موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ الثَّاني: المَجازُ المُرسَلُ المُركَّبُ


وهُو: اللَّفظُ المُركَّبُ المُسْتعمَلُ في غيرِ ما وُضِع له لعَلاقةٍ غيرِ المُشابَهةِ.
ويَتَّضحُ مِنَ التَّعْريفِ أنَّه نفْسُ تَعريفِ المَجازِ المُرسَلِ المُفرَدِ، لكنْ زِيدَ عليه هنا أنَّه مُركَّبٌ.
وهذا المَجازُ المُرسَلُ المُركَّبُ أنْواعٌ؛ حيثُ يَقعُ في:
1- المُركَّباتِ الخبَريَّةِ المُسْتعمَلةِ في المَعاني الإنْشائيَّةِ:
كقولِ الشَّاعِرِ: الكامل
ذهَب الشَّبابُ فما لهُ مِن عَودَةٍ
وأتى المَشيبُ فأينَ منْهُ المَهرَبُ
فإنَّ المَعْنى المُباشِرَ مِنَ البيْتِ وصْفُ حالِه مِن ذَهابِ الشَّبابِ وحُلولِ الشَّيبِ مَحلَّه، لكنَّ المَقْصودَ منه إظْهارُ الحزْنِ والتَّحسُّرِ والجزَعِ. والقَرينةُ هنا هي حالُ المُتكلِّمِ الَّذي يُبيِّنُ أنَّه مُتضجِّرٌ ممَّا أصابَه وحلَّ به.
ومنه قولُ الشَّاعِرِ: الخفيف
رَبِّ إنِّي لا أسْتَطيعُ اصْطِبارًا
فاعْفُ عنِّي يا مَنْ يُقِيلُ العِثَارا
فإنَّ قولَه: "لا أسْتَطيعُ اصْطِبارًا" خبَريٌّ، لكنَّ المَقْصودَ منه هو إظْهارُ الضَّعفِ والعجْزِ، وهُو ما يَتناسَبُ معَ طلَبِ الرَّحمةِ والعفْوِ.
ومنه قولُك: "رحِم اللهُ فُلانًا، غفَر اللهُ لك، كتَب اللهُ لنا النَّجاحَ ..." فكلُّها أساليبُ خبَريَّةٌ، لكنَّ المَقْصودَ منها الدُّعاءُ، يدُلُّ على ذلك الحالُ والواقِعُ؛ فإنَّ المُتكلِّمَ لا يعلَمُ الغَيبَ حتَّى يَرى إنْ كان فُلانٌ قد رُحِم أم لا، وهكذا باقي الأمْثِلةِ.
2- المُركَّباتِ الإنْشائيَّةِ المُسْتعمَلةِ في المَعاني الخبَريَّةِ:
كالأمرِ والنَّهيِ والاسْتِفهامِ ونحْوِه، إذا خرَجَت عن المَعْنى المُراد منها إلى معنًى آخَرَ، كقوْلِ فِرعَونَ: أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ [الشعراء: 18] ؛ فإنَّ الاسْتِفهامَ هنا ليس مَعْنى طلَبِ التَّصْديقِ كما هو حالُ الاسْتِفهامِ بالهَمْزةِ، بلِ المُرادُ هو إنْكارُ فِرعَونَ لِما يقولُه مُوسى، أيْ: أتُريدُ أنْ تُؤلِّبَ النَّاسَ عليَّ ولي نِعمَةٌ عليك؛ فقد ربَّيتُك وأطْعمتُك وكَذا وكَذا؟!
ومنه قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَنْ كذَب عليَّ مُتعمِّدًا فلْيَتبوَّأْ مَقعَدَه مِنَ النَّارِ )) [341] أخرجه البخاري (110) مطولاً، ومسلم في ((مقدمة الصحيح)) (3) من حَديثِ أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه. ؛ فالمُرادُ: مَن كذَب عليَّ مُتعمِّدًا يَتبوَّأْ، فظاهِرُه أمرٌ ومَعْناه الخبَرُ، والعَلاقةُ بينَهما السَّببيَّةُ والمُسبَّبيَّةُ؛ لأنَّ إنْشاءَ المُتكلِّمِ للعِبارةِ سَببٌ لإخْبارِه بما تَتضمَّنُه [342] ينظر: ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 274)، ((علوم البلاغة)) للمراغي (ص: 286). .

انظر أيضا: