موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الثَّاني: التَّشْبيهُ المُجْمَلُ


هو ذلك التَّشْبيهُ الَّذي حُذِف منه وجْهُ الشَّبَهِ، كقَولِه تعالى: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان: 44] ؛ ففي الآيةِ تَشْبيهٌ للكُفَّارِ في ضَلالِهم وجَهْلِهم وغفْلةِ قُلوبِهم، وعدَمِ اسْتغلالِ حواسِّهم ومَداركِهم- بالأنْعامِ، ووجْهُ الشَّبهِ هنا -وهُو الضَّلالُ والجهْلُ والغفْلةُ ونحْوُ ذلك- مَحْذوفٌ لم يُذكَرْ، في حين أتى التَّصْريحُ بالأداةِ، وهِي الكافُ.
ومنه قولُ الشَّاعِرِ: الرمل
إنَّما الدُّنيا كبَيْتٍ
نسْجُهُ مِن عَنْكَبوتِ
حيثُ صوَّر الشَّاعرُ الدُّنيا في وهْنِها وضَعْفِها ببيْتِ العَنْكَبوتِ، وذكَر الأداةَ، وهِي الكافُ، وحذَف وجْهَ الشَّبهِ، وهُو الوَهْنُ والضَّعْفُ، غيرَ أنَّه ظاهِرٌ مِنَ السِّياقِ.
ووجْهُ الشَّبهِ قد يكونُ مَعْلومًا ظاهِرًا، كقولِك: زيدٌ كالأسدِ، فلا ريْبَ أنَّ المُرادَ هنا الجُرأةُ والشَّجاعةُ، وقد لا يكونُ ظاهِرًا، بل يَحْتاجُ إلى قَريحَةٍ وفَهْمٍ، وذلك كقَولِ فاطِمةَ بنْتِ الخُرْشُبِ حين سُئِلَتْ: أيُّ أولادِكِ أفْضلُ؟ فقالت: "عُمارَةُ، لا بل فُلانٌ، لا بل فُلانٌ، ثمَّ قالت: ثَكِلتُهم إنْ كنتُ أعلَمُ أيُّهم أفْضلُ، هم كالحَلْقةِ المُفْرَغةِ لا يُدْرى أينَ طرَفاها".
فمَعْنى ذلك أنَّ أبْناءَها لِتَناسُبِ أصولِهم وفُروعِهم وتَساويهم في الشَّرفِ يَمْتنِعُ تَعْيينُ بعضِهم فاضِلًا وبعضِهم أفْضلَ منه، كما أنَّ الحَلْقةَ المُفْرَغةَ لِتَناسُبِ أجْزائِها وتَساويها يَمْتنعُ تَعْيينُ بعضِها طرَفًا وبعضِها وسَطًا، فتَشْبيهُ أبْناءِ بنْتِ الخُرْشُبِ بالحَلْقةِ المُفْرَغةِ تَشْبيهٌ مُجمَلٌ، ووجْهُ شَبهِه المَحْذوفُ، وهُو تَعذُّرُ -بلِ اسْتِحالةُ- تَعْيينِ أوَّليَّةِ أو أفْضَليَّةِ أشياءَ مُتناسِبةٍ مُتساويةٍ، أو هو التَّناسُبُ المانِعُ مِن تَمْييزٍ يَصِحُّ معَه التَّفاوُتُ. فهذا الوجْهُ المَحْذوفُ الَّذي يَشْترِكُ فيه طَرَفا التَّشْبيهِ أمرٌ خَفِيٌّ لا يَسْتطيعُ إدْراكَه إلَّا مَنْ له ذِهْنٌ يَرْتفعُ عن طَبقةِ العامَّةِ [301] ينظر: ((عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح)) لبهاء الدين السبكي (2/ 101)، ((علم البيان)) لعبد العزيز عتيق (ص: 90). .
والتَّشْبيهُ المُجمَلُ قد تُذكَرُ فيه الأداةُ وقد لا تُذكَرُ، فإذا أتتْ أداةُ التَّشْبيهِ كان تَشْبيهًا مُرْسَلًا مُجمَلًا، كالأمْثِلةِ السَّابِقةِ، وإذا خلا مِنَ الأداةِ كان تَشْبيهًا بَليغًا كما ذكَرْنا.

انظر أيضا: