موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ الثَّاني: إدْغامُ المِثْلَينِ


يَنقَسِمُ إدْغامُ المِثْلَينِ إلى: إدْغامٍ واجِبٍ، وجائِزٍ، ومُمْتَنِعٍ.
الإدْغامُ المُمْتَنِعُ:
- إذا تَحرَّك أوَّلُ المِثْلَينِ وسُكِّن الثَّاني، مِثْلُ: ظَلِلْتُ، رسولُ الْحسنِ.
- إذا سُكِّن أوَّلُ المِثْلَينِ وتَحرَّك الثَّاني وكان الأوَّلُ:
أ- هاءَ سكْتٍ؛ لأنَّ الوَقْفَ مَنويٌّ، وقد أدغَمَهما وَرْشٌ في قولِه تعالى: مَالِيَهْ * هَلَكَ [الحاقَّة: 28، 29]، وهُو ضَعيفٌ في القِياسِ.
ب- أو هَمْزةً مُنْفصِلةً عنِ الفاءِ، مِثْلُ: لم يَقرأْ أحَدٌ، فهُنا الإدْغامُ رديءٌ.
ج- أو مدًّا في الآخِرِ، مِثْلُ: يَدعُو واقد، لأنَّ الإدْغامَ يُزيلُ المدَّ.
- أنْ يكونَ الأوَّلُ مَدْغمًا فيه ما قبلَه، مِثْلُ: مُرَدَّدٍ.
- أنْ يكونَ الإدْغامُ مُؤدِّيًا لتَغييرِ بِناءِ المُلحَقِ عمَّا أُلحِق به، مِثْلُ: قَرْدَد، فلو أُدغِم لَقيل: قَرَدٌّ، ولاسْتلزم ذلك تَحريكَ الرَّاءِ، وهِيَ في مُقابلَةِ العَينِ مِن (جَعْفَر)، واسْتلزم تسكينَ الدَّالِ الأُوْلى، وهُي في مُقابِلِ الفاءِ مِن (جَعْفر).
- أنْ يُؤدِّيَ الإدْغامُ إلى الْتِباسِ بِناءٍ ببِناءٍ، مِثْلُ: سُرُر، فلو أُدغِم لقِيل: سُرٌّ، فلا يُعلَم هل هو "فُعُل" أو "فُعْل" [1912] يُنظر: ((شرح المفصل)) لابن يعيش (5/ 515)، ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 756، 757). .
الإدْغامُ الواجِبُ:
- إذا كان أوَّلُ المِثْلَيِنِ ساكِنًا وثاني المِثْلَينِ مُتَحرِّكًا وجَب الإدْغامُ بثَلاثةِ شُروطٍ:
1- ألَّا يَكونَ أوَّلُ المِثْلَينِ هاءَ سكْتٍ.
2- ألَّا يكونَ أوَّلُ المِثْلَينِ هَمْزةً مُنْفصلةً عنِ الفاءِ، مِثْلُ: لم يَقرَأ أحَدٌ، فلو كانتْ مُتَّصلةً بالفاءِ وجَب الإدْغامُ، مِثْلُ: سأَّال ورأَّاس بزِنةِ (فعَّال).
3- ألَّا يكونَ أوَّلُ المِثْلَينِ مدًّا في الآخِرِ، مِثْلُ: يَدْعو واقد، فإنْ لم يكنْ في الآخِرِ، وجَب الإدْغامُ، مِثْلُ: مَغزُوٍّ، أصْلُه: (مَغزُووٌ) [1913] يُنظر: ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 756، 757). .
فإذا كان المِثلانِ مُتَحرِّكينِ وجَب الإدْغامُ بأحَدَ عَشَرَ شَرطًا:
الأوَّلُ: أن يكونَا في كَلِمةٍ، مِثْلُ: مدَّ ومَلَّ وحَبَّ، أصْلُها: مَدَد، ومَلِلَ، وحَبُب، فإنْ كان المِثلانِ في كَلِمتَين، مِثْلُ: جعَل لَّكم يُصبحُ الإدْغامُ جائِزًا بشَرطَين: ألَّا يَكونا هَمْزتَين، مِثْلُ: قرأ آيةً؛ لأنَّ الإدْغامَ في الهَمْزتَينِ رَدِيءٌ، وألَّا يكونَ قَبْلَ أوَّلِ المِثْلَينِ ساكِنٌ صَحيحٌ؛ مثلُ الهاءِ في قولِه تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ [البَقَرة: 185]، فلا يَجوزُ الإدْغامُ هُنا عندَ البَصْرِيِّينَ، وجاء الإدْغامُ فيه عن أبي عَمْرٍو، وأجَازَه الفَرَّاءُ.
الثَّاني: ألَّا يَتَصَدَّرَ أوَّلُ المِثْلَينِ؛ فإنْ تَصدَّرَ امْتَنع الإدْغامُ، مِثْلُ: دَدَن.
الثَّالِثُ: ألَّا يتَّصِلَ أوَّلُ المِثْلَينِ بمُدغَمٍ؛ فإنِ اتَّصل أوَّلُ المِثْلَينِ بمُدغَمٍ، امْتنَع الإدْغامُ، مِثْلُ: جُسَّسٍ جمع جاسٍّ.
الرَّابِعُ: ألَّا يكونَا في وَزْنٍ مُلحَقٍ بغَيرِه، فإنْ كان الوَزْنُ مُلحَقًا، امْتنَع الإدْغامُ، مِثْلُ: قَردَد (مُلحَق بجَعْفَر)، وهَيْلَلَ (مُلحَق بدَحْرَجَ)، واقْعَنْسَسَ، (مُلحَق باحْرَنْجَمَ).
الخامِسُ والسَّادِسُ والسَّابِعُ والثَّامِنُ: ألَّا يكونا في اسمٍ على أوْزانِ: فَعَلٍ، مِثْلُ: طَلَل، أو فُعُل، مِثْلُ: ذُلُل، أو فِعَل، مِثْلُ: لِمَم، أو فُعَل، مِثْلُ: دُرَر، فإنْ كان على أحَدِ هذه الأوْزانِ، امْتنَع الإدْغامُ.
التَّاسِعُ: ألَّا تكونَ حَرَكةُ ثاني المِثْلَينِ عارِضةً، مِثْلُ: اخْصُصَ ابِي، وأصْلُه (اخصصْ) نُقِلتْ فَتْحةُ الهَمْزةِ مِن (أَبي) إلى الصَّادِ، واكْففِ الشَّرَّ وأصْلُه (اكففْ)، حُرِّك بالكسْرِ لالْتقاءِ السَّاكِنَين، وفي هذه الصُّورةِ يَجوزُ الفَكُّ والإدْغامُ.
العاشِرُ: ألَّا يكونَ المِثْلانِ ياءَين يَلزَمُ تَحريكُ ثانيهما، مِثْلُ: حيِيَ وعَيِيَ، وفي هذه الصُّورةِ يَجوزُ الفكُّ والإدْغامُ، وقُرِئ بِهما في قولِه تعالى: وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ [الأنْفال: 42] ، قُرِئ: مَن حَيِيَ بالفكِّ، ومَن حَيَّ بالإدْغامِ [1914] يُنظر: ((إتحاف فضلاء البشر)) للبنَّاء (ص: 298). .
الحادِيَ عَشَرَ: ألَّا يكونَ المِثْلانِ تاءَينِ في افْتَعَل، مِثْلُ: اسْتَتَرَ، واقْتَتَل، وفي هذه الصُّورةِ يَجوزُ الفكُّ والإدْغامُ، فإذا أدغَمتَ تَنقُلُ حَرَكةَ التَّاءِ الأُوْلى إلى الفاءِ وتُسقِطُ هَمْزةَ الوصْلِ ثُمَّ تُدغِمُ التَّاءَ في التَّاءِ، تقولُ في الماضي: سَتَّرَ، وقتَّل، وفي المُضارِعِ: يَسَتِّرُ، ويَقَتِّلُ، وفي المَصْدَرِ: سِتَّارًا، وقِتَّالًا، خِلافًا للفِعلِ (ستَّر/ فَعَّل) فإنَّ مَصْدَرَه (تَسْتِير/ تَفْعِيل).
وكما جاز الفَكُّ والإدْغامُ في المَسائِلِ الثَّلاثِ الأخيرةِ، جاز في ثَلاثِ مَسائِلَ أخْرى:
الأُوْلى: في أُوْلَى التَّاءَين الزَّائِدتَين في أوَّلِ المُضارِعِ، مِثْلُ: تَتَجَلَّى وتَتَعلَّم، وإذا أدغَمتَ جِئتَ بهَمْزةِ الوصْلِ؛ للتَّمكُّنِ مِنَ النُّطقِ، تقولُ: اتَّجلَّى واتَّعلَّم، وابنُ هِشامٍ يَرَى أنَّ هَمْزةَ الوصْلِ لا تأتي في المُضارِعِ.
فإذا أردْتَ التَّخفيفَ في الابْتداءِ، فإنَّه تُحذَفُ إحْدى التَّاءينِ، وهي التَّاءُ الثَّانيةُ على قَولِ سِيبَوَيهِ والبَصْرِيِّينَ؛ قال تعالى: نَارًا تَلَظَّى [اللَّيل: 14] ، وقال: وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ [آلُ عِمران: 143] ، والأصْلُ: تَتَلَظَّى، وتَتَمَنَّون، ومِثُل هذا الحَذْفِ في التَّاء نَجِدُه في النُّونِ الثَّانيةِ بعدَ نُونِ المُضارَعةِ في قِراءةِ ابنِ عامِرٍ وعاصِمٍ في قَولِه: وَكَذَلِكَ نُجِّي الْمُؤْمِنِينَ [الأنْبِياء: 88] [1915] يُنظر: ((إتحاف فضلاء البشر)) للبنَّاء (ص: 394). ، والأصْلُ: نُنَجِّي بِنَونَين.
الثَّانيةُ والثَّالِثةُ: في الفِعلِ المُضارِعِ المَجْزومِ بالسُّكونِ، والأمرِ المَبنيِّ عليه، ويَختلِفُ العَربُ هُنا ما بينَ الفَكِّ والإدْغامِ على التَّفصيلِ الآتي:
ما اجْتَمع عليه العَربُ جَميًعا (الحِجازِيُّون وغيرُهم):
- يَلتزِمُ العَربُ جَميعًا الفَكَّ معَ تاءِ الضَّميرِ ونُونِ النِّسوةِ و(نا) الفاعِلينَ؛ يقولون: رَدَدْتُ ورَدَدْنَ، ورَدَدْنا، وخرَج عن ذلك بَنو بَكرِ بنِ وائِلٍ، فهُم يَلتزِمون الإدْغامَ يقولون: ردَّتُّه، وردَّنَّ، وذكَر الكُوفِيُّونَ لُغةً أخرى يقولون في "رَدَّتُ": ردَّاتُ [1916] يُنظر: ((الارتشاف)) لأبي حيان (1/ 343)، ((شرح الشافية)) للرضي الإستراباذي (3/ 225). .
- الْتزموا الفك َّفي أفْعلِ التَّعَجُّبِ، مِثْلُ: أحْبِبْ بزيدٍ!
- يَلتزِمُ العَربُ جَميعًا الإدْغامَ مع (نا) المَفْعولينِ، مِثْلُ: ردَّنَا زيدٌ [1917] يُنظر: ((شرح المفصل)) لابن يعيش (5/ 296 – 298)، ((المساعد)) لابن عقيل (3/ 344 – 349). .
وفي غيرِ ذلك فإنَّ الحِجازِيِّينَ يَلتزِمونَ الفكَّ، وهو الأكْثرُ؛ قال تَعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ [البقرة: 217] ، وقال أيضًا: وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ [لقمان: 19] ، وسائِرُ العَربِ (بَنو تَمِيمٍ وغيرُهم) مَذْهبُهم تَحْريكُ الثَّاني والإدْغامُ، ويَذهبُون في تَحْريكِ الثَّاني مَذاهِبَ على النَّحوِ الآتي، لكنَّهم يَتَّفِقون على:
أنَّه لو اتَّصَل بالثَّاني حَرْفُ مدٍّ (ألف أو واو أو ياء)، فإنَّ الحَرَكةَ تكونُ مِن جِنْسِ الحرْفِ المُتَّصِلِ به، ولا يُخالِفُ منهم أحَدٌ، مِثْلُ: رُدَّا، ورُدُّوا، ورُدِّي.
وأجمعوا على الفتْحِ معَ ضَميرِ الغائِبةِ، يقولون: ردَّها، وعلى الضمِّ معَ ضَميرِ الغائِبِ، يَقولون: ردُّه، وقد يَكسرِون معَ مَضْمومِ الفاءِ: ردِّهِ، وقد يُفتَحُ: رُدَّه.
فإنْ كان بعدَ الفِعلِ ساكِنٌ غيرُ (ضميرِ الغائِبةِ والغائِبِ)، فإنَّهم يَختلِفون في حَرَكةِ المُدغَمِ:
1- الكسْرُ، وهِيَ لُغةُ قَيْسٍ وتَمِيمٍ، وهُو الأفْصحُ، ومنه قولُ جَريرٍ مِنَ الكامِل:
ذُمِّ المَنازِلَ بعدَ مَنْزلةِ اللِّوى
والعيشَ بعدَ أولئكَ الأيَّامِ [1918]  اللِّوَى: ما التوى من الرَّمْلِ، ويَقصِدُ هنا أنَّ المنازِلَ بعد مَنزِلِ اللِّوَى، والأيامَ بعد أيامِ العَيشِ فيه- مذمومةٌ. ينظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (15/ 262).
2- الفتْحُ، وهُم بَنو أَسَدٍ، مِثُلُ قولِ جَريرٍ مِنَ الوافِر:
فغُضَّ الطَّرْفَ إنَّكَ مِن نُمَيرٍ
فلا كَعْبًا بَلغْتَ ولا كِلابَا
والشَّاهِدُ أنَّه حرَّكَ (غضَّ) بالفتْحِ على لُغةِ بَني أسَدٍ، والكسْرُ فيه أفْصحُ وأكْثرُ [1919] يُنظر: ((تمهيد القواعد)) لابن ناظر الجيش (9/ 4675)، والبيت في ((ديوان جرير)) (ص: 551). .
فإنْ لم يكُنْ بعدَ الفِعلِ ضميرُ الغائِبةِ أو ضميرُ الغائِبِ أو ساكِنٌ، فثَمَّةَ لُغاتٌ ثَلاثٌ:
1- الكسْرُ، على أصْلِ الْتقاءِ السَّاكِنَين (رُدِّ، وفِرِّ، وعَضِّ)، وهِيَ لُغةُ بَني كَعْبٍ وغيرِهم.
2- الفتْحُ، وهِيَ لُغةُ بَني أسَدٍ وغيرِهم.
3- الإتْباعُ للحرْفِ الَّذي قبلَه: رُدُّ، وفِرِّ، وعَضَّ، وهُو أكْثرُ في كَلامِهم.
أمَّا (هَلُمَّ) فالعَربُ كلُّهم يَفْتَحونَ فيها، وذلك لأنَّها -عندَ الحِجازِيِّينَ- اسمُ فعلٍ، فهي مَفْتوحةٌ للبِناءِ أبدًا، وهِيَ عندَ بَني تَمِيمٍ فِعلٌ، وهُم يَلتزِمون فيها الفتْحَ مُطْلقًا سَواءٌ أكانت معَ هاءِ الغائِبةِ؛ يَقولون: هَلُمَّها، أو هاءِ الغائِبِ، يقولون: هَلُمَّهُ، أو قَبْلَ السَّاكِنِ: هَلُمَّ الرَّجُلَ، ويَكسِرونَ في (هَلُمِّي) ويَضمُّون في: (هَلُمُّوا)، أمَّا عندَ الحِجازيِّين فهيَ اسمُ فِعلٍ، فلا تَدخُلُها الضَّمائرُ أصْلًا [1920] يُنظر: ((شرح المفصل)) لابن يعيش (5/ 296 – 298)، ((المساعد)) لابن عقيل (3/ 344 – 349). .
وقد جاء الفكُّ شُذوذًا في غيرِ ذلك، مِثْلُ: ألِلَ السِّقاءُ، يَعْني: تَغيَّرتْ رائِحتُه، وفي الضَّرورةِ، مِثْلُ قولِ أبي النَّجْمِ العجليِّ:
الحَمْدُ للهِ العَلِيِّ الأجْلَلِ [1921] يُنظر: ((الممتع الكبير)) لابن عصفور (ص: 413)، ((شذا العرف)) للحملاوي (ص: 228).
فائِدةٌ: كلُّ الحُروفِ تُدغَمُ ويُدغَمُ فيها إلَّا الألِفَ والهَمْزةَ، غيرَ أنَّ الهَمْزةَ إنْ كانت عَينًا مُضاعَفةً، فإنَّها تُدغَمُ، مِثْلُ: سأَّال ورأَّاس [1922] يُنظر: ((شرح المفصل)) لابن يعيش (ص: 404). .

انظر أيضا: