موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ الأوَّلُ: طُرقُ القَصْرِ


للقَصْرِ والتَّخْصيصِ طُرقٌ كَثيرةٌ، وأشْهرُ طُرقِه أرْبعةٌ:
1- النَّفيُ والاسْتِثناءُ: والمَقْصورُ عليه هو ما بعدَ أداةِ الاسْتِثناءِ؛ فإذا قلتُ: ما شاعِرٌ إلا شَوقي، فإنَّني قد قصَرْتُ صِفةَ الشِّعرِ على شوقي دُونَ غيرِه مِنَ الشُّعراءِ، وإنْ قلتُ: ما شَوقي إلَّا شاعِرٌ، فإنَّني قصَرْتُ شَوقي على الشِّعرِ فحسْبُ، فهُو ليس ناثِرًا ولا طَبيبًا ولا غيرَه.
2- "إنَّما": وهِي تُفيدُ القَصْرَ لتَضمُّنِها مَعْنى النَّفيِ والاسْتِثناءِ، والمَقْصورُ عليه دائِمًا هو المُتأخِّرُ، كما في قولِه تعالى: إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ [النساء: 171] ، وكقولِ الشَّاعِرِ: الطويل
ألَا إنَّما الدُّنيا غَضارَةُ أيْكةٍ
إذا اخْضَرَّ منْها جانِبٌ جَفَّ جانِبُ
فالشَّاعِرُ هنا يَقصُرُ الدُّنيا على أنَّها مُجرَّدُ "غَضارَة أيْكَةٍ".
3- العطْفُ بـ«لا، بل، لكنْ»:
فالعطْفُ بـ«لا» مِثلُ قولِك: "النَّاسُ مَجْزِيُّونَ بأعْمالِهم لا بأقْوالِهم"، وقولِ شَوقي: البسيط
كأنَّ أهْرامَ مِصْرٍ حائِطٌ نهَضتْ
به يَدُ الدَّهرِ لا بُنيانُ بانِينا
والمَقْصورُ عليه هنا هو المَعْطوفُ عليه (ما قبلَ أدَاةِ العطْفِ)؛ ففي المِثالِ الأوَّلِ قصَر جَزاءَ النَّاسِ على أعْمالِهم، وفي البيتِ يُصوِّرُ الشَّاعرُ أهْراماتِ مصْرَ كأنَّما هي حائِطٌ قصَر بِناءَه على الدَّهرِ وحْدَه، فلم يُشارِكْه في بِنائِها بانٍ.
أمَّا العطْفُ بـ«بل» فمِثلُ قولِك: ليستِ الصَّدَقةُ مَغْرَمًا بل مَغْنمًا، وقولِ الشَّاعِرِ: الخفيف
ما افْتَرينا في مَدْحِه بلْ وصَفْنا
بعْضَ أخلاقِه وذلك يَكْفي
والمَقْصورُ عليه معَ «بل» هو المَعْطوفُ (ما بعدَ أدَاةِ العطْفِ)؛ ففي المِثالِ الأوَّلِ قصَر الصَّدقةَ على أنَّها مَغْنمٌ، وفي البيتِ قصَر الشَّاعرُ فِعلَه على أنَّه مُجرَّدُ وصفٍ لبعضِ مَحاسِنِ أخْلاقِه.
ومِنَ العطْفِ بـ«لكن»: لم يأتِ مُحمَّدٌ لكنْ عَمْرٌو، فقصَر المَجيءَ على عَمْرٍو وحْدَه، والمَقْصورُ هنا كذلك هو المَعْطوفُ.
4- تَقْديمُ ما حقُّه التَّأخيرُ، كتَقْديمِ الخبَرِ على المُبْتَدأِ وتَقْديمِ بعضِ مَعْمولاتِ الفِعلِ عليه، ويكونُ المَقْصورُ عليه هو المتقدِّمَ، كقَولِه تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5] ، فقصَر العِبادةَ والاسْتعانةَ عليه وحْدَه سُبحانَه وتعالى، بتَقديمِ العاملِ "إيَّاك" على المعمولِ "نَعبُدُ" و"نَستعينُ".
والمَرجِعُ في دَلالةِ تَقْديمِ ما حقُّه التَّأخيرُ على القصْرِ: الذَّوقُ السَّليمُ والفِكْرُ الصَّائِبُ [257] ينظر: ((الإيضاح في علوم البلاغة)) للخطيب القزويني (3/ 21)، ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 167). .

انظر أيضا: