موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ الثَّاني: حذْفُ المُسنَدِ


المُسنَدُ: هو الحُكمُ الَّذي يَتعلَّقُ بالمُسنَدِ إليه، وهُو الخبَرُ في الجُملةِ الاسْميَّةِ، والفِعلُ في الجُملةِ الفِعليَّةِ. والأصلُ فيه أنْ يُذكَرَ؛ فقدْ يكونُ لذِكرِه غَرَضٌ ما، وحَذفُه عدُولٌ عن ذلك الأصلِ، وتَكمُنُ فيه كثيرٌ مِن المَزايا والأغراضِ، منْها:
1- ضِيقُ المَقامِ عن ذكْرِ المُسنَدِ، كقولِ ضابِئِ بنِ الحارِثِ: الطويل
ومَن يَكُ أمْسى بالمَدينةِ رَحلُه
فإنِّي وقيَّارٌ بها لغَريبُ
أيْ: فإنِّي لغَرِيبٌ وقيَّارٌ غَريبٌ، وقيَّارٌ: اسمُ فَرَسٍ للشَّاعِرِ أو جَمَلِه، فحُذِف المُسنَدُ؛ لأنَّ المَوقِفَ مَوقِفُ شَكوى وتَحسُّرٍ يُناسبُه الحذْفُ والاخْتصارُ، ولا حاجَةَ إلى التَّطويلِ والذِّكْرِ، فحُذِف لأنَّ المَعطوفَ حُكمُه حُكمُ المَعطوفِ عليه، فاكْتَفى بالإخْبارِ عن أحَدِهما ثِقةً بأنَّ الثَّانيَ عُلِمَ أنَّه في حُكمِه، وقدَّم قولَه: «وقيَّارٌ» على خبَرِ «إنَّ» لقَصْدِ التَّسويةِ بينَهما في التَّحسُّرِ على الاغْترابِ، فكأنَّ قيَّارًا تأثَّر بالغُربةِ كما تأثَّر بها الشَّاعِرُ.
ويَدخُلُ في ضِيقِ المَقامِ أيضًا طَبيعةُ البِناءِ اللُّغويِّ للشِّعرِ العَربيِّ الَّذي تَحكُمُه أوْزانُه وقَوافيه، وتَضطرُّه إلى بعضِ الحذْفِ، كقولِ الأعْشَى: المنسرح
إنَّ مَحِلًّا وإنَّ مُرتحَلًا
وإنَّ في السَّفْرِ إذْ مَضَوا مَهلًا
فالأصْلُ: إنَّ لنا في الدُّنيا مَحَلًّا، وإنَّ لنا عنها مُرتحَلًا إلى الآخِرَةِ، فحُذِف المُسنَدُ في الجُملتَين.
ولا يَقْتصرُ الحذْفُ في البيْتِ على مُجرَّدِ البِناءِ العَروضيِّ، بل ربَّما يُريدُ الشَّاعرُ أنْ يُوحِيَ بهذا الحذْفِ أنَّ الحياةَ والارتْحالَ عنها قد أصْبَحا في حِسِّه حَركتَين مُتَعاقِبتَين في الوُجودِ، لا تَكادُ تُوجَدُ الأُولى حتَّى تَذوبَ في الأخْرى.
2- الاحْتِرازُ عنِ العَبَثِ بِناءً على الظَّاهِرِ: هذا إن كان في سِياقِ الكَلامِ ما يدُلُّ على المَحْذوفِ، ولم يكنْ في ذِكْرِ المُسنَدِ حِينَئذٍ فائِدةٌ بَلاغيَّةٌ، وهذا كقَولِه تعالى: إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ [الانشقاق: 1] ؛ فإنَّ (السَّماءَ) فاعِلٌ لفعلٍ مَحْذوفٍ يُفسِّرُه الفِعلُ المَذْكورُ، وأصْلُ الجُملةِ: إذا انْشقَّتِ السَّماءُ انْشقَّتْ، فحُذِف الفِعلُ لدَلالةِ المُتأخِّرِ عليه، ولو ذُكِر المَحْذوفُ لكان عبَثًا. ومِثلُه قولُ حاتِمٍ الطَّائيِّ: «لو ذاتُ سِوارٍ لَطَمتْني» [169] وهو مَثَلٌ (يَقُولُه الكَرِيمُ إذا ظلَمَه اللَّئِيمُ، وأصلُه: أنَّ امْرَأَةً لطَمَت رجُلًا، فَنظر إِلَيْهَا، فإذا هِي رَثَّةُ الهَيْئَةِ عاطِلٌ، فقال: لو ذَاتُ سِوارٍ لطمَتْني! أَي: لَو كَانَت ذَاتَ غِنًي وهيئةٍ لكَانَتْ بَلِيَّتي أخفَّ). ينظر: ((جمهرة الأمثال)) لأبي هلال العسكري (2/ 193). أيْ: لو لَطَمتْني ذاتُ سِوارٍ لَطَمتْني.
ومِن ذلك حذْفُ المُسنَدِ إذا كان في جَوابٍ عن سُؤالٍ ذُكِر فيه المُسنَدُ، كما في قولِه تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ [العنكبوت: 61] ، فالتَّقديرُ: لَيَقولُنَّ: خلَقَهنَّ اللهُ؛ فحُذِف لوُضوحِه مِنَ السِّياقِ.
ومِن ذلك حذْفُ المُسنَدِ في الجُملةِ الواقِعةِ بعد (إذا) الفُجائيَّةِ، إذا كان الخبَرُ المَحْذوفُ يدُلُّ على معنًى عامٍّ يُفهَمُ مِن سِياقِ الكَلامِ، مِثلُ أنْ تقولَ: خرَجتُ مِنَ المَنزلِ فإذا المَطرُ، أيْ: نازِلٌ.
ومِن ذلك قولُه تعالى: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا [الرعد: 35] ، أي: وظِلُّها دائمٌ، وقولُه سُبحانَه: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة: 5] ، أيْ: والمُحصَناتُ مِنَ المُؤْمِناتِ... حِلٌّ لكم، وقولُه: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [الطلاق: 4] ، أيْ: واللَّائي لم يَحِضنَ عِدَّتُهنَّ ثَلاثةُ أشهُرٍ.
وقولُ امرِئِ القَيْسِ:
نَحنُ بِما عندَنا وأنتَ بِما
عندَك راضٍ، والرَّأيُ مُختلِفُ
أيْ: نحنُ بما عندَنا راضُون.
وقولُه تعالى: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ [التوبة: 62] اختُلِف في تَوجيهِه؛ فقيل: (وحَّد الضَّميرَ لتَلازُمِ الرِّضاءَين، وإفْرادُ الضَّميرِ في يُرْضُوهُ إمَّا للتَّعْظيمِ للجَنابِ الإلهيِّ بإفْرادِه بالذِّكرِ، ولكونِه لا فرقَ بَيْنَ إرْضاءِ اللهِ وإرْضاءِ رَسولِه؛ فإرْضاءُ اللهِ إرْضاءٌ لرَسولِه، أو لأنَّ الضَّميرَ مَوْضوعٌ مَوضِعَ اسمِ الإشارَةِ؛ فإنَّه يُشارُ به إلى الواحِدِ والمُتعدِّدِ، أوِ الضَّميرُ راجِعٌ إلى "المَذْكورِ"، وهُو يَصدُقُ عليهما) [170] ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (4/ 122، 123). .
وقيل: (إنَّما أفْرَد الضَّميرَ في قولِه: أَنْ يُرْضُوهُ معَ أنَّ المُعادَ اثْنانِ؛ لأنَّه أُريدَ عوْدُ الضَّميرِ إلى أوَّلِ الاسْمَينِ، واعْتبارُ العَطْفِ مِن عطْفِ الجُملِ بتَقديرِ: واللهُ أحقُّ أنْ يُرضوه، ورَسولُه كذلك، فيكونُ الكَلامُ جُملتَينِ، ثانيتُهما كالاحْتِراسِ، وحذْفُ الخبَرِ إيجازٌ. ومِن نُكتَةِ ذلك الإشارةُ إلى التَّفْرِقةِ بَيْنَ الإرْضاءَين، ومنه قولُ ضابِئِ بنِ الحارِثِ:
ومَنْ يكُ أمْسى بالمَدينةِ رَحْلُهُ
فإنِّي وقَيَّارٌ بها لَغَريبُ
التَّقْديرُ: فإنِّي لَغَريبٌ وقَيَّارٌ بها غَريبٌ أيضًا؛ لأنَّ إحْدى الغُربتَينِ مُخالِفةٌ لأخْراهما. والضَّميرُ المَنْصوبُ في يُرْضُوهُ عائِدٌ إلى اسمِ الجَلالةِ؛ لأنَّه الأهمُّ في الخبَرِ، ولذلك ابْتُدِئ به، ألَا تَرى أنَّ بيتَ ضابِئٍ قد جاء في خبَرِه المَذْكورِ لامُ الابْتداءِ الَّذي هو مِن علائِقِ (إنَّ) الكائِنةِ في الجُملةِ الأُولى، دُونَ الجُملةِ الثَّانيةِ؟ وهذا الاسْتعمالُ هو الغالِبُ) [171] ((تفسير ابن عاشور)) (10/ 245). .
3- تَكْثيرُ المَعْنى، ومنه قولُه تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ [الأنفال: 41] فمِنَ الوُجوهِ الإعْرابيَّةِ لقوْلِه تعالى: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ أنَّه مُبْتدأٌ، خبَرُه مَحْذوفٌ، وتَقْديرُه: فحَقٌّ، أو فواجِبٌ، أو ثابِتٌ، كأنَّه قيل: فلا بُدَّ مِن ثَباتِ الخُمُسِ فيه، لا سَبيلَ إلى الإخْلالِ به والتَّفْريطِ فيه؛ وذلك لأنَّه إذا حُذِف الخبَرُ واحْتَمل غيرَ واحِدةٍ مِنَ المُقدَّراتِ -كقولِك: ثابِتٌ، واجِبٌ، حَقٌّ، لازِمٌ، وما أشْبَهَ ذلك- كان أقْوى لإيجابِه مِنَ النَّصِّ على واحِدٍ فقَطْ، كما جاءت هذه الآيةُ على هذا النَّظْمِ، معَ كونِ مَعْنى اللَّامِ في قولِه: لِلَّهِ كافِيًا في الدَّلالةِ على الأحقِّيَّةِ، كما قُرِئ في الشَّاذِّ (فلِلَّهِ خُمُسُه)؛ لِما يُفيدُه الإتْيانُ بحرْفِ (أنَّ) مِنَ الإسْنادِ مرَّتَينِ تَأكيدًا [172] ينظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/ 221)، ((تفسير ابن عاشور)) (10/ 7، 8). .
وانْظُر إلى حُسْنِ هذا التَّركيبِ كيف أفْرَد كوْنَ الخُمُسِ للهِ وفصَل بَيْنَ اسمِه تعالى وبين المَعاطيفِ بقولِه: خُمُسَه ليُظهِرَ انْفِرادَه تعالى بكوْنِ الخُمُسِ له، ثمَّ أشْرَك المَعاطيفَ معَه على سَبيلِ التَّبَعيَّةِ له، ولم يأتِ التَّرْكيبُ: فأنَّ للهِ خُمُسَه، وللرَّسُولِ ولذِي القُرْبى واليَتامى والمَساكينِ وابنِ السَّبيلِ خُمُسَه [173] ينظر: ((تفسير أبي حيان)) (5/ 326). .
4- احْتِقارُ المُسنَد، ومنه قولُه سُبحانَه: أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ [الرعد: 33] ، فالاسمُ المَوْصولُ (مَن) مُبْتدأٌ، وخبَرُه مَحْذوفٌ دلَّت عليه جُملةُ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ، فالتَّقْديرُ: أمَّن هو قائِمٌ -وهُو اللهُ تعالى- على حفْظِ كلِّ نفْسٍ ومُتولٍّ شؤونَها ومَن جعَلوهم به شُركاءَ سواءٌ في اسْتِحقاقِ العِبادَةِ؟! وقد دلَّ على هذا التَّقْديرِ ما تَقْتضيه الشَّرِكةُ في العِبادةِ مِنَ التَّسْويةِ في الألوهيَّةِ واسْتحقاقِ العِبادةِ.
ومنه قولُه عزَّ وجلَّ: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [الزمر: 22] ، فالتَّقْديرُ: أفمَنْ شرَح اللهُ صدْرَه للإسْلام ِفهُو على نُورٍ مِن ربِّه مِثلُ الَّذي حقَّ عليه كَلمةُ العَذابِ فهُو في ظُلْمةِ الكُفرِ، فحذَف الثَّاني ليُفيدَ الحذْفُ إهْمالَه واحْتقارَه، أوِ التَّقْديرُ: مِثلُ مَنْ قسا قلْبُه؛ بدَلالةِ قولِه: فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ، فحُذِف لدَلالةِ اللَّاحِقِ عليه.
ومنه قولُه سُبحانَه: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ [الزمر: 9] ، أي: كمَنْ ليس كذلك؟!
5- تَعْظيمُ المُسنَدِ، ومنه قولُه تعالى: أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ [الزمر: 19-20] ، فالاسمُ المَوْصولُ (مَن) مُبْتدأٌ، والخبَرُ مَحْذوفٌ، أيْ: كمَن يكونُ في الجنَّةِ ونَعيمِها، وقد دلَّ عليه قولُه: لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ ....
ومنه قولُه تعالى: أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ [الزمر: 24] ، أيْ: كمَن يُنعَّمُ في الجنَّةِ، وقولُه سُبحانَه: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [فاطر: 8] ؛ فحذَف المُقابِلَ تَعْظيمًا له أن يُذكَرَ معَ مَنْ هذه حالُه، ولدَلالةِ المَقامِ والسِّياقِ عليه.
6- الاخْتِصارُ والإيجازُ، ومنه قولُه تعالى: قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ * قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ [الشعراء: 49-50] ، أيْ: لا ضيْرَ علينا، وقولُه سُبحانَه: وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ [سبأ: 51] ، أيْ: فلا فوْتَ لهم [174] ينظر: ((الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم)) لعصام الدين الحنفي (1/ 430)، ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 133)، ((علم المعاني)) لعبد العزيز عتيق (ص: 128 - 130)، ((خصائص التراكيب)) لمحمد أبو موسى (ص: 272 - 285). .
ضَوابطُ حَذفِ المسنَدِ:
يُشترَطُ في الحذفِ أن تكونَ ثَمَّةَ قَرينةٌ تدلُّ على المحذوفٍ، وإلَّا صار الحذفُ مُخِلًّا بالمعنى. ومِن القرائنِ الَّتي تُبيحُ الحذفَ:
- أن يقَعَ الكلامُ جوابًا عن سُؤالٍ، سواءً كان السُّؤالُ حقيقيًّا، كقولِه تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان: 25] ؛ فأصلُ جُملةِ الجوابِ: خَلَقَهنَّ اللهُ، وحُذِف المسندُ لوُقوعهِ في جوابِ السُّؤالِ: "مَن خَلَقَ السَّمواتِ والأرضَ؟".
وقد يكونُ السُّؤالُ مُقَدَّرًا، كقولِ الشاعرِ في الرِّثاءِ: الطويل
لِيُبْكَ يزيدٌ ضَارِعٌ لِخُصومةٍ
ومُخْتَبِطٌ ممَّا تُطيحُ الطَّوائحُ
فكأنَّه لَمَّا قال: "ليُبْكَ يزيدٌ"، قيل له: مَن يَبْكِيه؟ فقال: ضارعٌ لخصومةٍ؛ أي: يَبكِيه ضارعٌ لخُصومةٍ.
- ارتفاعُ المخصوصِ بالمدْحِ والذَّمِّ مع "نِعْمَ" و"بِئس" على اعتبار أنَّه مبتدأٌ حُذِفَ خبره؛ كقولك: "نِعْمَ الطالبُ زيدٌ"؛ فـ"زيدٌ" مبتدأٌ مرفوعٌ، وخبرُه مَحذوفٌ تقديرُه: الممدوحُ [175] ينظر: ((علوم البلاغة البيان، المعاني، البديع)) للمراغي (ص: 93)، ((بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة)) لعبد المتعال الصعيدي (1/ 161). .

انظر أيضا: