موسوعة اللغة العربية

الفَرْعُ الثَّاني: النَّهيُ


وهُو طلَبُ الكفِّ عن الفِعلِ على جِهةِ الاسْتِعلاءِ والتَّكليفِ مِنَ الأعلى للأدْنى.
وله صِيغةٌ واحِدةٌ، وهي الفِعلُ المُضارِعُ المَسْبوقُ بـ«لا» النَّاهيةِ؛ تقولُ: لا تُهمِلْ في العمَلِ، ولا تُخالِفْ أمْري، ومنه قولُه تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ [الأنْعام: 151] . ومنه قولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إِذَا أَتَيْتُمُ الغَائِطَ فَلا تَسْتَقْبِلُوا القِبْلَةَ، وَلا تَسْتَدْبِرُوهَا )) [74] أخرجه البخاري (394)، ومسلم (264) مطولاً من حَديثِ أبي أيوبَ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه. ، وقولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لَا تَكْذِبُوا عَلَيَّ؛ فَإِنَّهُ مَنْ كَذب عَلَيَّ فليَلِجِ النَّارَ )) [75] أخرجه البخاري (106) واللفظ له، ومسلم في ((مقدمة الصحيح)) (1) من حَديثِ علي بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عنه. .
لكنْ قد يَخرُجُ النَّهيُ عنِ المَعْنى اللُّغويِّ إلى بعضِ المَعاني البَلاغيَّةِ؛ منْها:
- الدُّعاءُ: وهُو حينَ يكونُ النَّهيُ مِنَ الأدْنى إلى الأعْلى، كقَولِه تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ [البَقَرة: 286] ، وقولِه تعالى: رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا [آل عِمران: 8] .
فهذه النَّواهي في الآيتَين إنَّما هي مُناجاةٌ واسْترحامٌ، وليست على سَبيلِ الإلْزامِ.
- الالْتِماسُ: وهُو كلُّ نَهيٍ صادِرٍ مِن إنْسانٍ إلى آخَرَ أعْلى منه في الرُّتْبةِ أوِ المَنْزِلةِ، أو مُساوٍ له، ومنه قولُ هارُونَ لمُوسَى عليْهما السَّلامُ: ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأعْراف: 150] ، وقولُ الشَّريفِ الرَّضِيِّ: الطَّويل
ولا تَترُكَنِّي قاعِدًا أَرْقُبُ المُنى
وأرْعى بُرُوقًا لا يَجودُ سَحابُها
المُنَى: جَمْعُ المُنْيةِ، وَهِي ما يتمنَّاه الإنْسانُ وتتوجَّهُ إلَيه إرادَتُه، والبُروقُ: جَمْعُ بَرْقٍ، يَجودُ سَحابُها: يُمطِرُ، فيَطلُبُ الشَّاعرُ ألَّا يَتركَه مَمْدوحُه يَنتظِرُ الأمانيَ ويُراقِبُ وينظُرُ إلى بُروقٍ لا تُمطِرُ.
ومنه قولُ أَبي العَلاءِ يُخاطِبُ صاحِبَيه:
لا تَطْويَا السِّرَّ عنِّي يومَ نائِبةٍ … فإنَّ ذلك ذنْبٌ غيرُ مُغتَفَرِ [76] طَوَى عنِّي الحديثَ والسِّرَّ: كَتَمَهُ. والنَّائِبةُ: المُصِيبةُ، واحدةُ نَوائبِ الدَّهْرِ. ينظر: ((مختار الصحاح)) للرازي (ص: 321)، ((تاج العروس)) للزبيدي (38/ 511).
- النُّصْحُ والإرْشادُ: وذلك إذا كان الامْتِثالُ بالنَّهيِ يُحقِّقُ النَّفْعَ، ويَعودُ بالفائِدةِ على المُخاطَبِ، كقَولِه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ [المائِدَة: 101-102] . ومنه قولُ أبي تَمَّامٍ: الطَّويل
فلا تأمَنِ الدُّنيا وإنْ هي أقبلَتْ
عليكَ فما زَالتْ تَخونُ وتَغدِرُ
وقال العَقَّادُ:
لا تَحسُدنَّ غَنيًّا في تَنعُّمِه
قد يَكثُرُ المَالُ مَقرونًا بهِ الكَدَرُ
وقولُ الشَّاعرِ:
إذا نطَقَ السَّفيهُ فلا تُجِبْهُ
فخيْرٌ مِنْ إجابتِه السُّكوتُ
- التَّمنِّي: إذا كان المَطْلوبُ بالنَّهيِ أمرًا متعذِّرًا أو بَعيدَ الحُصولِ، ومنْه قولُ الخَنْساءِ: المُتَقارِب
أعَينَيَّ جُودا ولا تَجمُدا
ألَا تَبكيانِ لصَخرِ النَّدى
فتتمنَّى الشَّاعرةُ أنْ تَجودَ عَينُها بالدُّموعِ ولا تَجمُدَ بُكاءً على أخِيها صَخْرٍ الكَريمِ.
- التَّيْئيسُ: وذلك إذا كان النَّهيُ مُتوجِّهًا إلى فِعلٍ يَفعلُه المُخاطَبُ، غيرَ أنَّه لا جَدْوى منه، كقَولِه تعالى للكُفَّارِ يومَ القِيامَةِ حينَ يَعْتَذِرونَ عمَّا كانوا عليه من الكُفْرِ والعِصْيانِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [التَّحْريم: 7] .
- التَّوبيخُ: نحْوُ قولِ أبي الأسْودِ الدُّؤَليِّ: الكامِل
لا تَنهَ عن خُلُقٍ وتأتيَ مِثلَه
عارٌ عليكَ إذا فعَلتَ عَظيمُ [77] ينظر: ((عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح)) لبهاء الدين السبكي (1/ 469)، ((علوم البلاغة)) للمراغي (ص: 79). .

انظر أيضا: