موسوعة اللغة العربية

المَطلَبُ الأوَّلُ: الغَرَضُ مِن إلْقاءِ الخبَرِ


تُستعمَلُ الجُملةُ الخبَريَّةُ لإفادَةِ إحْدى دَلالتَينِ: الوَضْعيَّةِ أوِ الفنِّيَّةِ:
فالدَّلالةُ الوضْعيَّةُ: هي المُسْتفادَةُ مِنَ الخبَرِ بلُغتِه التَّقريريَّةِ المُباشِرةِ، وغايتُها مُجرَّدُ توْصيلِ الأفْكارِ ونقْلِ الحَقائقِ إلى المُتلقِّي.
وهذه الدَّلالةُ تُحقِّقُ أحَدَ غَرَضَين:
أ- الفائِدَةُ: وذلك حِينَ يَقومُ الخبَرُ بإيْصالِ حَقيقةٍ كان يَجهلُها المُتلقِّي، كما تقولُ لرجُلٍ: مات أخُوك، وهو لا يَعلَمُ بذلك، وكما تقولُ لطِفْلٍ: الحَديدُ قابِلٌ للصَّدأِ، وهُو يَجهَلُ تلك الحَقيقةَ العِلْميَّةَ.
ب- لازِمُ الفائِدةِ: وذلك حِينَ يكونُ المُخاطَبُ عالِمًا بمَضْمونِ الخبَرِ، لكنَّ الغَرَضَ إعْلامُه بأنَّ المُتكلِّمَ يَعلَمُ -مِثلَه- ذلك الخبَرَ، كأنْ تقولَ لرجُلٍ: حفِظْتَ القُرآنَ، تُريدُ أنْ تُخبِرَه أنَّك تَعلَمُ أنَّه حفِظ القُرآنَ.
وأمَّا الدَّلالةُ الفنِّيَّةُ البَلاغيَّةُ فهِي أنْ يَخرُجَ الخبَرُ عن مُجرَّدِ الدَّلالةِ الوضْعيَّةِ إلى دَلالةٍ أخْرى تَظهَرُ مِن خِلالِ القَرائِنِ وسِياقِ الكَلامِ، ومنها:
- إظْهارُ الضَّعفِ أو الاسْتِرحامِ، كقول زَكرِيَّا عليه السَّلامُ: قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا [مَرْيم: 4] ؛ فزَكرِيَّا عليه السَّلامُ يَعلَمُ أنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ خَبيرٌ بِحالِه مِنَ الضَّعفِ وكِبَرِ السِّنِّ.
- التَّحسُّرُ والأسَفُ، كقول امْرأةِ عِمْرانَ في قولِه تعالى: إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عِمْران: 35-36] ؛ فقَدْ كانت نذَرَتْ ما في بَطْنِها للهِ مُتفرِّغًا لعِبادتِه، وخدْمةِ بيْتِ المَقْدِسِ، وكانت تظُنُّ أنَّه ذَكَرٌ، فلمَّا ولَدتْ مريمَ عليها السَّلامُ أظْهرتِ الحَسرةَ والأسَفَ؛ لأنَّ الأنْثَى ليستْ كالرَّجُلِ في القوَّةِ والجَلَدِ على خِدْمةِ بيْتِ المَقْدِسِ.
- تَوجيهُ اللَّومِ والتَّأنيبِ، كقول أحَدِ الشُّعراءِ لابْنِه: الطَّويل
غذوتُكَ مَولودًا وعُلْتُكَ يافِعًا
تُعَلُّ بِمَا أُدْني إليكَ وتَنهَلُ [52] غذَوتُك، أَي: قُمْتُ بمُؤنَتِك، وعُلْتُك أَي: قُمْتُ بشأنِك، واليافِعُ: المقتَبِلُ الشَّبَابِ، وتُعَلُّ: من العَلَلِ، وَهُوَ الشُّرْبُ الثَّانِي، وتنهَلُ: من النَّهْلِ، وَهُوَ الشُّرْبُ الأوَّلُ، وَالمعْنَى: ربَّيتُك وَأَنت مَوْلُودٌ وَقُمتُ بأحوالِك فِي شبابِك، أقرِّبُ إِلَيْك من منافِعِك مَا يمكِنُني تقريبُه، فتأخُذُ مِنْهُ الْكثيرَ والقليلَ. ينظر: ((شرح ديوان الحماسة)) للتبريزي (1/ 314).
إذا لَيلةٌ نابَتْكَ بالشَّكوِ لم أبِتْ
لشكواكَ إلَّا ساهِرًا أتملمَلُ [53] أتملمَلُ: أَي: أتقَلَّبُ على الْمَلَّةِ، وَهِي الْجَمْرُ. ينظر: ((شرح ديوان الحماسة)) للتبريزي (1/ 315).
كأنِّي أَنا المَطْروقُ دُونَكَ بالَّذي
طُرِقْتَ بهِ دُونِي وعَينيَ تَهمُلُ
تخَافُ الرَّدى نَفْسي عليكَ وإنَّها
لَتَعلَمُ أنَّ المَوتَ حَتْمٌ مُؤجَّلُ
فلمَّا بلَغتَ السِّنَّ والغايَةَ الَّتي
إليهَا مَدى ما كُنتُ فِيك أُؤَمِّلُ
جعَلتَ جَزائِي مِنك جَبْهًا [54] الجَبْهُ: مُقَابلَةُ الْإِنْسَانِ بِمَا يكرَهُهُ. ينظر: ((شرح ديوان الحماسة)) للتبريزي (1/ 315). وغِلظَةً
كأنَّكَ أنتَ المُنعِمُ المُتفضِّلُ
فليتكَ إِذْ لم تَرْعَ حقَّ أبُوَّتي
فعَلتَ كما الجارُ المُجاوِرُ يَفعَلُ
وسمَّيتَني باسمِ المُفنَّدِ رأيُه
وفي رأيِكَ التَّفْنيدُ لو كُنتَ تَعقِلُ [55] فَنَّدَه: نَسَبَه إِلَى سوءِ الْعَقلِ، وَالْمعْنَى: لم تَجِدْ لي مكافأةً سوى أَن نسَبْتَني إِلَى الغباوةِ، وَلَو كنتَ تَعقِلُ لعَلِمْتَ أَنَّ التفنيدَ فِي رَأْيِك لَا فِي رَأْيِي. ينظر: ((شرح ديوان الحماسة)) للتبريزي (1/ 315).
ترَاهُ مُعِدًّا للخِلافِ كأنَّهُ
برَدٍّ على أهْلِ الصَّوابِ مُوَكَّلُ [56] ترَاهُ مُعَدًّا، أَي: مُهَيِّئًا نَفسَه للْخِلافِ، وَيُقَال: فلَانٌ مُوكَلٌ بِكَذَا، أَي: ملازِمٌ لَهُ، يَقُول: ترى هَذَا الْوَلَدَ قد هيَّأَ نَفسه للْخِلافِ وَالرَّدِّ على أهلِ الصَّوَابِ، كَأَنَّهُ مجبولٌ على الرَّدِّ عَلَيْهِم والغَضِّ مِنْهُم. ينظر: ((شرح ديوان الحماسة)) للتبريزي (1/ 315، 316).
- إظْهارُ الفرَحِ، كقَولِه تعالى: جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسْراء: 81] .
- تَحْريكُ الهِمَّةِ، كقولك: ليْس سَواءً عالِمٌ وجَهُولُ، لا يَسْتوي الَّذينَ يَعلَمونَ والَّذينَ لا يَعلَمونِ.
- التَّوْبيخُ، كقولك لنائِمٍ عن صَلاةِ الفجْرِ: الشَّمسُ طالِعةٌ.
إلى غيرِ ذلك مِنَ الأغْراضِ الَّتي تُستفادُ مِنَ الأحْوالِ والسِّياقاتِ الَّتي يُقالُ فيها الخبَرُ [57] يُنظر: ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 56)، ((علم المعاني في الموروث البلاغي)) لحسن طبل (ص: 45). .

انظر أيضا: