موسوعة اللغة العربية

تمهيدٌ: عِلْمُ البَديعِ


تَعريفُ علْمِ البَديعِ
البَديعُ لُغةً: صِفةٌ مُشبَّهةٌ مِنَ الفِعلِ "بَدَع"، والبَدْعُ: إحْداثُ شيءٍ لم يكنْ له مِن قَبلُ خلْقٌ ولا ذِكْرٌ ولا مَعرِفةٌ، ومنه قولُه تعالى: وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ * بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ [البقرة: 116-117] .
والبَديعُ يَصلُحُ اسمَ فاعِلٍ بمَعْنى: الَّذي ابْتَدع شيئًا لم يكنْ، واسمَ مَفْعولٍ، بمَعْنى الشَّيءِ المُبتدَعِ العَجيبِ الَّذي لم يكنْ قبلَه مِثلُه [364] ينظر: ((العين)) للخليل (2/ 54)، ((تهذيب اللغة)) للأزهري (2/ 142). .
واصْطِلاحًا: "علْمٌ تُعرَفُ به الوُجوهُ والمزايا الَّتي تَزيدُ الكَلامَ حُسْنًا وطَلاوةً، وتَكسوه بَهاءً ورَوْنقًا، بعدَ مُطابقتِه لمُقْتضَى الحالِ، معَ وُضوحِ دلالتِه على المُرادِ لفْظًا ومَعْنًى".
شرحُ التَّعريفِ:
يتَّضحُ مِنَ التَّعريفِ السَّابِقِ أنَّ علْمَ البَديعِ قائِمٌ على تَحْسينِ الكَلامِ لفْظًا ومَعنًى، وذلك بعدَ أنْ يُطابِقَ مُقْتضَى الحالِ، فعِلْمُ البَديعِ يأتي بعدَ عِلْمِ المَعاني في التَّرْتيبِ؛ فعِلْمُ المَعاني يَقومُ بدِراسةِ مُطابَقةِ الكَلامِ لمُقْتضَى الحالِ؛ مِنَ الذِّكرِ والحذْفِ، والإيجازِ والإطْنابِ، والتَّقْديمِ والتَّأخيرِ، واسْتِخدامِ الخبَرِ والإنْشاءِ، إلى آخِرِ هذا الأمرِ.
كما يُراعي علْمُ المَعاني كذلك وُضوحَ الدَّلالةِ والبُعدَ عن الغُموضِ والتَّعقيدِ، وقد ذكَروا في علْمِ المَعاني اسْتِهجانَهم بعضَ المَواضعِ الَّتي أخلَّتْ بالمَعْنى، كتَقْديمِ ما حقُّه التَّأخيرُ والعكْسِ، أو حذْفِ ما يَحْتاجُه السِّياقُ، وذكْرِ ما لا طائِلَ مِن ذكْرِه، ونحْوِ ذلك [365] ينظر: ((عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح)) لبهاء الدين السبكي (2/ 224)، ((حاشية الدسوقي على مختصر المعاني)) (4/ 5). .
وقد اسْتقلَّ علْمُ البَديعِ بدِراسةِ المُحسِّناتِ الَّتي تُحسِّنُ الكَلامَ في اللَّفظِ أوِ المَعْنى، كما قال ابنُ خَلدونَ في تَعريفِه: (هو النَّظرُ في تَزيينِ الكَلامِ وتَحْسينِه بنَوعٍ مِنَ التَّنميقِ؛ إمَّا بسَجْعٍ يَفصِلُه، أو تَجْنيسٍ يُشابِهُ بَيْنَ ألْفاظِه، أو تَرْصيعٍ يَقطَعُ، أو تَوريةٍ عنِ المَعْنى المَقْصودِ بإيْهامِ مَعْنًى أخْفَى منه لاشْتِراكِ اللَّفظِ بينَهما، وأمْثالِ ذلك) [366] ((تاريخ ابن خلدون)) (1/ 761). .
وضعُ علْمِ البَديعِ: تفصيل نشأته وتطوره
اهتمَّ العَربُ بتَنميقِ الكَلامِ وتَحْسينِه كَثيرًا في أشْعارِهم ونَثرِهم، غيرَ أنَّهم لم يَلتفِتوا إلى تَدوينِ ذلك العلْمِ أو جمْعِ أنْواعِه وأشْكالِه قبلَ القَرْنِ الثَّالثِ الهِجريِّ؛ حيثُ كان الخَليفةُ العَباسيُّ عبدَ اللهِ بنَ المُعتَزِّ (ت: 274هـ)، فاسْتَقصى ما في الشِّعرِ مِنَ المُحسِّناتِ، بلَغ بها سبْعةَ عشَرَ نَوعًا، جمَعها في كِتابٍ سمَّاه: "البَديعُ في البَديعِ"، ثمَّ جاء مُعاصِرُه قُدامَةُ بنُ جَعفَرٍ فوضَع كِتابَه ((نَقْدُ الشِّعرِ)) زاد فيها ثَلاثةَ عشَرَ نوعًا على ما أتى به ابنُ المُعتَزِّ.
ثمَّ توالَتِ المُصنَّفاتُ بعدَ ذلك، وكثُرَ اهْتمامُ العُلَماءِ بهذا العلْمِ، فجمَع أبو هِلالٍ العَسْكريُّ سبْعةً وثَلاثينَ نوعًا، وكذلك ابنُ رَشيقٍ في كِتابِه العُمْدَة، حتَّى وصَل الأمرُ إلى صَفيِّ الدِّينِ الحِلِّيِّ الَّذي أوصَل أنْواعَها إلى مئةٍ وأرْبعينَ نَوعًا [367] ينظر: ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 298)، ((علم البديع)) لعبد العزيز عتيق (ص: 75). .

انظر أيضا: