موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الرَّابعُ: الجمْعُ والتَّفريقُ


وهو: "أنْ يَجمَعَ المُتكلِّمُ بَيْنَ شَيئَينِ في حكْمٍ واحِدٍ، ثمَّ يُفرِّقَ بينَ جِهتي إدْخالِهما".
فمِن ذلك قولُه تعالى: خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف: 12] ؛ فجمَع إبْليسُ بينَ خلقِ اللهِ تعالى له وبينَ خلْقِه تعالى لآدمَ، ثمَّ فرَّق بأنَّه خلَقه مِن نارٍ وخلَق آدمَ مِن طيْنٍ.
ومنه قولُه تعالى: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً [الإسراء: 12] ؛ فجمَع سُبحانه وتعالى اللَّيلَ والنَّهارَ بجامِعِ أنَّهما آيتانِ مِن آياتِه جلَّ شأنُه، ثمَّ فرَّق فذكَر أنَّه قد مَحا آيةَ اللَّيلِ وترَك آيةَ النَّهارِ مُبْصِرةً.
وقولُه تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [الزمر: 42] ؛ أدْخَل النَّفسَينِ في حكْمِ التَّوفِّي، ثمَّ فرَّق بينَ جِهتيِ التَّوفِّي بالحُكْمِ بالإمْساكِ والإرْسالِ، أيْ: اللهُ يَتوفَّى الأنْفسَ الَّتي تُقبَضُ والنَّفسَ الَّتي لا تُقبَضُ، فيُمسِكُ الأُولى ويُرسِلُ الأخرى.
ومنه في الشِّعرِ قولُ الوَطواطِ: المتقارب
فوَجْهُك كالنَّارِ في ضَوئِها
وقَلبيَ كالنَّارِ في حَرِّها
فقد جمَع بينَ وجْهِ الحَبيبِ وقلْبِ نفْسِه في حكْمٍ واحِدٍ، وهُو تَشبيهُهما بالنَّارِ، ثمَّ فرَّق بينَهما في ذلك الحُكْمِ مِن جِهةِ وجْهِ الشَّبهِ فيهما؛ فوجْهُ الحَبيبةِ كالنَّارِ في ضَوئِها ولَمعانِها، وقلبُ الشَّاعرِ كالنَّارِ في حَرارتِها ولَهبِها المُحرِقِ.
ومنه قولُ الشَّاعِرِ: الطويل
تَشابَهَ يَوماه علينا فأشْكَلا
فما نحنُ نَدري أيُّ يَومَيه أفْضلُ
أيومُ نَداه الغَمْرِ أم يومُ بأسِه
وما منْهما إلَّا أغَرُّ مُحجَّلُ
فإنَّه أدْخَلَ يَومَيه في التَّشابُهِ والأشْكالِ، ثمَّ فرَّق بينَهما، فجعَل أحدَهما للبَذْلِ والسَّماحةِ، والثَّانيَ للنَّجدةِ والشَّجاعةِ.
ومنه قولُ البُحْتُريِّ: الطويل
ولمَّا التَقَينا والنَّقَا مَوعِدٌ لنا
تَعجَّبَ رائي الدُّرِّ حُسْنًا ولاقِطُهْ
فمِن لُؤلؤٍ تَجلوه عندَ ابْتِسامِها
ومِن لُؤلؤٍ عندَ الحَديثِ تُساقِطُه
فجمَع المَرئيَّ مِن الدُّرِّ والمَلقوطَ منه في كونِهما مُتعجَّبًا منْهما، ثمَّ فرَّق بينَهما فجعَل الأوَّلَ مَجلوًّا عندَ الابْتِسامِ، وهُو ثَغرُه، وجعَل الثَّانيَ مُسقَطًا عندَ المُحادَثةِ، وهُو حَديثُه.
وقولُ الشَّاعِرِ: الطويل
تَشابَهَ دَمْعانا غَداةَ فِراقِنا
مُشابَهَةً في قصَّةٍ دُونَ قِصَّةِ
فوَجنتُها تَكسو المَدامِعَ حُمرَةً
ودَمعيَ يَكسو حُمرَة اللَّونِ وجْنَتي
فجمَع بينَ دُموعِه ودُموعِ مَحْبوبتِه حينَ الوَداعِ، ثمَّ فرَّق بينَهما بأنَّ دُموعَها تَبدو حَمْراءَ مِن أثَرِ تَورُّدِ وَجنتِها واحْمرارِ خَدَّيْها، أمَّا هو فدُموعُه الحَمراءُ هي الَّتي كسَت وَجنتَه اللَّونَ الأحْمرَ [411] ينظر: ((أنوار الربيع في أنواع البديع)) لابن معصوم المدني (5/168). .

انظر أيضا: