موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الثَّاني: التَّقْييدُ بالشَّرطِ


يُفيدُ التَّقْييدُ بالشَّرطِ امْتِناعَ وُقوعِ النِّسبةِ بَيْنَ المُسنَدِ والمُسنَدِ إليه في الجُملةِ حتَّى يَتحقَّقَ ذلك الشَّرطُ؛ تقولُ: "مَنْ شهِد أنَّ لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ، وأدَّى الواجِباتِ، وابْتعدَ عنِ المُحرَّماتِ؛ دخَل الجنَّةَ"؛ فدُخولُ الجنَّةِ مَشْروطٌ بالشَّهادَةِ والفِعلِ والتَّرْكِ.
ولمَعْرفةِ الأغْراضِ الَّتي يُؤتى بالشَّرطِ لها، لا بُدَّ مِن مَعْرفةِ مَعاني أدَواتِ الشَّرطِ؛ فإنَّ مَعْنى كلِّ أداةٍ واسْتِعمالَها هو الفائِدَةُ الَّتي بسَببِها تَتقيَّدُ الجُملةُ بالشَّرطِ، وأبرزُ الأدَواتِ: "إذا، إنْ، لو":
(إذا):
تُفيدُ "إذا" الوُقوعَ والحُصولَ مِن غيرِ شكٍّ، ولِهذا تأتي في كلِّ ما يَقْطَعُ المُتكلِّمُ بحُصولِه في المُسْتقبَلِ، مَصْحوبةً بالفِعلِ في صُورةِ الماضي لإفادَةِ التَّحقُّقِ والوُقوعِ؛ ولِهذا كثُرَ في القُرآنِ، نحْوُ: لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ [يونس: 49] ، وفَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون: 101] ، وإِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ [الواقعة: 1-2] ، وإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ [التكوير: 1 - 13] .
فكلُّ هذه الأفْعالِ واقِعةٌ لا مَحالةَ، ولِهذا اسْتَخدَم القُرآنُ معَها "إذا" وأتى بِها في صُورةِ الماضي.
(إنْ):
تُسْتخدَمُ "إنْ" فيما يُحْتمَلُ أو يقِلُّ وُقوعُه في المُسْتقبلِ، ولِهذا تأتي مَصْحوبةً بالفِعلِ المُضارِعِ لاحْتِمالِ الشَّكِّ في حُدوثِه؛ تقولُ: إنْ يأتِ عليٌّ أُكْرمْه، أيْ: ربَّما يأتي وربَّما لا يأتي، فإنْ أتى أكرمْتُه.
ويَظهَرُ الفرْقُ في اسْتِخدامِ الأدَاتَين معًا في نحْوِ قولِه تعالى: فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ [الأعراف: 131] ؛ فجاء معَ الحسَناتِ "إذا" لكثْرَةِ نعَمِ اللهِ تعالى، ولِهذا جاءتِ الحسَنةُ مُعرَّفةً بـ"أل"، أمَّا في جانِبِ السَّيِّئاتِ فجاءتْ "إنْ" لتدُلَّ على التَّقْليلِ والنُّدورِ؛ بدَليلِ تَنْكيرِ "سَيِّئة".
(لو):
وهِي حرْفُ امْتِناعٍ لامْتِناعٍ؛ لأنَّها أفادتِ امْتِناعَ حُدوثِ جَوابِ الشَّرطِ لامْتِناعِ حُدوثِ فِعلِه؛ تقولُ: لو رأيتَ أبي لأحْببْتَه؛ لكنَّه لم يرَه، ولِهذا امْتَنع حُدوثُ الجَوابِ وهُو أنْ يُحبَّه. ومنه قولُه تعالى: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ [الأنبياء: 98-99] ؛ فبعدَ أنْ ذكَر سُبحانَه أنَّ المُشرِكينَ وأصْنامَهم الَّتي كانوا يَعْبدونَها مِن دُونِ اللهِ ستُسَعَّرُ بهم النَّارُ، بيَّنَ بَداهةً أنَّها لو كانت آلِهةً تَملِكُ الضُّرَّ والنَّفعَ لَما دخلَتِ النَّارَ، ولكنَّها ليست كذلك، ولِهذا امْتَنع حُدوثُ الجَوابِ، وهُو امْتِناعُهم عن دُخولِ النَّارِ.
اسْتِعمالُ (إنْ) مَكان (إذا) والعَكْسُ:
قد تُسْتعمَلُ "إنْ" اسْتِعمالَ "إذا" وهو في ما يُتيقَّنُ حُدوثُه في المُسْتقبَلِ، أو في ما تَحقَّق حُدوثُه في الماضي، لأغْراضٍ كَثيرةٍ؛ منْها:
- الاعْتِذارُ: كقولِك: "إنْ كنتُ أخْطأتُ فعَن خَطَأٍ".
- تَنْزيلُ المُخاطَبِ العالِمِ مَنْزِلةَ الجاهِلِ، وذلك للتَّوْبيخِ أو للإنْكارِ عليه العمَلَ بخِلافِ ما يَعلَمُ، كقولِك: إنْ كنتَ مِن تُرابٍ فلا تَفْتخِرْ.
- التَّغْليبُ: وذلك إذا كان فِعلُ الشَّرطِ مُتيقَّنًا في حقِّ واحِدٍ ومُحتمَلًا في حقِّ آخَرَ، فتُخاطِبُهما معًا، تقولُ: إنْ نجَحتُما فلكما هَديَّةٌ.
وقد تُسْتعمَلُ "إذا" مَكانَ "إنْ" في ما يقِلُّ حُدوثُه، لأغْراضٍ؛ منها:
- الإشْعارُ بأنَّ الشَّكَّ في ذلك الشَّرطِ لا يَنْبغي أنْ يكونَ مَشْكوكًا فيه، بل يَنْبغي أنْ يكونَ على وجْهِ الجزْمِ واليَقينِ به، تقولُ: إذا كثُرَ المطَرُ هذا العامَ أخصَبَ النَّاسُ.
- التَّغْليبُ: وهُو مِثلُ التَّغْليبِ الأوَّلِ في المَعْنى، وذلك إذا قلتَ: إذا سافَرتما فبلِّغا أمِّي السَّلامَ، ويكونُ السَّفرُ في حقِّ أحدِهما مُحْتمَلًا [253] ينظر: ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 151)، ((علوم البلاغة)) للمراغي (ص: 134). .

انظر أيضا: