موسوعة اللغة العربية

تمهيدٌ: الفَصْلُ والوَصْلُ


مَعْرفةُ الفَصْل والوَصْلِ: هو العِلْمُ بمَواضِعِ العطْفِ أوِ الاسْتِئنافِ، والاهْتِداءُ إلى كَيفيَّةِ إيْقاعِ حُروفِ العطْفِ في مَواقِعِها، أو ترْكُها عندَ الحاجَةِ إليها. وذلك صعْبُ المَسلَكِ، لَطيفُ المَغْزى، كَثيرُ الفائِدةِ، غامِضُ السِّرِّ، لا يُوفَّقُ للصَّوابِ فيه إلا مَنْ أُوتِيَ حَظًّا مِن حُسْنِ الذَّوقِ، وطُبِع على البَلاغَةِ، ورُزِق بَصيرَةً نقَّادةً في إدْراكِ مَحاسِنِها.
ولعَظيمِ أهميَّةِ هذا البابِ عرَّف البعضُ البَلاغَةَ بذلك، قيل للفارِسيِّ: ما البَلاغَةُ؟ فقال: مَعْرفةُ الفَصْلِ مِنَ الوصْلِ. وقال المأمونُ لِبعضِهم: مَنْ أبلَغُ النَّاسِ؟ فقال: مَن قرَّبَ الأمرَ البَعيدَ المُتناوَلِ، والصَّعبَ الدَّرَكِ بالألْفاظِ اليَسيرةِ. قال: ما عدَل سهمُك عنِ الغَرَضِ. ولكنَّ البَليغَ مَنْ كان كَلامُه في مِقدارِ حاجَتِه، ولا يُجيلُ الفِكرةَ في اخْتلاسِ ما صعُبَ عليه مِنَ الألْفاظِ، ولا يُكرِهُ المَعانيَ على إنْزالِها في غيرِ مَنازِلِها، ولا يَتعمَّدُ الغَريبَ الوَحْشيَّ، ولا السَّاقِطَ السُّوقيَّ؛ فإنَّ البَلاغَةَ إذا اعْتزلَتْها المَعْرفةُ بمَواضِعِ الفَصْلِ والوصْلِ كانت كاللَّآلئِ بلا نِظامٍ [262] ينظر: ((الصناعتين: الكتابة والشعر)) لأبي هلال العسكري (ص: 438). .
والمَقْصودُ بالوَصْلِ: العطْفُ، والعطْفُ هو مَعْنًى نَحْويٌّ وَظيفيٌّ، يُفيدُ ربْطَ عُنصرَين مِن عَناصِرِ العِبارةِ بما يُفيدُ إشْراكَهما في مَعْنًى واحِدٍ؛ فإذا قلتَ: جاء مُحمَّدٌ وحُسامٌ، أفاد ذلك اشْتراكَهما في المَجيءِ.
ولا بُدَّ قبلَ الشُّروعِ في بَيانِ مَواضِعِ الوصْلِ والفَصْلِ أنْ نعرِفَ أنَّه لا يُمكِنُ الوصْلُ والعطْفُ إلَّا بشَرطَينِ:
1- الاتِّصالِ:
وهُو أنْ تكونَ ثَمَّةَ عَلاقةُ ترابطٍ بينَ المَعْطوفِ والمَعْطوفِ عليه، فقولُك: نجَح عليٌّ وزيدٌ، يَقْتضي وُجودَ عَلاقةٍ بينَهما؛ كأنْ يكونا زَمِيلَين أو أخَوَين أو نحوَ ذلك. ولهذا لا يَجوزُ عطْفُ: نجَح عليٌّ وأسِفَ الضَّميرُ الإنْسانيُّ على ما يَحدُثُ للفِلَسطينيِّينَ.
2- المُغايَرةِ:
إذْ لا يَجوزُ عطْفُ الشَّيءِ على نفْسِه، فلا يُقالُ: نجَح مُحمَّدٌ ومُحمَّدٌ، ولا يُعطَفُ بَيْنَ الصِّفةِ والمَوْصوفِ بها؛ فلا يُقالُ: قرأتُ كِتابًا ومُفيدًا [263] ينظر: ((علم المعاني في الموروث البلاغي)) لحسن طبل (ص: 184). .

انظر أيضا: