موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ الأوَّلُ: حَرْفُ الهَمزةِ


حَرْفٌ مُهْمَلٌ -أي: غيرُ عاملٍ- يأتي على وَجْهَينِ:
(1) النِّداءُ: فتُستعمَلُ لنداءِ القَرِيبِ، فَيُقال: أَبُنَيَّ، أزَيدُ، أفاطِمةُ.
وهي حَرفٌ مختَصٌّ بالاسمِ، كسائِرِ أحرُفِ النِّداءِ، ولا يُنادى بها إلَّا القريبُ مَسافةً وحُكمًا [8] يُنظر: ((رصف المباني)) للمالقي (ص: 135)، ((الجنى الداني في حروف المعاني)) للمرادي (ص: 36)، ((مغني اللبيب)) لابن هشام (ص: 17)، ((شرح الأشموني)) (3/15)، ((شرح المفصل)) لابن يعيش (1/361)، ((شرح الكافية الشافية)) لابن مالك (3/1288)، ((المقاصد الشافية في شرح الخلاصة الكافية)) للشاطبي (5/237). ، كقَولِ امرئِ القَيسِ:
أفاطِمُ مَهْلًا بَعْضَ هذا التدَلُّلِ [9] يُنظر: ((ديوان امرئ القيس)) (ص: 32)
(2) الاسْتِفْهامُ: وتكونُ مُشتركةً؛ فتدخُلُ على الأسماءِ والأفعالِ لطَلَبِ التصديقِ أو التصوُّرِ، فيُسْأَلُ بها عَن أحَدِ الشَّيْئَيْنِ أَو الأَشْياءِ، مِثلُ: أأخوك سافَرَ أم أَبوك؟ وَنَحْوُ: وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ [الأنبياء: 109] ، وَيكونُ الجَوابُ بالتَّعْيِينِ.
وَيُسْألُ بها عَن الإسْنادِ، مِثلُ: أسافر أَخُوك؟ وَيكونُ الجَوابُ بـ(نعم) أَو بِـ(لا). وَتقولُ فِي جَواب: ألم يُسافِرْ أَخُوك؟ نعمْ، أَي: لم يُسافِرْ، وبلى، أي: سافَرَ.
وتساويها (هل) فقطْ في طَلَبِ التصديقِ الموجَبِ.
وهي أصلُ أدواتِ الاستفهامِ؛ ولأصالَتِها استأثَرَت بأمورٍ، منها: تمامُ التصديرِ بتقديمِها على حُروفِ العَطفِ؛ الفاءِ، والواوِ، و(ثُمَّ)، في نحوِ: أَفَلَا تَعْقِلُونَ [البقرة: 44] ، أَوَلَمْ يَسِيرُوا [الروم: 9] ، أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ [يونس: 51] ، وكان الأصلُ في ذلك تقديمَ حَرفِ العَطفِ على الهمزةِ (فَأَلا يَعْقِلون، وألم يَسِيروا، ثمَّ أإذا ما وقع)؛ لأنها من الجُملةِ المعطوفةِ، ولكِنْ راعَوا أصالةَ الهمزةِ في استِحقاقِ الصَّدارةِ، فقدَّموها [10] يُنظر: ((الجنى الداني في حروف المعاني)) للمرادي (ص: 30)، ((المعجم الوسيط)) لمجموعة مؤلفين (1/ 1)، ((مغني اللبيب) (ص: 19)، ((تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد)) لناظر الجيش (9/4476)، ((شرح المفصل)) لابن يعيش (5/100)، ((المقاصد الشافية في شرح الخلاصة الكافية)) للشاطبي (5/237). .
وتَرِد الهمزةُ لمعانٍ أُخَرَ مُتفَرِّعةٍ عن الاستفهامِ، وهي:
الأوَّلُ: التَّسويةُ: وهي الهَمزةُ الدَّاخِلةُ على جملةٍ يَصِحُّ حُلُولُ المصدَرِ محلَّها،أو هي: همزةُ الاستفهامِ الواقعةُ بعْد (سواء) ونحوِ ذلك، ممَّا تكونُ الهمزةُ معه على الإخبارِ لا على السُّؤالِ، كقولِك: ما أُبالي أزيدًا لقِيتُ أم حمارًا. وسواءٌ عليَّ أقُمتَ أم قعدْتَ.
وفي القرآنِ الكريمِ: سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ [البقرة: 6] ؛ فالهمزةُ الواقِعةُ بعد كَلِمةِ "سواءٌ" تُسمَّى همزةَ التسويةِ، وما بَعْدَها مُؤَوَّلٌ بمصدَرٍ مرفوعٍ على أنَّه مبتدأٌ مُؤَخَّرٌ، و"سواءٌ" قبْلَه خَبَرُه مقدَّمٌ عليه، فتقديرُ قَولِه تعالَى: سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ: "إنذارُك وعَدَمُ إنذارِك سواءٌ عليهم"، أي: الأمرانِ سِيَّان عندهم، فهمزةُ التسويةِ معدودةٌ في الأحرُفِ المَصدريَّةِ التي يتأوَّلُ الفِعلُ بَعْدَها بمصدَرٍ
وإنَّما سُمِّيت هذه "همزةَ التَّسويةِ" لأنَّك سوَّيتَ الأمرينِ عليكَ، كما استَوَيا عليكَ عِلمًا حِين قلتَ: أزيدٌ في الدَّارِ أم عمرٌو؟ فجَرى على الاستفهامِ وإنْ لم يكُنِ استفهامًا حقيقةً، كما جَرى "الاختصاصُ" على حرفِ النِّداءِ، وإنْ لم يكُنْ نِداءً حقيقةً [11] يُنظر: ((المقاصد الشافية في شرح الخلاصة الكافية)) للشاطبي (5/99)، ((جامع الدروس العربية)) للغلاييني (2/246)، ((النحو الوافي)) لعباس حسن (1/414). .
ولا يلزمُ أن تقَعَ بعْدَ لفظةِ (سواء)، بل تقَعُ أيضًا بعدَ: "ما أُبالي"، و"ما أدْري"، و"لَيْت شِعري"، ونحوِ ذلك [12] ينظر: ((شرح الأشموني))  (2/375). .
الثَّاني: التقريرُ: وهو توقيفُ المخاطَبِ على ما يُعلَمُ ثُبوتُه أو نَفْيُه، نحوُ قَولِه تعالَى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح: ١] وقوله عزَّ وجلَّ: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَه [الزمر: ٣٦]، وقولِه سبحانه: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [المائدة: 116] [13] ينظر: ((الجمل في النحو)) للخليل بن أحمد الفراهيدي (ص:236)، ((شرح الكتاب)) للسيرافي (1/409)، ((شرح المفصل)) لابن يعيش (5/100)، ((حاشية الصبان على الأشموني)) (1/65). .
الثَّالثُ: الإنكارُ التوبيخيُّ؛ فيَقْتَضي أنَّ ما بعْدَها واقعٌ وأنَّ فاعلَه مَلومٌ، نَحْوُ قَوْلِه تعالَى: أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ [الصافات: 95] [14] ينظر: ((مغني اللبيب)) لابن هشام (ص:25)، ((همع الهوامع)) للسيوطي (2/584)، ((حاشية الصبان على الأشموني)) (3/148)، ((معاني النحو)) للسامرائي (4/234). .
الرَّابعُ: التَّحقيقُ والإيجابُ [15] ينظر: ((الجمل في النحو)) للخليل بن أحمد (ص:264)، ((المقتضب)) للمبرد (3/292)، ((حروف المعاني والصفات)) لأبي القاسم الزجاجي (ص: 19)، ((منازل الحروف)) لأبي الحسن الرماني المعتزلي (ص:24)، ((الخصائص)) لابن جني (2/465). ؛ نَحْوُ قَولِ جريرٍ:
ألسْتُمْ خَيْرَ مَن ركِبَ المطايا... وأنْدى العالَمينَ بُطونَ راحِ [16] يُنظر: ((ديوان جرير)) (ص: 77).
الخامِسُ: التذكيرُ، نحو: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى [الضحى: 6] .
السَّادِسُ: التهديدُ والتخويف؛ نَحْوُ: أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ [المرسلات: 16] .
السَّابعُ: التنبيهُ؛ نَحْوُ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً [الحج: 63] .
الثَّامِنُ: التعَجُّبُ؛ نَحْوُ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [المجادلة: 14] .
التاسِعُ: الاستبطاءُ؛ نَحْوُ: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ [الحديد: 16] .
العاشِرُ: الإنكارُ الإبطاليُّ، وهذه تَقْتَضِي أنَّ ما بَعْدَها غيرُ واقعٍ، وأنَّ مُدَّعِيَه كاذِبٌ؛ نَحْوُ: أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ [الصافات: 153] .
الحادي عَشَرَ: التهَكُّمُ؛ نَحْوُ: قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا [هود: 87] .
الثَّاني عَشَرَ: مُعاقَبةُ حَرفِ القَسَمِ، أي: تَنوبُ عنه، كقولك: آللهِ لقدْ كان كذا؛ فالهمزةُ في هذا عِوَضٌ من حَرفِ القَسَمِ، والتقديرُ: أباللهِ...
الثالثَ عشَرَ: التَّحذيرُ، وذلك كقولِه تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ [آل عمران: 144] .
الرَّابعَ عشَرَ: التَّنفيرُ، نحوُ قولِه تعالى: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا [الحجرات: 12] .
الخامسَ عشَرَ: التَّشكيكُ، وذلك كقولِه تعالى: أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا [ص: 8] ، بدليلِ ما بعْده بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي.
السَّادسَ عشَرَ: التَّشويقُ، كقولِه تعالى: قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ [آل عمران: 15] .
السَّابعَ عشَرَ: النَّفيُ، كقولِه تعالى: أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ [ق: 15] ، أي: لم نَعْيَ به، وقوله: أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ [الأنبياء: 34] [17] ينظر: ((ارتشاف الضرب)) لأبي حيان (4/1861)، ((الجنى الداني)) للمرادي (ص: 31 - 35)، ((المقتضب)) للمبرد (2/20)، ((مغني اللبيب)) لابن هشام (ص:24)، ((همع الهوامع)) للسيوطي (2/542، 584)، ((حاشية الصبان على الأشموني)) (3/150)، ((معاني النحو)) للسامرائي (4/324، 325). .

انظر أيضا: