موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ السَّادسُ والعِشرونَ: الاطِّرادُ


هو: "أنْ يذكُرَ اسمَ المَمدوحِ واسمَ مَنْ يُمكِنُ مِن آبائِه على تَرتيبِ الوِلادةِ؛ ليَزدادَ إبانةً وتَوضيحًا، على تَرتيبٍ صَحيحٍ ونَسَقٍ مُسْتقيمٍ، مِن غيرِ تَكلُّفٍ ولا تَعسُّفٍ، فيكونَ كالماءِ الجاري رِقَّةً وانْسِجامًا".
كقولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الكَريمُ ابنُ الكَريمِ ابنِ الكَريمِ ابنِ الكَريمِ: يُوسفُ بنُ يَعقوبَ بنِ إسْحاقَ بنِ إِبْراهيمَ عليهم السَّلامُ )) [454] أخرجه البخاري (3382) من حديث عبدالله بن عمر رَضِيَ اللهُ عنهما. . فذكَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اسمَه، واسمَ أبيه، وجَدِّه، وجَدِّ أبيه؛ بلا فصْلٍ ولا تَكلُّفٍ.
ومنه قولُ دُريدِ بنِ الصِّمَّةِ: الطويل
قتَلْنا بعبدِ اللهِ خيرَ لِداتِه
ذُؤابَ بنَ أسْماءَ بنَ زيدِ بنِ قارِبِ
فأتى باسمِ المَقْتولِ رُباعيًّا في سَلاسةٍ كاطِّرادِ الماءِ، دُونَ تَكلُّفٍ أو فصْلٍ. قال عبدُ المَلِكِ بنُ مَروانَ لمَّا سمِع البيتَ: لولا القافيةُ لبَلغَ به آدَمَ.
ومنه أيضًا قولُ الشَّاعِرِ: الكامل
إنْ يَقْتلوك فقد ثَللْتَ عُروشَهم
بعُتَيبَةَ بنِ الحارِثِ بنِ شِهابِ
فذكَر اسمَ الرَّجُلِ ثُلاثيًّا على التَّرْتيبِ دُونَ أنْ يَفصِلَ بشيءٍ، ودُونَ تَعسُّفٍ أو صُعوبةٍ في البَيتِ.
ومنه قولُ الأعْشَى: الطويل
أقَيسُ بنَ مَسْعودِ بنِ قَيسِ بنِ خالِدِ
وأنت الَّذي تَرْجو حَياتَك وائِلُ
فذكَر في شطْرِ بيتٍ اسمَ المَمْدوحِ رُباعيًّا في سُهولةٍ وسَلاسَةِ مَنْطِقِ.
أمَّا إذا تَكلَّفَ الشَّاعرُ شيئًا في ذكْرِ الأسْماءِ أو فصَل بينَها بفاصِلٍ لم يكنْ ذلك مِنَ الاطِّرادِ، كقولِ الشَّاعِرِ: الخفيف
مَنْ يكنْ رام حاجَةً بَعُدتْ عنــ
ــه وأعْيَتْ عليه كلَّ العَياءِ
فلها أحْمَدُ المُرجَّى بنُ يَحيى بـ
ـنِ مُعاذِ بنِ مُسلِمِ بنِ رَجاءِ
فأقحَم كَلمةَ "المُرجَّى" في ذكْرِ اسمِ المَمْدوحِ، وإنْ كان التَّوافُقُ الصَّوتيُّ بينَها وبينَ "رَجاءِ" قد خفَّف مِن حِدَّةِ تَكلُّفِها.
وقولِ الشَّاعِرِ: المتقارب
مَناسِبٌ تُحسَبُ مِن ضَوئِها
مَنازِلًا للقمَرِ الطَّالِعِ
نُوحُ بنُ عَمرِو بنِ حَوَّى بنِ عَمْـ
ـِرو بْنِ حَوَّى بنِ الفَتى مانِعِ
ففصَل بينَ الأسماءِ بكَلمةِ "الفَتى" معَ ما فيها مِنَ السَّماجَةِ والرَّكاكَةِ؛ فلفْظُ (الفتى) لا يَليقُ بجَدِّ هؤلاء جَميعًا، وإن كان يَقصِدُ بالفَتى الفُتوَّةَ لا فَتاءَ السِّنِّ.
ومن أكْثرِ الأبْياتِ تَكلُّفًا قولُ أبي الطَّيِّبِ المُتَنبِّي في سَيفِ الدَّولةِ: الطويل
فأنتَ أبو الهَيْجا ابنُ حَمْدانَ يا ابنَه
تَشابَهَ مَولودٌ كَريمٌ ووالِدُ
فحَمْدانُ حَمْدونٌ وحَمْدونُ حارِثٌ
وحارِثُ لُقمانٌ ولُقْمانُ راشِدُ
فكرَّر كلَّ اسمٍ مرَّتَينِ، وإنْ كان أرادَ تَشْبيهَ كلِّ واحِدٍ مِن آباءِ سيفِ الدَّولةِ بأبيه، كما أنَّه جاء بالاسمِ في صَدرِ البيتِ وعَجُزِه معًا [455] ينظر: ((العمدة في محاسن الشعر وآدابه)) لابن رشيق (2/ 82)، ((الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم)) لعصام الدين الحنفي (2/ 451). .

انظر أيضا: