موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الأوَّلُ: تَعْريفُ حُسْنِ التَّعليلِ


هو: "أنْ يُدَّعى لوصْفٍ علَّةٌ مُناسِبةٌ له باعْتبارٍ لَطيفٍ، غيرُ حَقيقيَّةٍ"، أو: "أنْ يُنكِرَ الأدَيبُ -صَراحةً أو ضِمْنًا- علَّةَ الشَّيءِ المَعْروفةَ، ويأتيَ بعِلَّةٍ أخرى أدَبيَّةٍ طَريفةٍ، لها اعْتِبارٌ لَطيفٌ، ومُشْتملَةٍ على دقَّةِ النَّظرِ، بحيثُ تُناسِبُ الغَرَضَ الَّذي يَرمي إليه".
فمنه قولُ أبي العَلاءِ المَعرِّيِّ في الرِّثاءِ: الطويل
وما كُلفةُ البَدْرِ المُنيرِ قَديمةٌ
ولكنَّها في وَجهِه أثَرُ اللَّطْمِ
يُريدُ الشَّاعرُ أنْ يذكُرَ أنَّ الحُزنَ قد خيَّم على الكَوْنِ كُلِّه، حتَّى البدْرِ في السَّماءِ؛ فقد بدَتْ في طَلعتِه كُلفةٌ (ما يَظهَرُ على وَجهِه مِن كُدْرَةٍ) مِن آثارِ اللَّطْمِ على فِراقِ المَرثيِّ. ويَنفي بذلك أنْ تكونَ تلك الكُلفةُ قَديمةً طَبيعيَّةً.
ومنه أيضًا قولُ الشَّاعِرِ: البسيط
ما قصَّرَ الغيْثُ عن مِصرٍ وتُربتِها
طبْعًا ولكنْ تعدَّاكم مِنَ الخَجَلِ
ولا جرَى النِّيلُ إلَّا وهْوَ مُعْترِفٌ
بسَبْقِكم فلِذا يَجْري على مَهَلِ
يُنكِرُ الشَّاعرُ هنا الأسْبابَ الطَّبيعيَّةَ في قلَّةِ المطَرِ عن مِصرَ؛ فإنَّه ما قلَّ بسَببِ الطَّبيعةِ، وإنَّما خجِل مِن أنْ يَنزِلَ بأرْضٍ يَعُمُّها فضْلُ ذلك المَمْدوحِ، ثمَّ أنكَر ضِمْنًا أن يكونَ جَرَيانُ النِّيلِ بَطيئًا أصْلًا، وإنَّما صار بَطيئًا لاعْتِرافِه أنَّه لا يَسبِقُ المَمْدوحَ في عَطاءٍ وفَضْلٍ ومنَّةٍ؛ فلِذا يَجْري على مَهَلٍ [439] ينظر: ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (7/ 115)، ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 306). .



انظر أيضا: