موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ الرَّابعُ: المُشاكَلةُ


المُشاكَلةُ لُغةً: مَصدرُ: شاكَلَ يُشاكِلُ مُشاكَلةً، بمَعْنى: المُوافَقةُ والمُشابَهةُ [384] ينظر: ((الصحاح: تاج اللغة وصحاح العربية)) للجوهري (5/ 1737)، ((مختار الصحاح)) للرازي (ص: 168). .
واصْطِلاحًا: "ذكْرُ الشَّيءِ بلفْظِ غيرِه؛ لوُقوعِه في صُحبتِه، تَحْقيقًا أو تَقْديرًا".
فالتَّحْقيقُ مِثلُ قولِه تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى: 40] ، فجعَل سُبحانه الجَزاءَ على السَّيِّئةِ سَيِّئةً، وهُو ليس كذلك، وإنَّما لمُناسَبةِ السَّيِّئةِ الَّتي سبَقته.
ومنه قولُ الشَّاعِرِ: الكامل
قالوا اقْترِحْ شَيئًا نَجدْ لك طَبْخَه
قلتُ اطْبُخوا لي جُبَّةً وقَمِيصَا
فالجُبَّةُ والقَميصُ لا يُطبَخانِ، وإنَّما أتى بهذا اللَّفظِ لمُناسَبةِ قولِهم: "نَجدْ لك طبْخَه".
ومنه أيضًا قولُ عَمْرِو بنِ كُلثُومٍ: الوافر
ألَا لا يَجْهلَنْ أحَدٌ عليْنا
فنَجهَلَ فوقَ جهْلِ الجاهِلينا
فجعَل مُعاقَبةَ الجاهِلِ بجهْلِه جهْلًا؛ لمُشاكَلةِ الجهْلِ المَذْكورِ.
وأمَّا التَّقْديرُ: فهُو ألَّا يُذكَرَ المُشاكِلُ لفْظًا، وإنَّما يُقدَّرُ وُجودُه، كقَولِه تعالى: صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ [البقرة: 138] ؛ فقولُه: صِبْغَةَ اللَّهِ مَصدَرٌ مُؤكِّدٌ مُنْتصِبٌ عن قولِه: آمَنَّا بِاللَّهِ [البقرة: 136] في الآياتِ قبلَه، والمَعْنى "تَطهيرُ اللهِ"؛ لأنَّ الإيْمانَ يُطهِّرُ النُّفوسَ، والأصْلُ فيه أنَّ النَّصارى كانوا يَغمِسون أوْلادَهم في ماءٍ أصْفرَ يُسمُّونه المَعموديَّةَ، ويقولون: هو تَطهيرٌ لهم، فأُمِر المُسلمونَ بأنْ يقولوا لهم: آمنَّا باللهِ وصبَغَنا اللهُ بالإيْمانِ صِبْغةً لا مِثلَ صِبْغتِكم، وطهَّرَنا به تَطْهيرًا لا مثلَ تَطهيرِكم.
ومنه أيضًا ما حُكِي أنَّ فقيرًا وقَف على بابِ بعضِ الوُلاةِ وهُو يَغرِسُ فَسيلًا، فأنشَد: الكامل
إنَّ الوِلايةَ لا تَدومُ لواحِدٍ
إنْ كُنتَ تُنكِرُه فأينَ الأوَّلُ
فاغْرِسْ مِنَ الفِعلِ الجَميلِ غَرائِسًا
فإذا عُزِلتَ فإنَّها لا تُعزَلُ
فذكْرُ الرَّجلِ "اغْرِسْ" -وإنْ لم يكنِ الفِعلُ مِنَ المَغروساتِ- لمُناسَبةِ أنَّ الرَّجلَ رأى الواليَ يَغرِسُ فَسيلًا، وهُو صِغارُ النَّخْلِ [385] ينظر: ((الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم)) لعصام الدين الحنفي (1/ 100)، ((أنوار الربيع في أنواع البديع)) لابن معصوم المدني (5/285). .
وقد تقَعُ المشاكَلةُ بالتَّضادِّ، كقَولِ شُرَيحٍ القاضي لرجُلٍ شَهِد عنده: "إنَّك لَسَبْطُ الشَّهادةِ". فقال الرَّجلُ: إنَّها لم تُجَعَّدْ عنِّي"، فلمَّا صوَّر القاضي الشَّهادةَ المستقيمةَ بالشَّعرِ السَّبطِ المُسترسِلِ، جاراه الرَّجلُ وجعَلَ الْتواءَها والمداراةَ فيها مِن التَّجعيدِ، وهو خُشونةُ الشَّعرِ والْتِواؤه، مُشاكَلةً بذِكرِ الضِّدِّ [386] ينظر: ((بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة)) لعبد المتعال الصعيدي (4/ 589)، ((مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح)) لابن يعقوب المغربي (2/ 506). .

انظر أيضا: