موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ السَّادسُ: وجْهُ الشَّبهِ


وهُو الوصْفُ الخاصُّ الَّذي قُصِد اشْتراكُ الطَّرفَين فيه، فقولُك: "عليٌّ كالأسدِ"، وجْهُ الشَّبهِ فيه الجُرأةُ والشَّجاعةُ والقوَّةُ، وتقولُ: "وجْهُ فاطِمةَ كالشَّمسِ" تُريدُ: في البَهاءِ والحُسْنِ.
ويَنْقسِمُ وجْهُ الشَّبهِ عدَّةَ تَقْسيماتٍ:
1- التَّحْقيقيُّ والتَّخْييليُّ:
أ- التَّحْقيقيُّ: ما كان وجْهُ الشَّبهِ مُتَحقِّقًا بذاتِه في الطَّرفَين حَقيقةً، كقولِك: زيدٌ شُجاعٌ كالأسدِ، فوجْهُ الشَّبهِ هنا مُتحقِّقٌ في المُشبَّهِ (زيد) والمُشبَّهِ به (الأسد).
ب- التَّخْييليُّ: ما لا يكونُ وُجودُه في أحدِ الطَّرفَين إلَّا على ضرْبٍ مِنَ التَّأويلِ.
فمنه ما يكونُ التَّأويلُ في المُشبَّهِ، كقولِ الشَّاعِرِ: المجتث
صُدْغُ الحَبيبِ وحالي
كلاهُما كاللَّيالي
فتَصْويرُه حالَه بأنَّه أسودُ كاللَّيلِ ليس حَقيقيًّا، وإنَّما فيه نوعُ تَأويلٍ.
ومنه ما يكونُ التَّأويلُ في المُشبَّهِ به، وهُو قولُ التَّنوخيِّ: الخفيف
وكأنَّ النُّجومَ بَيْنَ دُجاها
سُننٌ لاح بينَهن ابْتِداعُ
(فإنَّ وجْهَ الشَّبهِ فيه الهَيئةُ الحاصِلةُ مِن حُصولِ أشْياءَ مُشْرِقةٍ بِيضٍ في جَوانِبِ شيءٍ مُظلِمٍ أسْودَ؛ فهِي غيرُ مَوْجودةٍ في المُشبَّهِ به إلَّا على طَريقِ التَّخييلِ، وذلك أنَّه لمَّا كانتِ البِدْعةُ والضَّلالةُ وكلُّ ما هو جهْلٌ تَجعَلُ صاحِبَها في حكْمِ مَنْ يَمشي في الظُّلْمةِ، فلا يَهْتدي إلى الطَّريقِ، ولا يَفصِلُ الشَّيءَ مِن غيرِه؛ فلا يأمَنُ أنْ يَتردَّى في مَهْواةٍ، أو يَعْثُرَ على عدوِّ قاتِلٍ، أو آفةٍ مُهْلِكةٍ- شُبِّهتْ بالظُّلْمةِ، ولزِمَ على عكْسِ ذلك أنْ تُشبَّهُ السُّنَّةُ والهُدى وكلُّ ما هو عِلْمٌ بالنُّورِ) [297] ((بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة)) لعبد المتعال الصعيدي (3/ 394). .
2- الواحِدُ والمُركَّبُ والمُتعدِّدُ، وكلُّ واحِدٍ إمَّا حِسِّيٍّ وإمَّا عقْليٍّ:
قد يكونُ وجْهُ الشَّبهِ شيئًا مُفْردًا، كالجَمالِ والبَهاءِ والقوَّةِ والشَّجاعةِ والحُسْنِ والسُّرعةِ ونحْوِ ذلك، وهذه الأشْياءُ منها ما يُدرَكُ بالحِسِّ كالجَمالِ والحُسْنِ، ومنها ما يُدرَكُ بالعقْلِ كالعِلْمِ والهِدايةِ.
وقد يكونُ وجْهُ الشَّبهِ مُركَّبًا مِن أشياءَ لا مِن شيءٍ واحِدٍ، كقولِ الشَّاعِرِ: "والشَّمسُ كالمِرآةِ في كَفِّ الأشَلْ"؛ فوجْهُ الشَّبهِ: الهَيْئةُ الحاصِلةُ مِنَ الاسْتِدارةِ معَ الإشْراقِ والحَركةِ السَّريعةِ المُتَّصلةِ معَ الإشْراقِ، حتَّى يُرى الشُّعاعُ كأنَّه يَهُمُّ بأنْ يَنْبَسِطَ حتَّى يَفيضَ مِنَ الوسَطِ إلى جَوانِبِ الدَّائِرةِ، ثمَّ يَبْدو له أنْ يَرجِعَ مِنَ الانْبِساطِ الَّذي همَّ به إلى الانْقِباضِ كأنَّه يَرجِعُ مِنَ الجَوانِبِ إلى الوسَطِ، فإنَّ الإنْسانَ إذا أحَدَّ النَّظرَ ليَنظُرَ إلى الشَّمسِ، ولا سيَّما أوَّلَ شُروقِها، ليَتبيَّنَ جِرْمَها؛ وجَدها تُؤدِّي هذه الهَيئةَ، وكذلك المِرآةُ في كفِّ الأشلِّ.
وقد يكونُ وجْهُ الشَّبهِ مُتَعدِّدًا، ومَعْنى تَعدُّدِه أنْ يكونَ وجْهُ الشَّبهِ مَعْطوفًا على غيرِه، بحيثُ لو حذَفتَ أحدَها لَما اخْتلَّ المَعْنى، كقولِ: الأخْتُ كالأمِّ عطْفًا وحَنانًا ورِعايةً.
وكلٌّ مِن هذه الثَّلاثةِ تَنْقسِمُ بحسَبِ الحِسِّيِّ والعقْليِّ إلى الواحِدِ الحِسِّيِّ والواحِدِ العقْليِّ، والمُركَّبِ الحِسِّيِّ والمُركَّبِ العقْليِّ، والمُتعدِّدِ الحِسِّيِّ والمُتعدِّدِ العقْليِّ، والمُتعدِّدِ المُخْتلفِ الحِسِّيِّ والعقْليِّ [298] يُنظر: ((علوم البلاغة)) للمراغي (ص: 221)، ((بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة)) لعبد المتعال الصعيدي (3/ 394). .

انظر أيضا: