موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ الثَّامن عَشَرَ: (لا)


تَأتي على ثَلاثة أوجُهٍ:
(1) أَن تكونَ نافِيةً، وَهَذِه على خَمْسةِ أَنْواعٍ:
(أ) أن تكونَ عاملةً عَمَلَ (إنَّ)؛ وَذَلِكَ إن أُرِيدَ بها نفيُ الجِنْسِ على سَبِيلِ التَّنْصِيصِ، وَتُسَمَّى حِينَئِذٍ (لا) النافيةَ للجِنسِ، فيكونُ اسمُها مبنيًّا على الفَتحِ إذا كان مُفرَدًا؛ نَحْوُ: "لا رجُلَ في الدَّارِ"، ويكونُ منصوبًا إذا كان مُضافًا أو شبيهًا بالمضافِ؛ نَحْوُ: "لا صاحبَ جُودٍ ممقوتٌ"، و"لا محبًّا للخَيرِ مَكروهٌ" [139] ينظر: ((الكتاب)) لسيبويه (2/6)، ((اللمع في العربية)) لابن جني (ص: 44)، ((شرح ابن الناظم على الألفية)) (ص: 133)، ((شرح ابن عقيل على الألفية)) (2/5)، ((توضيح المقاصد والمسالك)) للمرادي (1/544). .
(ب) أَن تكونَ عاملةً عَمَلَ (لَيْسَ)؛ فترفَعُ الاسمَ وتَنصِبُ الخبرَ، وهي لنَفْيِ الواحِدِ؛ نَحْوُ: "لا رجُلٌ قائِمًا"، وكَقَوْلِ سَعدِ بنِ مالكٍ:
من صَدَّ عَن نيرانِها
فَأَنا ابْنُ قَيْسٍ لا بَراحُ
والفَرقُ بين (لا) العامِلةِ عَمَلَ (ليس) و(لا) النافيةِ للجِنسِ: هو أنَّك إذا قُلْتَ: "لا رجُلَ في الدَّارِ"، لا يصِحُّ أن تقولَ: "بل رَجُلانِ" أو "رِجالٌ"؛ لأنَّك نَفَيتَ كُلَّ جِنسِ الرِّجالِ مِن الدَّارِ مُطلقًا. وإذا قُلتَ: "لا رجلٌ في الدَّارِ" برَفعِ "رجُل"، جاز أن تقول: "بل رَجُلانِ" أو "رجالٌ"؛ لأنَّ (لا) العامِلةَ عَمَلَ (ليس) تنفي الواحِدَ، ولا تنفي سِوى الواحِدِ [140] ينظر: ((الكتاب)) لسيبويه (1/58)، ((الأصول في النحو)) لابن السراج (1/96)، ((شرح المفصل)) لابن يعيش (1/267)، ((شرح ابن عقيل على الألفية)) (2/5)، ((التصريح بمضمون التوضيح)) لخالد الأزهري (1/639)، ((حاشية الصبان على الأشموني)) (2/3)، ((معاني النحو)) للسامرائي (1/365). .
(ج) أَن تكونَ عاطِفةً؛ نَحْوُ: جاء زيدٌ لا عَمْرٌو [141] ينظر: ((نتائج الفكر)) للسهيلي (ص:202)، ((شرح ابن الناظم على الألفية)) (ًص: 383)، ((توضيح المقاصد والمسالك)) للمرادي (2/1019)، ((المقاصد الشافية في شرح الخلاصة الكافية)) للشاطبي (5/140). .
(د) أَن تكونَ جَوابًا مُناقِضًا لـ(نعمْ)، وَهَذِه تُحذَفُ الجملُ بَعْدَها كثيرًا، يُقال: أجاءك زيد؟ فَتَقولُ: لا. والأَصْلُ: لا لم يجِئْ [142] ينظر: ((البديع في علم العربية)) لابن الأثير (2/428)، ((شرح ابن الناظم على الألفية)) (ص: 363)، ((تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد)) لناظر الجيش (9/497). .
(ه) أَن تكونَ على غيرِ ذَلِك؛ فَإن كانَ ما بَعْدَها جملةً اسميةً صَدْرُها مَعْرفةٌ أَو نَكِرةٌ، وَلم تعْمَلْ فِيها، أَو فعلًا ماضِيًا لفظًا وتقديرًا؛ وَجب تَكرارُها. مِثال المَعْرفةِ قَولُه تعالَى: لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ [يس: 40] ، وَمِثالُ النَّكرةِ الَّتِي لم تعْمَلْ فِيها (لا) قَولُه تعالَى: لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ [الصافات: 47] ، وَمِثالُ الفِعْلِ الماضِي قَولُه تعالَى: فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى [القيامة: 31] [143] ينظر: ((مغني اللبيب)) لابن هشام (ص: 319)، ((معاني النحو)) للسامرائي (4/204). .
(2) أَن تكونَ مَوْضُوعةً لطَلَبِ التَّرْكِ، وَتُسَمَّى (لا) الناهِيةَ، وتختَصُّ بِالدُّخُولِ على المُضارعِ، وتقتضي جَزْمَه واستِقبالَه؛ نَحْوُ: "لا تَخَفْ" [144] ينظر: ((علل النحو)) لابن الوراق (ص: 198)، ((شرح كتاب سيبويه)) للرماني (ص: 784)، ((اللمع في العربية)) لابن جني (ص: 132)، ((أسرار العربية)) لابن الأنباري (ص: 236). .
(3) أَن تكونَ زائِدةً، وَهِي الدَّاخِلةُ فِي الكَلامِ لمُجَرَّدِ تقويتِه وتوكيدِه؛ نَحْوُ قَولِه تعالَى: مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ [طه: 92 - 93] ، أي: ما مَنَعَك أنْ تتَّبِعَني
والفرقُ بيْن (‌لا) ‌الزَّائدةِ و(لا) المُلغاةِ أنَّ الزَّائدةَ هي التي لا عَمَلَ لها أصالةً، والمُلغاةُ هي الَّتي لها عَملٌ أصالةً لكنْ أُهمِلَت [145] يُنظر: ((الجنى الداني في حروف المعاني)) للمرادي (ص: 300)، ((مغني اللبيب) (ص: 453)، ((حاشية الصبان على الأشموني)) (2/14). .

انظر أيضا: