موسوعة اللغة العربية

المَطلَبُ الخامسُ: الاستعارةُ بحسَبِ الجامعِ


تَنقسِمُ الاستعارةُ بحسَبِ الجامعِ إلى:
1- استعارةٍ عامِّيَّةٍ مُبتذَلةٍ: وهي التي تَلُوكُها الألْسنةُ، واعتادَها النَّاسُ، ولا تَحتاجُ إلى إعمالِ عَقلٍ لفَهمِها؛ كقولِك: رأيتُ شَمسًا، وقابلْتُ أسدًا، وورَدْتُ بَحْرًا؛ استعَرْتَ الشَّمسَ للمرأةِ الجميلةِ، والأسدَ للرَّجلِ الشُّجاعِ، والبحرَ للجَوَادِ الكريمِ. وهذا النَّوعُ مِن الاستعارةِ لا يَهتَمُّ به البُلغاءُ، ولا يُستحسَنُ إلَّا في مَقامِ الوعظِ والإرشادِ، أو في المخاطَباتِ العامَّةِ.
2- استعارةٌ خاصِّيَّةٌ: وهي ما كان الجامعُ بيْن المستعارِ والمستعارِ له بَعيدًا، يَحتاجُ إلى إعمالِ عَقلٍ وإطالةِ نَظرٍ؛ كقولِ طُفيلٍ الغَنَويِّ: الكامل
وجَعَلْتُ كوري فَوْقَ ناجيةٍ
يَقْتاتُ شَحْمَ سنامِها الرَّحلُ
الكُورُ: الرَّحلُ، والنَّاجيةُ: الناقةُ؛ استعارَ الشَّاعرُ الاقتِياتَ -وهو الأكلُ وتَناولُ الطَّعامِ بالفمِ- لإذهابِ الرَّحلِ لشَحْمِ السَّنامِ، والجامعُ بيْنهما إزالةُ الشَّيءِ تَدْريجيًّا، فمِن كَثرةِ احتكاكِ الرَّحلِ بسِنامِ النَّاقةِ أهْزَلَها وأذْهَبَ شَحْمَ سنامِها، فكأنَّه كان يَأكُلُه.
وكقَولِ ابنِ المُعتَزِّ: الرجز
حتَّى إذا ما عَرَفَ الصَّيدُ الدَّارَ
وأَذِنَ الصُّبْحُ لنا بالإبصارِ
استعار الإذْنَ للتَّمكُّنِ مِن الرُّؤيةِ بعْدَ العجزِ عنها ليلًا، والجامعُ بيْنهما حُصولُ القدرةِ على شَيءٍ بعْدَ امتناعِها، فكما تَمتنِعُ الرُّؤيةُ ليلًا، كذا تَمتنِعُ الأشياءُ بمَنْعِ صاحبِها لها.
وتَحدُثُ الخصوصيَّةُ والغرابةُ في الاستعارةِ الخاصِّيَّةِ بأحدِ أُمورٍ:
أ- أنْ تكونَ الغرابةُ في التَّشبيهِ نفسهِ، كما في البيتينِ السَّابقينِ؛ حيث سَبَق الشاعرانِ إلى تَعبيرٍ لم يَعْتَدْه العامَّةُ.
ب- أن تَحصُلَ بتَصرُّفٍ في الاستعارةِ العامِّيَّةِ المُبتذَلةِ؛ كقولِ ابنِ المُعتَزِّ: البسيط
سالَتْ عليه شِعابُ الحيِّ حِين دَعا
أنصارَه بوُجوهٍ كالدَّنانيرِ
فاستعارةُ السَّيَلانِ للكثرةِ استعارةٌ مُبتذَلةٌ، لكنَّ الشاعرَ أزال ابتَذالَها حِين أسنَدَ السَّيَلانَ إلى الشِّعابِ، لا إلى النَّاسِ والوجوهِ؛ فكأنَّ الشِّعابَ فاضتْ بالرِّجالِ مِن كلِّ جانبٍ حتَّى لم يَجِدِ الناسُ مَكانًا للوقوفِ، وساعَدَ على ذلك قولُه: "عليه".
ومنه أيضًا قولُ الشَّاعرِ: الكامل
فَرْعاءُ إنْ نَهَضتْ لحاجتِها
عَجِلَ القضيبُ وأبْطَأَ الدِّعْصُ
استعار الشاعرُ القضيبَ للقوامِ، والدِّعْصَ -وهو القطعةُ مِن الرَّملِ المجتمعِ- للرِّدفِ، وهي استعارةٌ مُبتذَلةٌ، إلا أنَّه غايَرَ المعتادَ فوَصَف القضيبَ بالعَجَلةِ والدِّعْصَ بالإبطاءِ، وهو ما أدَّى إلى المبالَغةِ في بيانِ رَشاقتِها وضَخامةِ عَجُزِها.
ج- الجمعُ بين عِدَّةِ استعاراتٍ، كقولِ امرئِ القيسِ الطويل
فقُلتُ له لَمَّا تَمطَّى بصُلبِه
وأردَفَ أعْجازًا وناءَ بكَلْكَلِ
فقدْ أراد وَصْفَ اللَّيلِ بالطُّولِ، فاستعارَ له الصُّلبَ، وجَعَله يَتمطَّى كما يَتَمطَّى الرَّجلُ ليَزيدَ طُولُه شيئًا عندَ التَّمَطِّي، ثمَّ استعارَ له الأعجازَ لِبَيانِ ثِقلِه وبُطْءِ سَيرِه، بلْ إنَّه بالَغَ في ذلك حِين جَعَلها يُردِفُ بعضُها بعضًا، ثمَّ استعارَ له كَلْكَلًا، وهو ما يَعتمِدُ عليه البعيرُ إذا بَرَكَ، ثمَّ زاد مُبالَغةً فوَصَفه بأنَّه يَنُوءُ ويَثقُلُ؛ لِما في اللَّيلِ مِن التَّعبِ والنَّصَبِ على كلِّ ساهرٍ يَرتقِبُ النَّهارَ. فإنْ كان تَصويرُ اللَّيلِ بالبعيرِ مُبتذَلةً، إلَّا أنَّه أزال ذلك الابتذالَ بتلك الاستعاراتِ الَّتي أحكَمَتْ خُيوطَ الصُّورةِ [322] ينظر: ((علوم البلاغة البيان، المعاني، البديع)) للمراغي (ص: 268)، ((بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة)) لعبد المتعال الصعيدي (3/ 494). .

انظر أيضا: