موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ الثَّالِثُ: الوَقْفُ على المُتَحرِّكِ


إذا وُقِف على تاءِ التَّأنِيثِ، فلا يَجوزُ فيها إلَّا الوَقْفُ بالسُّكونِ، ويَجوزُ في غيرِها مِنَ المُتَحرِّك خَمْسةُ أوْجُهٍ:
1- السُّكونُ، وهُو الأصْلُ؛ لأنَّ الوَقْفَ مَوضِعُ اسْتراحةٍ، والسُّكونُ هو أخَفُّ الأحْوالِ [1947] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 312). .
2- والرَّوْمُ، ورَوْمُ الحَرَكةِ هو إخْفاءُ أو تَضعِيفُ الصَّوتِ بالحَرَكةِ [1948] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 313). ، فلا تُتِمُّها إنَّما تَختلِسُها اخْتلاسًا للتَّنبيهِ على الحَرَكةِ الأصْليَّةِ، ويكونُ الرَّوْمُ في الضَّمَّةِ والكسْرةِ بلا خِلافٍ، أمَّا الفَتْحةُ فإنَّ الفَرَّاءَ يَمْنعُ الرَّومَ فيها، وأغْلبُ القُرَّاءِ على رأيِه، وجُمْهورُ النَّحويِّينَ على جَوازِه في الفَتْحةِ، والرَّوْمُ في الفَتْحةِ يَحتاجُ إلى رِياضةٍ؛ لأنَّ الفَتْحةَ خَفيفةٌ يَتناوَلُها اللِّسانُ بسُرعةٍ [1949] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 313). .
3- والإشْمامُ، وهُو الإشارَةُ إلى الحَرَكةِ (الضَّمَّة) بضمِّ الشَّفَتَين دُونَ صوْتٍ، ومِن ثَمَّ فليس للسَّمْعِ فيه نَصيبٌ؛ ولِذا فإنَّهم يقولون: (الرَّوْمُ يُدرِكُه الأعْمى والبَصيرُ -لأنَّ فيه صوْتًا- والإشْمامُ يُدرِكُه البَصيرُ دُونَ الأعْمى).
ولا يكونُ الإشْمامُ إلَّا في الضَّمَّةِ؛ لأنَّ الضَّمَّةَ مَخْرَجُها الشَّفَةُ [1950] يُنظر: ((الارتشاف)) لأبي حيان (2/ 808، 809)، ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 313، 314). .
4- الوُقوفُ بتَضعيفِ الحرْفِ المَوقوفِ عليه في اسمٍ، مِثْلُ: هذا خالِدّ؛ أو فِعلٍ، مِثْلُ: هو يَضرِبّ، وهيَ لُغةٌ سَعْديَّةٌ؛ حيثُ يُسكَّنُ الآخِرُ معَ التَّضعيفِ، تقولُ: قام الرجُلّ، ولا تُعطيه حَرَكةً، وللتَّضعيفِ شُروطٌ؛ هي:
أ- ألَّا يكونَ الحرفُ المَوقوفُ عليه هَمْزةً، مِثْلُ: بِنَاء وإِخَاء؛ لأنَّ العَربَ لا تُدغِمُ الهَمْزةَ في الهَمْزةِ إلَّا إنْ كانتْ عَينًا.
ب- ألَّا يكونَ الحَرْفُ المَوقوفُ عليه حَرْفَ لِينٍ، مِثْلُ: سَرُو ويَفِي.
ج- ألَّا يكونَ قَبْلَ الحرْفِ المَوقوفِ عليه ساكِنٌ، مِثْلُ: بكْر، وعمْرو، ويوم، وبيْن.
د- ألَّا يكونَ مَنْصوبًا، فلا تَضعيفَ معَ المَنْصوبِ المُنوَّنِ، وذلك في الأشْهَرِ [1951] يُنظر: ((الارتشاف)) لأبي حيان (2/ 809، 810)، ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 314، 315). .
5- الوَقْفُ بالنَّقلِ:
وهو نقْلُ حَرَكةِ الحرْفِ المَوقوفِ عليه إلى الحرْفِ الَّذي قبلَه، مثلُ قِراءَةِ بعضِهم في قولِه تعالى: (وَتَوَاصَوْا بِالصَّبِرْ) [العصر: 3] ، وقولِه مِنَ الرَّجَز:
أنا ابْنُ ماوِيَّةَ إذْ جدَّ النَّقُرْ
وجاءتِ الخَيلُ أثابيَّ زُمَرْ [1952]  النَّقْر: نَقَر بالدَّابَّةِ نقرًا: إذا صوَّت، والأثابيُّ والزُّمَر: الجماعاتُ. ينظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (5/ 230، 231).
وللنقْلِ في غيرِ المَهْموزِ شُروطٌ سِتَّةٌ:
أ- أنْ يكونَ ما قَبْلَ الآخِرِ ساكِنًا؛ فلا نقْلَ في مِثْلِ: جَعْفَر؛ لتَحرُّكِ ما قَبْلَ الآخِرِ.
ب- وأنْ يكونَ ما قَبْلَ الآخِرِ ممَّا لا يَتعذَّرُ تَحْريكُه؛ فلا نقْلَ في: إنْسان؛ لأنَّ الألِفَ ممَّا يَتعذَّرُ تَحْريكُه، ولا في مِثْلِ: يشُدُّ، لأنَّ المُدغَمَ لا يَقبلُ الحَرَكةَ.
ج- أنْ يكونَ ذلك السَّاكِنُ ممَّا لا يُستثقَلُ تَحْريكُه؛ فلا نقْلَ في مِثْلِ: يَقولُ ويَبيعُ؛ لأنَّ الواوَ المَضْمومَ ما قبلَها والياءَ المَكْسورَ ما قبلَها مُستثقَلٌ تَحْريكُهما.
د- أنْ يكونَ المَنْقولُ منه حرْفًا صَحيحًا، فلا نقْلَ في: غَزْوٍ وظبيٍ؛ لأنَّ المَنْقولَ منه غيرُ صَحيحٍ.
هـ- ألَّا تكونَ الحَرَكةُ الَّتي يُرادُ نقْلُها فَتْحةً، على الأصحِّ عندَ جُمْهورِ البَصْرِيِّينَ، فلا نقْلَ في: سَمعتُ العِلْمَ، لأنَّ الحَرَكةَ فَتْحةٌ، وخالَف في ذلك الأخْفشُ والكُوفِيُّونَ فأجازوا نقْلَ الفَتْحةِ.
و- ألَّا يؤدِّيَ النَّقلُ إلى بِناءٍ لا نَظيرَ له، فلا نقْلَ في مِثْلِ: هذا عِلْمٌ؛ لأنَّ النَّقلَ يؤدِّي إلى بِناءِ (فِعُل) وهُو بِناءٌ لا وُجودَ له في العَربيَّةِ.
ويَختصُّ الشَّرطانِ الأخيرانِ (ألَّا تكونَ الحَرَكةُ فَتْحةً، وألَّا يؤدِّيَ النَّقلُ إلى بِناءٍ لا نَظيرَ له) بغيرِ المَهْموزِ.
فإنْ كان مَهْموزًا اغتُفرِ فيه الشَّرطانِ الأخيرانِ:
فيَجوزُ النَّقلُ وإنْ كانتِ الحَرَكةُ فَتْحةً، كما في قولِه تعالى: الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ [النمل: 25] ، تقولُ في الوَقْفِ: الخبَأْ.
ويَجوزُ النَّقلُ في المَهْموزِ وإنْ أدَّى النَّقلُ إلى بِناءٍ لم يُوجدْ له نَظيرٌ في كَلامِ العَرَبِ في مِثْلِ: هذا رِدْءٌ، تقولُ: رِدُءْ؛ لأنَّهم يَغتفرون في الهَمْزةِ ما لا يَغتَفِرونَ في غيرِها [1953] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (4/ 177)، ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 312 – 320)، ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 623 – 628). .
الوَقْفُ على تاءِ التَّأنِيثِ:
يُوقَفُ على تاءِ التَّأنِيثِ بالتَّاءِ (دونَ تَغييرٍ) إنْ كانتْ في:
أ- حرفٍ، مِثْلُ: ثُمَّت ورُبَّت.
ب- أو فعلٍ، مِثْلُ: قامتْ.
ج- أو اسمٍ وقبلَها ساكِنٌ صَحيحٌ، مِثْلُ: أُخْت وبِنْت.
ويَجوزُ إبقاؤُها على حالِها وقلَبُها هاءٌ:
أ- إنْ كان قبلَها حَرَكةٌ، ولا تكونُ إلَّا فَتْحةً، مِثْلُ: ثَمَرَة وشَجَرَة.
ب- إنْ كان قبلَها ساكِنٌ مُعتَلٌّ، ولا يكونُ إلَّا ألفًا، مِثْلُ: صَلاة وزَكاة وذَات، ومُسْلِمات.
ويَترجَّحُ إبقاؤُها على قلبِها هاءً في:
أ- جمْعِ التَّصحيحِ، مِثْلُ: مُسْلِمات.
ب- وما أشْبهَ جمْعَ التَّصحيحِ مِنِ اسمِ الجَمْعِ، مِثْلُ: أُولات، فإنَّها اسمُ جمْعٍ، مُفْرَدُها (ذات).
ج- وما أشْبهَ جمْعَ التَّصحيحِ ممَّا سُمِّيَ به مِنَ الجَمْعِ تَحقيقًا، مِثْلُ: أذْرُعات وعَرَفات، فإنَّ لهما مُفْرَدًا على التَّحقيقِ: عَرَفَة لِموقفِ الحاجِّ، وأذْرُعة لِقرْيةٍ مِن قُرى الشَّامِ، أو تَقديرًا، مِثْلُ: هَيهاتَ، وهي اسمُ فعلٍ ماضٍ بَمْعنى بَعُدَ، وهِيَ في التَّقديرِ جمْعُ: هَيْهَيَة، وقيل: هي مُفْرَدٌ لا جمْعٌ.
وجاء قلبُها هاءً -على غيرِ الرَّاجِحِ- في قولِهم: دَفْنُ البَنَاهْ مِنَ الْمَكْرُمَاهْ، وممَّا قالوه أيضًا: كيف الإخوةُ والأَخَوَاهْ؟ والوَقْفُ بالهاء في تاءِ الجَمْعِ لغةُ طيِّئٍ، وقُرِئ: (هَيْهَاهْ) [المؤمُنوَّن: 36] [1954] يُنظر: ((المحتسب)) لابن جِنِّي (2/ 91). .
والأرْجحُ في غيرِ جمْعِ التَّصحيحِ وما أشْبَهه الوَقْفُ بإبْدالِ التَّاءِ هاءً.
ومِنَ الوَقْفِ بالتَّاءِ دُونَ إبْدالِها هاءً قَولُه تعالى: إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ [الدُّخان: 43] ، وعلى هذه اللُّغةِ قَولُ بعضِ العَربِ: يا أهلَ سورةِ البَقَرَتْ، وقولُ أبي النَّجْمِ مِنَ الرَّجَز:
كانتْ نُفُوسُ الْقَوْمِ عند الغَلْصَمَتْ
وكادتْ الحُرَّةُ أنْ تُدْعَى أَمَتْ [1955]  الغَلْصَمَت: الغَلْصَمَة: اللَّحمُ بين الرَّأسِ والعُنُقِ، وسادةُ القَوْمِ، يُقال: هو في غَلْصَمةٍ مِن قَومِه، أي: في شَرَفٍ وعَدَدٍ. ينظر: ((شرح الشواهد الشعرية في أمات الكتب النحوية)) لمحمد شراب (1/ 208).
والشَّاهِدُ هُنا: (الغَلْصَمَتْ) و(أَمَتْ)؛ إذْ وُقِف عليهما بالتَّاءِ، والأرجحُ: الهاءُ [1956] يُنظر: ((الارتشاف)) لأبي حيان (2/ 818، 819)، ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 322 – 324)، ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 629 – 631). .

انظر أيضا: