موسوعة اللغة العربية

الفَرْعُ الأوَّلُ: أقْسامُ الكِنايةِ عن صِفةٍ


تَنقسِمُ الكِنايةُ عن صِفةٍ إلى نَوعَينِ:
النَّوعُ الأوَّلُ: الكِنايةُ القَريبَةُ
  وهِي ما يُنتقَلُ منْها إلى المَطْلوبِ بلا واسِطةٍ، مِثلُ قولِهم: "عَريضُ القَفا" الَّتي هي كِنايةٌ عنِ الغَباءِ، و"غَليظُ الكَبِدِ" كِنايةٌ عنِ القَسوةِ، "ونَؤومُ الضُّحى" كِنايةٌ عنِ التَّرَفِ؛ فإنَّه في كلِّ تلك الكِناياتِ لا يَتطلَّبُ العقْلُ واسِطةً تَنقُلُه مِن دَلالةِ عَريضِ القَفا إلى الغَباءِ، ولا مِن دَلالةِ غَليظِ الكَبِدِ إلى القَسوةِ، ولا مِن نَؤومِ الضُّحى إلى التَّرَفِ والغِنى، وإنْ كان أحْيانًا يَحْتاجُ إلى بعضٍ مِنَ التَّأمُّلِ والتَّفكُّرِ.
النَّوعُ الثَّاني: الكِنايةُ البَعيدَةُ
وهِي ما يُنتقَلُ منْها إلى المَطْلوبِ بواسِطةٍ؛ كقَولِهم: "كَثيرُ الرَّمادِ" كِنايةً عنِ الكَرمِ؛ فإنَّ الذِّهنَ يَنتقِلُ مِن كثْرةِ الرَّمادِ إلى كثْرةِ الفحْمِ، ومِن كثْرةِ الفحْمِ إلى كثْرةِ الطَّبخِ، ومِن كثْرةِ الطَّبخِ إلى الكَرمِ.
ومِثلُها: "جَبانُ الكلْبِ"؛ فإنَّ الذِّهنَ يَنتقِلُ مِن جُبنِ الكلْبِ عنِ النَّبْحِ في وجْهِ مَنْ يمُرُّ أمامَه إلى أنَّ صاحِبَه كان دائِمَ الزَّجْرِ له عن ذلك، ثمَّ إلى اسْتمرارِ مُوجِبِ نُباحِه، وهُو اتِّصالُ مُشاهدتِه وُجوهًا إثْرَ وُجوهٍ، ومِن هذا إلى كونِه مَلجأً للقاصي والدَّاني، ومِن هذا إلى أنَّه مَشهورٌ بحُسْنِ قِرى الأضْيافِ.
ومِثلُها طَويلُ النِّجادِ في الدَّلالةِ على الشَّجاعةِ؛ فإنَّ طُولَ النِّجادِ يَذهَبُ بك إلى طُولِ الجُثمانِ، ثمَّ إلى الدَّلالةِ على القوَّةِ الَّتي تُصاحِبُ الطُّولَ غالِبًا، ثمَّ إلى الشَّجاعةِ، وهِي المَقْصودةُ [353] ينظر: ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 288)، ((علوم البلاغة)) للمراغي (ص: 302). .
2- الكِنايةُ عن مَوصوفٍ: وهِي أنْ تذكُرَ خَصائِصَ وصِفاتٍ يَتميَّزُ بها ذلك المَوْصوفُ بدَلًا مِن أنْ تذْكُرَه بنفْسِه، بمعنى أنَّها كِنايةٌ عن ذاتٍ مَوصوفةٍ، فتَقولَ: "ملِكُ الغابةِ" كِنايةً عنِ الأسدِ، وتقولَ: "أرْضُ الرَّافِدينِ" كِنايةً عنِ العِراقِ، ومنه قولُه تعالى: وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ [القمر: 13]، كِنايةً عنِ السَّفينةِ (وهِي مِنَ الصِّفاتِ الَّتي تَقومُ مَقامَ المَوْصوفاتِ، فتَنوبُ مَنابَها وتُؤدِي مُؤدَّاها، بحيثُ لا يُفصَلُ بينَها وبينَها) [354] ((تفسير الزمخشري)) (4/ 434). .
ويُشْترَطُ في تلك الكِنايةِ أنْ تكونَ بخَصِيصةٍ تُميِّزُ المَوْصوفَ من غيرِه؛ ليَصِحَّ الانْتقالُ منها إليه؛ فلا يُقالُ: "ذو النَّابِ" كِنايةً عنِ الأسدِ مَثلًا؛ لأنَّ أكْثرَ الحَيواناتِ لها أنْيابٌ.

انظر أيضا: