياءِ، كما أنَّ دمَه يُشْفَى به مِن مرَضِ الكَلَبِ، وهُو مرَضٌ يُصيبُ الإنْسانَ فيَجْعلُه يَأكلُ لُحومَ النَّاسِ، ولا دَواءَ له -على حدِّ زَعْمِهم- إلَّا بشُرْبِ دِماءِ المُلوكِ.
ففرَّع عن وصْفِ حِلْمِه بشِفاءِ الجهْلِ وصْفَ دمِه بأنَّه يَشْفي مِنَ الكَلَبِ.
ومنه قولُ ابنِ المُعتَزِّ: السريع
كَلامُه أخْدَعُ مِن لحْظِهِ
ووَعدُه أكْذَبُ مِن طَيْفِهِ
فبينَا هو يَصِفُ خَدْعَ كَلامِه إذ فرَّع منه خَدْعَ لحْظِه، ويَصِفُ كذِبَ وَعْدِه فرَّع كذِبَ طَيفِه.
ومنه قولُ الشَّاعِرِ: الكامل
ما أخْطَأَتْ نُوناتُه مِنْ صُدْغِه
شيئًا ولا ألِفاتُه مِن قَدِّهِ
وكأنَّما أنْفاسُه مِن شَعْرِهِ
وكأنَّما قِرطاسُهُ مِن جِلْدِه
يصِفُ الشَّاعرُ خَطَّ غُلامٍ جَميلِ المَنْظرِ؛ ففرَّع عن تَقوُّسِ حَرْفِ النُّونِ في كَتابتِه بَتقوُّسِ صُدْغَيه، وعنِ اعْتِدالِ حرْفِ الألِفِ باعْتِدالِ قَوامِه، ثمَّ شبَّه أنْفاسَه في الكِتابةِ بشَعْرِه في رِقَّتِه وجَمالِه، وشبَّه قِرطاسَه بجِلْدِه في بَياضِه ونُحولِه، وهذان التَّشْبيهانِ ظاهِرٌ فيهما التَّفْريعُ.
وقريبٌ منه قولُ ابنِ شِيرزادَ في وصْفِ جاريةٍ كاتِبةٍ: "كأنَّ خطَّها أشْكالُ صُورتِها، وكأنَّ بَيانَها سِحْرُ مُقْلتِها، وكأنَّ سِكِّينَها غُنْجُ لَحْظِها، وكأنَّ مِدادَها سَوادُ شَعْرِها، وكأنَّ قِرطاسَها أَديمُ وَجْهِها، وكأنَّ قامتَها بعضُ أنامِلِها، وكأنَّ نَقْطَها قلْبُ عاشِقِها".
فكلُّ هذه التَّشْبيهاتِ تَفْريعٌ حسَنٌ ظَريفٌ؛ أراد وصْفَ خطِّها بالجَمالِ فشبَّهَه بصُورتِها، وهُو تَفْريعٌ بَليغٌ؛ كأنَّه قال: خطُّها جَميلٌ كشَكْلِها، وهكذا باقي التَّشْبيهاتِ؛ مِن تَشْبيهِ بَيانِها بسِحْرِ عَينِها، وسِكِّينِها الَّتي تَبري بها قلَمَها بغُنْجِ لحْظِها [456] الغنج: ملاحة العينين، والتكسر والتدلل. لَحَظَهُ، لَحْظًا: أيْ نَظَرَ بمُؤْخِرِ عَيْنَيْه. ينظر: ((تاج العروس)) (6/ 134) و(20/ 267). ، والحِبْرِ بسَوادِ الشَّعْرِ، والقِرطاسِ في بَياضِه بلونِ وجْهِها، وقامتِها طُولًا ونُحولًا بأنامِلِها، ونَقْطِها بقلْبِ عاشِقِها كَمَدًا وشَوْقًا [457] ينظر: ((العمدة في محاسن الشعر وآدابه)) لابن رشيق (2/ 42)، ((عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح)) لبهاء الدين السبكي (2/ 268). .

انظر أيضا: