موسوعة اللغة العربية

المَطلَبُ الرَّابعُ: اخْتِيارُ الاسمِ المَوْصولِ في تَعْريفِ المُسنَدِ إليه


قد يَختارُ المُتكلِّمُ التَّعبيرَ عن المُسنَدِ إليه بالاسمِ المَوْصولِ لأغْراضٍ؛ منْها:
1- التَّشْويقُ: وذلك إذا كان في صِلَةِ المَوْصولِ ومَضْمونِها حُكْمٌ غَريبٌ، كقوْلِ الشَّاعِرِ: الخفيف
والَّذي حارت البَريَّةُ فيه
حيَوانٌ مُستحدَثٌ مِن جَمادِ
ففي بدْءِ الخِطابِ بالاسمِ المَوْصولِ، ثمَّ وصْلِه بأنَّه حيَّر البَريَّةَ كلَّها، باعِثٌ على التَّشْويقِ وإثارَةِ المُتلقِّي إلى مَعْرفةِ ذلك الشَّيءِ.
2- إخْفاءُ الأمرِ، تقولُ: ما وهبَني اللهُ خيْرٌ، وأنت تُريدُ أنْ تُخفيَ أنَّ اللهَ رزَقك بولَدٍ خوْفًا مِنَ الحسَدِ مَثلًا، ومنه -وإنْ لم يكنْ مُسْنَدًا إليه- قولُ الشَّاعِرِ: الكامل
وأخَذْتُ ما جاد الأمَيرُ به
وقَضَيتُ حاجاتي كمَا أهْوَى
فلم يُصرِّحِ الشَّاعرُ بما أخَذ مِنَ النَّوالِ والعَطيَّةِ، واسْتَعاض عنْها بالاسمِ المَوْصولِ "ما".
3- التَّوْبيخُ، تقولُ: الَّذي أحسَنَ إليك قد أسأتَ إليه؛ ففي تَصْديرِك الكَلامَ بذلك تَنْبيهٌ له على أنَّه أساء التَّقْديرَ والمُكافأةَ.
4- الإبْهامُ، تقولُ: لكلِّ نفْسٍ ما كسَبت، أيْ: مِن خيْرٍ أو شرٍّ.
5- الاسْتِغراقُ، تقولُ: الَّذين يأتونَك فأكْرِمْهم، أيْ: جَميعُ الَّذين يأتونَك، أيًّا كانوا وكيف جاؤوا.
6- التَّهْويلُ والتَّعْظيمُ، كقَولِه تعالى: فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ [طه: 78] ، أيْ: طُوفانًا عَظيمًا أهلَكهم جَميعًا وما نجا منْهم أحدٌ.
7- تَنْبيهُ المُخاطَبِ إلى خَطئِه، كقولِ الشَّاعِرِ: الكامل
إنَّ الَّذينَ تَرونَهم إخْوانَكم
يَشْفي غَليلَ صُدورِهم أنْ تُصرَعوا
فلو قال: إنَّ قَبيلةَ فُلانٍ يَشْفي غَليلَ صُدورِهم أنْ تُصرَعوا، لَما أفادت ما أفاده الاسمُ المَوْصولُ، الَّذي يُزيلُ الوهْمَ الَّذي نشَأ في قُلوبِهم، وهُو مَحبَّتُهم وظنُّهم إخْلاصَهم لهم.
8- اسْتِهجانُ التَّصْريحِ بالمُسنَدِ إليه؛ تقولُ: يَنقُضُ الوضوءَ الَّذي يَخرُجُ مِنَ السَّبيلَين؛ ففي اسْتِخدامِك الاسمَ المَوْصولَ تَفادٍ للنُّطقِ بما تأنَفُ منه النَّفسُ.
9- تَقْريرُ الغَرَضِ المَسوقِ له هذا الكَلامُ، تقولُ: خانك الَّذي ائْتمَنْتَه على أسْرارِك؛ فإنَّ الغَرَضَ هنا بَيانُ مَدى خِيانةِ هذا الشَّخصِ؛ فإذا كان قد اؤْتُمن على الأسْرارِ ووُضِعتْ فيه الثِّقةُ في عدَمِ إذاعَتِها ثمَّ أفْضى بها، كان بذلك قد وصَل إلى مُنْتهى الخِيانةِ.
ومنه قولُه تعالى: وَرَاوَدَتْهُ الَّتي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ [يوسف: 23] ؛ فقولُه تعالى: الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا مُسْندٌ إليه، وقد كان يَجوزُ أنْ يقولَ: "وراوَدته امْرأةٌ عن نفْسِه"، لكنَّه اسْتخدَم التَّعريفَ بالمَوْصولِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا ليدُلَّ على أنَّ المَرأةَ لم تكنْ مُجرَّدَ أنْثى عرَضَت نفْسَها عليه وأبَى، بل هي الَّتي أكْرَمَتْه في بيتِها وأغْدَقتْ عليه مِن نَعيمِها، فإذا لم يَسْتجِبْ يُوسفُ معَ كلِّ هذا، فذلك أدَلُّ على طَهارتِه وآكَدُ على نَقاءِ ثوْبِه، يؤكِّدُ هذا أنَّه قد كان يَجوزُ أنْ يقولَ: "وراوَدتْه زَلِيخَا"، فيَذكرَ اسمَها صَريحًا، أو: "وراوَدَتْه امْرأةُ العَزيزِ"، لكنَّ ذلك لا يَأتي بالنُّكتَةِ البَلاغيَّةِ الَّتي أتى بها قولُه: الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فالغَرَضُ المَسوقُ له الكَلامُ هو تَقْريرُ نَزاهةِ يُوسفَ عليه السَّلامُ.
10- التَّلميحُ إلى أمرٍ ما، كقولِ كعْبِ بنِ زُهيرٍ في قَصيدتِه البُردَةِ: البسيط
مهْلًا هداك الَّذي أعْطاكَ نافِلةَ الـ
ـقُرآنِ فيها مَواعِيظٌ وتَفْصيلُ
فلم يَقلْ: هداك اللهُ، وإنَّما أومَأ إلى إعْطائِه القُرآنَ، وما فيه من الأوامِرِ بالصَّفْحِ والمَغْفرةِ؛ تَعْريضًا له بأنْ يَصفَحَ عنه ويَغفِرَ له [238] ينظر: ((علوم البلاغة)) للمراغي (ص: 117)، ((البلاغة الصافية في المعاني والبيان والبديع)) للجناجي (ص: 113). .

انظر أيضا: