موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ الأوَّلُ: الإظْهارُ في مَقامِ الإضْمارِ


قد يُوضَعُ الظَّاهِرُ مَوضِعَ الضَّميرِ، فيُذكَرُ الاسمُ في المَحلِّ الَّذي يَصلُحُ فيه الضَّميرُ لغَرَضٍ مِنَ الأغْراضِ البَلاغيَّةِ؛ منْها:
1- إلْقاءُ المَهابَةِ في نفْسِ السَّامِعِ، كقولِ الخَليفَةِ: أميرُ المُؤمنينَ يأمُرُ بِكذا؛ ففي اسْتِطاعتِه أنْ يقولَ: أنا آمُرُ بِكذا، لكنَّ اسْتِعمالَ الظَّاهِرِ أوْقَعُ في المَهابَةِ والتَّخْويفِ، وأجْدَرُ في تَنْفيذِ الأمرِ.
2- تَمْكينُ المَعْنى في نفْسِ المُخاطَبِ، كقولِ صاحِبِ الجنَّةِ لصاحِبِه: لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا [الكهف: 38] ؛ ففي إمْكانِه أنْ يقولَ: ولا أُشْرِكُ به أحدًا، وقد سبَق ذكْرُ الربِّ قبلَ ذلك، فتَعودُ الهاءُ في "به" عليه، لكنَّه آثَرَ وضْعَ الظَّاهِرِ لتَقْويةِ المَعْنى.
3- التَّلذُّذُ بذِكْرِ الاسمِ، كقولِ الشَّاعِرِ: الطويل
سقَى اللهُ نَجدًا والسَّلامُ على نجْدِ
ويا حبَّذا نَجدٌ على القُربِ والبُعدِ
فتَكرارُ "نجْد" إنَّما هو للتَّلذُّذِ بالتَّلفُّظِ بالاسمِ.
4- الاسْتِعطافُ، كقولِك في الدُّعاءِ: اللَّهمَّ عبْدُك يسألُك المَغْفرةَ، بدَلًا مِن: اللَّهمَّ إنِّي أسألُك المَغْفرةَ؛ لِما في ذكْرِ العُبوديَّةِ مِنَ التَّذلُّلِ والاسْتِرحامِ.
5- إلْقاءُ الرَّوْعةِ والمَهابَةِ في نفْسِ السَّامِعِ، كما في قولِه تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [آل عمران: 159] ، فلم يقلْ: فتَوكَّلْ عليه، وإنَّما ذكَر الاسمَ؛ لانْدِراجِ كلِّ كَمالٍ تحتَ لفْظِ الجَلالَةِ، فهُو جَديرٌ بأنْ يُتَّكلَ عليه.
6- التَّهكُّمُ والتَّعجُّبُ، كقَولِه تعالى: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ * كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ * وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ [ص: 1 - 4] ؛ فقولُه تعالى: وَقَالَ الْكَافِرُونَ كان يُمكِنُ أنْ يقولَ: "وقالوا"؛ لأنَّه قد سبَق ذكْرُ الكافِرينَ، فيَعودَ الضَّميرُ عليهم، لكنَّه سُبحانَه أعادَ الاسمَ الظَّاهِرَ للتَّهكُّمِ عليهم والتَّعجُّبِ مِن ضَلالِهم وكُفْرِهم.
7- إظْهارُ فِطْنةِ المُتكلِّمِ وانْتباهِه، كقولِ الشَّاعِرِ: الطويل
تَعالَلْتِ كي أشْجى وما بكِ علَّةٌ
تُريدينَ قَتْلي قد ظَفِرْتِ بذلك
فقد كان يُمكِنُه أنْ يقولَ: "قد ظَفِرْتِ به"، لكنَّه أراد أنَّ ذلك أمرٌ واضِحٌ لا يَخْفى عليَّ، فوضَع اسمَ الإشارَةِ مَوضِعَ الضَّميرِ [244] ينظر: ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 110)، ((علوم البلاغة)) للمراغي (ص: 144). .

انظر أيضا: