موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الرَّابعُ: قَلْبُ الهَمْزةِ واوًا أو ياءً


أوَّلًا: القَلْبُ اللَّازِمُ (الواجِبُ)
تُقْلَبُ الهَمْزةُ واوًا أو ياءً وُجوبًا في بابَينِ:
البابُ الأوَّلُ: بابُ الجَمْعِ الَّذي على وَزْنِ (مَفاعِل).
البابُ الثَّاني: بابُ الْتقاءِ الهَمزَتَينِ في كَلِمةٍ واحِدةٍ.
بابُ الجَمْعِ الَّذي على وَزْنِ (مَفَاعِل)
إذا وقَعَتِ الهَمْزةُ بعْدَ ألِفِ مَفاعِل وكانتِ الهَمْزةُ عارِضةً في الجَمْعِ، وكانتْ لامُ الجَمْعِ هَمْزةً أو ياءً أو واوًا، فإذا تَحقَّقتِ الشُّروطُ، فهُنا يَجبُ عَمَلانِ:
أ- قَلْبُ كَسْرةِ الهَمْزةِ فَتْحةً.
ب- قَلْبُ الهَمْزةِ ياءً إذا كانتْ لامُ المُفْرَدِ هَمْزةً أو ياءً أصْليَّةً أو واوًا قُلِبتْ ياءً، وقَلْبُ الهَمْزةِ واوًا إنْ كانتْ لامُ المُفْرَدِ واوًا ظاهِرةً في اللَّفظِ غيرَ مُنْقلِبةٍ ياءً.
فهذه أرْبعُ مَسائلَ تَحتاجُ إلى أرْبعةِ أمْثِلَةٍ:
مِثالُ ما لامُه هَمْزةٌ: خطايا جَمْعُ خَطِيئة:
أصْلُها خَطَايِئ، والياءُ فيها ياءُ المُفْرَدِ (خَطِيئة)، والهَمْزةُ بعدَها هي لامُ المُفْرَدِ، ومرَّت بِخمسِ خُطُواتٍ لتُصبحَ (خَطايا):
1- وقعتِ الياءُ بعدَ ألِفِ (مَفاعِل) وكانتْ مدَّةً زائِدةً في المُفْرَدِ فقُلِبَت هَمْزةً كما في صَحائِف، فصار خَطَائِئ.
2- قُلِبتِ الهَمْزةُ الثَّانيةُ ياءً؛ لأنَّ الهَمْزةَ المتَطرِّفةَ بعدَ هَمْزةٍ تُقلَبُ ياءً، فصارتْ: (خَطائِيُ).
3- قُلِبتْ كَسْرةُ الهَمْزةِ الأُوْلى فَتْحةً لِلتَّخفيفِ، فصارتْ: (خَطَاءَيُ).
4- قُلِبتِ الياءُ ألِفًا، لتَحرُّكِها وانْفِتاحِ ما قبلَها، فصارتْ: (خَطاءَا) بِألِفَينِ بينَهما هَمْزةٌ.
5- فاجْتمَع شِبهُ ثلاثِ ألِفاتٍ؛ لأنَّ الهَمْزةَ تُشبهُ الألِفَ، وذلك مُستكْرَهٌ، فأُبدِلتِ الهَمْزةُ ياءً، فصارتْ: (خَطايا)، بِوَزْنِ (فَعَائِل) بعدَ خمسةِ أعْمَالٍ؛ هي:
إبْدالُ الياءِ هَمْزةً، ثُمَّ إبْدالُ الهَمْزةِ الثَّانيةِ ياءً، ثُمَّ قَلْبُ كَسْرةِ الهَمْزةِ الأُوْلى فَتْحةً، ثُمَّ قَلْبُ الياءِ ألِفًا، ثُمَّ قَلْبُ الألِفِ ياءً [1611] يُنظر: ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 701). .
تَنبيهٌ: هذه الخُطواتُ طِبقًا لِرأيِ سِيبَوَيهِ وجُمْهورِ البَصْرِيِّينَ، أمَّا الخَليلُ والكُوفِيُّونَ فقد ذهَبوا إلى أنَّه حدَث قَلْبٌ مَكانيٌّ كي لا تَلتقيَ هَمْزتانِ؛ حيثُ قُدِّمتِ الهَمْزةُ على الياءِ فصارَت خَطائِيُ، ثُمَّ مرَّت بِباقي الخُطواتِ السَّابِقةِ فوَزْنُها عِندَهم (فَعَالَى)، واعتُرِض على ما ذهَب إليه الخَليلُ بأنَّه قد سُمِع قولُ بعضُ العَربِ: (اللَّهمَّ اغْفِرْ لي خَطائِئِي)، بِهمزتَين، فلو كان كما ذهَب إليه الخَليلُ لم تكنِ الهَمْزةُ الثَّانيةُ لِتَظْهرَ [1612] يُنظر: ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 702). .
- شذَّ تَصحيحُ الهَمْزةِ في الجَمْعِ وتَصحيحُ الهَمْزةِ الَّتي هي لامٌ بعدَها، فقد رُوِي: اللَّهمَّ اغْفرْ لِي خَطائِئِي، وكَفِيئة وكفائِئِي [1613] يُنظر: ((الارتشاف)) لأبي حيان (1/ 268). .
مِثالُ ما لامُه ياءٌ أصْليَّةٌ: قضايا جَمْعُ قَضيَّةٍ:
أصْلُها قَضايِيُ بِيائَين؛ الأُوْلى: ياءُ فَعِيلةٍ، والثَّانيةُ: لامُ المُفْرَدِ (قَضَيَّة)، وقد مرَّتْ بِأربعِ خُطواتٍ لتَصيرَ على (قضايا):
1- وقعتِ الياءُ الأُوْلى بعدَ ألِفِ (مَفَاعِل) وكانتْ مدَّةً زائِدةً في المُفْرَدِ فقُلِبتْ هَمْزةً كما في صَحائِف، فصارت: (قَضائِيُ).
2- ثُمَّ قُلِبتْ كَسْرةُ الهَمْزةِ فَتحةً لِلتَّخفيفِ، فصارت: قضاءيُ.
3- ثُمَّ قُلِبتِ الياءُ ألِفًا، لتَحرُّكِها وانْفِتاحِ ما قبلَها، فصارت: قضاءَا.
4- اجْتمعَ ما يُشبهُ ثلاثَ ألِفاتٍ وذلك مُسْتكرَهٌ، فقُلِبتِ الهَمْزةُ ياءً، رُجُوعًا إلى الأصْلِ، فصارتْ: (قضايا)، بِوَزْنِ (فَعَائِل) بعدَ أربعةِ أعْمالٍ؛ هي:
إبْدالُ الياءِ الأُوْلى هَمْزةً، ثُمَّ قَلْبُ كَسْرةِ الهَمْزةِ فَتْحةً، ثُمَّ قَلْبُ الياءِ الثَّانيةِ ألِفًا، ثُمَّ قَلْبُ الهَمْزةِ ياءً، ومِثْلُها في هذا الإعْلالِ: مَنِيَّة ومَنايا [1614]  يُنظر: ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 702). .
- شذَّ إقْرارُ الهَمْزةِ وعَدَمُ قلْبِها فيما لامُه ياءٌ، في المنائِيَا في قَولِ عُبَيدةَ بنِ الحارِثِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ: الطَّويل
فما بَرِحَتْ أقدامُنا في مَقامِنا
ثَلاثَتِنا حتَّى أُزِيرُوا المَنائِيا [1615]  يتحَدَّثُ عمَّا وقع في غزوةِ بَدرٍ، ويقصِدُ بالثلاثةِ: نَفْسَه وعليَّ بنَ أبي طالِبٍ، وحمزةَ؛ إذ بارزوا ثلاثةً مِن المُشرِكين، فقَتَلوهم، وأُزِيرُوا: فِعلٌ مبنيٌّ للمَجْهول مِن أزارَ، أي: قَتَلوهم. ينظر: ((شرح الشواهد الكبرى)) للعيني (4/ 1672).
(المَنائِيا) جَمْعُ مَنِيَّةٍ، فالقِياسُ أنْ تُقلَبَ الهَمْزةُ ياءً (منايا)، لكنَّه أتى بِه على الأصْلِ.
- وشذَّ قلْبُ الهَمْزةِ واوًا فيما لامُه ياءٌ أصْليَّةٌ؛ فقالوا: هَدِيَّة وهَداوَى، والقِياسُ قلْبُها ياءً: هدايا [1616] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 101، 102). .
مثالُ ما لامُه واوٌ قُلِبتْ ياءً في المُفْرَدِ: مَطايا جَمْعُ مطيَّة:
أصْلُ مَطيَّة: مَطِيْوة مِن المَطَا -وهُو الظَّهرُ- أو مِنَ المَطْو -وهُو المدُّ-، اجْتمعَتِ الواوُ والياءُ وَسُبِقتْ إحْداهما بِالسُّكونِ، فقُلِبتِ الواوُ ياءً وأدْغِمتِ الياءُ في الياءِ، وجَمْعُها: مطايا، وأصْلُها: مَطايِو، وقد مرَّتْ بِخَمسِ خُطواتٍ لتَصيرَ على (مَطايا):
1- قُلِبتِ الواوُ ياءً لتَطرُّفِها بعدَ كسْرةٍ، فصارت: مَطاييُ.
2- فوقعتِ الياءُ بعدَ ألِفِ (مفاعِل) وكانت مدَّةً زائِدةً في المُفْرَدِ فقُلِبتْ هَمْزةً كما في صَحائِف، فصارت: (مطائيُ).
3- ثُمَّ قُلِبتِ الكَسرةُ فَتْحةً، فصارتْ: (مَطَاءَيُ).
4- ثُمَّ قُلِبتِ الياءُ ألِفًا لتَحرُّكِها وانْفِتاحِ ما قبلَها، فصارت: (مَطَاءَا).
5- اجْتمَع ما يُشبِهُ ثلاثَ ألِفاتٍ، وذلك مُسْتكرهٌ، فقُلِبتِ الهَمْزةُ ياءً، فصارتْ: (مطايا)، بوَزْنِ (فَعَائِل) بعدَ خَمسةِ أعْمالٍ؛ هي:
قَلْبُ الواوِ ياءً، ثُمَّ قَلْبُ الياءِ الأُوْلى هَمْزةً، ثُمَّ قلْبُ الكَسْرِة فَتْحةً، ثُمَّ إبْدالُ الياءِ ألِفًا، ثُمَّ إبْدالُ الهَمْزةِ ياءً، ولم يُرجَعْ إلى الأصْلِ (الواو)؛ لأنَّ الواوَ أثْقَلُ مِنَ الياءِ، أو لأنَّ الواوَ في المُفْرَدِ قد أُعِلَّتْ بِقَلْبِها ياءً، فأُعِلَّتْ في الجَمْعِ، ومِثْلُ ذلك: عَطيَّة وعَطايا، وسَجيَّة وسَجايا [1617]  يُنظر: ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 702، 703). .
ومِثْلُ هذا الإعْلالِ نجدُه في جَمْعِ زاوية على زوايا بوَزْنِ (فواعِل)، وأصْلُ: زوايا: زواوِيُ:
1- اكْتَنفَ ألِفَ الجَمْعِ حرْفا عِلَّةٍ (واوَين)، فقُلِبتِ الثَّانيةُ منهما هَمْزةً، فصارت (زوائِيُ).
2- قُلِبتْ كَسْرةُ الهَمْزةِ فَتْحةً للتَّخفيفِ، فصارت (زواءَيُ).
3- قُلِبتِ الياءُ ألِفًا لتَحرُّكِها وانْفِتاحِ ما قبلَها، فصارت (زَوَاءَا).
4- اجْتمَع ما يُشبهُ ثلاثَ ألِفاتٍ، وهُو مُسْتكرَهٌ، فقُلِبتِ الهَمْزةُ ياءً، فصارتْ زوايا، بوَزْنِ فواعِل [1618]  يُنظر: ((الإعلال والإبدال)) لشعبان صلاح (ص: 11). .
ومِثالُ ما لامُه واوٌ ظاهِرةٌ سَلِمَت مِن أنْ تُقلَبُ ياءً في المُفْرَدِ: هِرَاوَة -وهِيَ العصا- وجَمْعُها هَرَاوَى:
أصْلُها (هَرَااو)، وقد مرَّتْ بِخمْسِ خُطواتٍ لتَصيرَ على (هَراوَى):
1- وقَعتِ الألفُ بعدَ ألِفِ (مفاعِل) وكانت مدَّةً زائِدةً في المُفْرَدِ فقُلِبتْ هَمْزةً كما في رِسَالة ورَسَائِل، فصارتْ: (هَرائِوُ).
2- ثُمَّ قُلِبتِ الواوُ ياءً، لتَطرُّفِها بعدَ كَسْرةٍ، فصارتْ: (هَرَائِيُ).
3- ثُمَّ فُتِحتْ كَسْرةُ الهَمْزةِ تَخفيفًا، فصارتْ: (هَرَاءَيُ).
4- ثُمَّ قُلِبتِ الياءُ ألِفًا، لتَحرُّكِها وانْفِتاحِ ما قبلَها، فصارت: (هَرَاءَا).
5- فاجْتمَع ما يُشبهُ ثلاثَ ألِفاتٍ، فقُلِبتِ الهَمْزةُ واوًا؛ ليَتَشاكَل الجَمْعُ معَ المُفْرَدِ، فصارتْ: (هَرَاوَى) بعدَ خَمْسةِ أعْمالٍ؛ هي:
قَلْبُ الألِفِ هَمْزةً، ثُمَّ قَلْبُ الواوِ ياءً، ثُمَّ قَلْبُ الكَسْرةِ فَتْحةً، ثُمَّ قَلْبُ الياءِ ألِفًا، ثُمَّ قَلْبُ الهَمْزةِ واوًا [1619] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 99 – 101)، ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 700 - 704). .
تَنبيهاتٌ:
كلُّ ما سبَق يَحدُثُ:
إنْ كانتِ الهَمْزةُ عارِضةً في الجَمْعِ، فإنْ كانتِ الهَمْزةُ أصْليَّةً سَلِمتْ مِنَ القَلْبِ، مِثْلُ: المَرَائِي، جَمْعِ المِرآة؛ لأنَّ الهَمْزةَ غيرُ عارِضةٍ في الجَمْعِ؛ إذْ هي مَوجودَةٌ في المُفْرَدِ؛ لِذا فقد شذَّ جَمْعُ مِرآة على مَرايا.
وإنْ كانتِ اللَّامُ هَمْزةً أو ياءً أو واوًا، فإنْ كانتِ الهَمْزةُ صَحيحةً، فلا قَلْبَ، مِثْلُ: صَحائِف ورَسائِل وعَجائِز؛ جَمْعُ صَحيفةٍ ورِسالةٍ وعَجوزٍ؛ لأنَّ اللَّامَ صَحيحةٌ وليستْ مُعتَلَّةً [1620] يُنظر: ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 700). .
مَذْهبُ البَصْرِيِّينَ يَعُدُّ الصِيَغَ السَّابِقة على وَزْنِ (فَعَائِل)، أمَّا الكُوفِيُّونَ فيَرون أنَّ وَزْنَها (فَعالَى)، وأنَّ الواوَ في (هَرَاوَى) سَلِمَتْ في الجَمْعِ، كما سَلِمَتْ في المُفْرَدِ، وأنَّ الياءَ الَّتي أُعِلَّت في مَطِيَّة أُعِلَّتْ في الجَمْعِ (مطايا)، وأنَّ (هدايا) جاءتْ على الأصْلِ؛ لأنَّ ياءَها أصْليَّةٌ (هَدِيَّة)، وأنَّ (خطايا) جَمْعُ خَطيَّةٍ بِالإبْدالِ والإدْغامِ [1621] يُنظر: ((الارتشاف)) لأبي حيان (1/ 263). ، ويَتَّفقُ الخَليلُ معَ الكُوفِيِّينَ في أنَّ وَزْنَ (خَطَايا) هو (فَعَالى) [1622] يُنظر: ((الإنصاف)) لابن الأنباري (2/ 663). .
بابُ الْتِقاءِ الهمزتَينِ في كَلِمةٍ واحِدةٍ
إذا كانتِ الهَمْزةُ حرْفًا مُسْتَثقَلًا وهِيَ مُفْرَدةٌ، فإذا اجتَمَعتْ هَمْزتانِ ازْداد الثِّقَلُ ووجَب التَّخفيفُ، فإذا كانتا في كَلِمةٍ واحِدةٍ كان الثِّقَلُ أبلغَ؛ فليس مِن كَلامِ العَرَبِ -على حدِّ قَولِ سِيبَوَيهِ- أنْ تَلتقيَ همْزتانِ فتُحقَّقا [1623] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (3/ 549). .
ويكونُ ثَمَّةَ احْتمالاتٌ: إمَّا أنْ تكونَ الأُوْلى مُتَحرِّكةً والثَّانيةُ ساكِنةً، وإمَّا أنْ تكونَ الأُوْلى ساكِنةً والثَّانيةُ مُتَحرِّكةً، وإمَّا أنْ تكونَ الهمْزتانِ متَحرِّكتَين، ولا يجوزُ أنْ تكونَ الهمْزتانِ ساكِنتَين [1624] يُنظر: ((شرح المفصل)) لابن يعيش (5/ 279). .
تُقلَبُ الهَمْزةُ واوًا أو ياءً إذا الْتقتِ الهمْزتانِ في كَلِمةٍ واحِدةٍ، والهَمْزةُ الَّتي تُقلَبُ هي الهَمْزةُ الثَّانيةُ لا الأُوْلى؛ لأنَّ الثِّقَلَ وقَع بسَببِها.
الهَمْزةُ الأُوْلى مُتَحرِّكةٌ والثَّانيةُ ساكِنةٌ:
إذا كانتِ الهَمْزةُ الأُوْلى مُتَحرِّكةً والثَّانيةُ ساكِنةً، تُقلَبُ الثَّانيةُ إلى حَرْفِ عِلَّةٍ مِن جِنْسِ حَرَكةِ الهَمْزةِ الأُوْلى، وهُو ما يَعْنيه الصَّرْفيُّون بقَولِهم: (دُبِّرتِ الثَّانيةُ بحَرَكةِ الأُوْلى)، أيْ: يكونُ قَلْبُ الهَمْزةِ الثَّانيةِ تبَعًا لِحَرَكةِ الأُوْلى؛ فتُقلَبُ واوًا إنْ تَحرَّكتِ الأُوْلى بِالضَّمِّ، مِثْلُ: اُوتُمِنَ (اُؤْتُمِن)، وتُقلَبُ ياءً إنْ تَحرَّكتِ الأُوْلى بِالكَسْرِ، مِثْلُ: اِيْتِ (اِئْتِ)، وتُقلَبُ ألِفًا إنْ تَحرَّكتِ الأُوْلى بِالفَتْحِ، مِثْلُ: آمَنَ (أَأْمَنَ)، ومِثْلُ: آدَمَ وآخَرَ على وَزْنِ (أفْعَل)، فأصْلُهما: (أَأْدَم وأَأْخَر)، الْتقتْ همزتانِ الأُوْلى مُتَحرِّكةٌ والثَّانيةُ ساكِنةٌ، فتُقلَبُ الثَّانيةُ حرْفًا مِن جِنْسِ حَرَكةِ الأُوْلى [1625] يُنظر: ((شرح الشافية)) للرضي الإستراباذي (3/ 53). ، وشذَّت قِراءةُ بعضِهم: (إِئْلَافِهِمْ) [قريش: 2] ، بتَحقيقِ الهمْزتَينِ [1626] يُنظر: ((إتحاف فضلاء البشر)) للبناء (ص: 601). .
الهَمْزةُ الأُوْلى ساكِنةٌ والثَّانيةُ مُتَحرِّكةٌ:
إنْ كانتِ الهَمْزةُ الأُوْلى ساكِنةً والثَّانيةُ مُتَحرِّكةً، فلا تكونانِ إلَّا في مَوضِعِ العَينِ أو في مَوضِعِ اللَّامِ:
فإنْ كانتا في مَوضِعِ العَينِ: أُدْغِمتِ الأُوْلى في الثَّانيةِ، مِثْلُ: سأَّال ورأَّاس.
وإنْ كانتا في مَوضِعِ اللَّامِ:
أُبدِلتِ الثَّانيةُ ياءً مُطْلقًا سَواءٌ أكانتْ في الطَّرَفِ أم في غيرِ الطَّرَفِ، ومِثالُ الصَّرْفيِّين على ذلك مَصْنوعٌ مَبنِيٌّ، فإذا بُني مِن (قرأ) على مِثْالِ: قِمَطْر -وهُو وِعاءُ الكُتبِ- تقولُ: قِرَأْي، وأصْلُه: قِرَأْأ، الْتقتْ همزتانِ الأُوْلى منهما ساكِنةٌ، وهُما في مَوضِعِ اللَّامِ فوجَب قَلْبُ الثَّانيةِ ياءً، وفي بِناءِ سَفَرْجَل -وهُو ثَمَرٌ- مِن قَرَأَ، تقولُ: قَرَأْيَا، وأصْله: قَرَأْأَء، قُلِبتِ الهَمْزةُ الثَّانيةُ ياءً لأنَّها في مَوضِعِ اللَّامِ [1627] يُنظر: ((شرح الشافية)) للرضي الإستراباذي (3/ 55). .
الهَمْزتانِ مُتَحرِّكتانِ:
إنْ تَحرَّكتِ الأُوْلى والثَّانيةُ، قُلِبتِ الثَّانيةُ واوًا أو ياءً وُجوبًا:
فتُقلَبُ الهَمْزةُ الثَّانيةُ ياءً في ثَلاثةِ مَواضِعَ:
1- إنْ كانتِ الهَمْزةُ الثَّانيةُ في الطَّرَفِ مُطْلقًا، مِثْلُ: أنْ تَبنيَ مِن (قرأ) أمْثِلةَ: زِبْرِج وهُو الزِّينةُ، وجَعْفَر، وبُرْثُن، تقولُ: قِرْئِئ، وقَرْأأ وقُرْؤُو، ثُمَّ تَقلِبُ الهَمْزةَ الثَّانيةَ ياءً لأنَّها وقَعت طَرَفًا.
2- إنْ لم تكنْ في الطَّرَفِ وكانتْ مَكْسورةً؛ مِثُلُ أنْ تَبنيَ مِن أَمَّ -يعني قَصَدَ- مِثالَ أصْبِع بهَمْزةٍ مَفْتوحةٍ أو مَضْمومةٍ أو مَكْسورةٍ، تقولُ في المَفْتوحةِ: أَأْمِم، وفي المَضْمومةِ: أُؤْمِم، وفي المَكْسورةِ: إِئْمِم، ثُمَّ تَنقُلُ كَسْرةَ المِيمِ لِلهَمْزةِ السَّاكِنةِ لتُدغِمَ المِيمَ في المِيمِ، فتَلتقيَ همزتانِ متَحرِّكتان الثَّانيةُ منهما مَكْسورةٌ، فتُقلَبُ ياءً، تقولُ: أيِمٌّ، بِالحَرَكاتِ الثَّلاثةِ على الهَمْزةِ.
فائِدةٌ:
قرأ ابنُ عامِرٍ والكُوفِيُّونَ مِثلُ عاصِمٍ وحَمْزةَ والكِسائيِّ وخَلَفٍ والأَعْمشِ أَئِمَّةَ [التَّوبة: 12] بتَحقيقِ الهَمْزةِ [1628] يُنظر: ((إتحاف فضلاء البشر)) للبناء (ص: 71، 72). ، والقِياسُ قلْبُها ياءً: (أيمَّة)، ولم يأتِ عنِ القُرَّاءِ قَلْبُ الهَمْزةِ الثَّانيةِ ياءً، إنَّما هذا عندَ النُّحاةِ فحسْبُ، وذكَر ابنُ هشامٍ أنَّ هذا ممَّا يُتوقَّفُ عندَه ولا يُتَجاوَزُ [1629] يُنظر: ((شرح المفصل)) لابن يعيش (5/ 281)، ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 707). ، وذكَر ابنُ مالِكٍ في كتابِه "التَّسهيل" أنَّ ذلك لُغةٌ [1630] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 111). ، وفي كتابِه "إيْجازُ التَّعريفِ" ذكَر أنَّ تَحقيقَ الهمْزتَين شاذٌّ [1631] يُنظر: ((إيجاز التعريف)) لابن مالك (ص: 118). .
3- إنْ لم تكنْ في الطَّرَفِ وكانت مَفْتوحةً بعدَ كَسْرةٍ، مِثلُ أنْ تَبنيَ مِن (أمَّ) مِثالَ: إِصْبَع، تقولُ: إئْمَم، ثُمَّ تَنقلُ فَتْحةَ المِيمِ إلى الهَمْزةِ لتُدغِمَ المِيمَ في المِيمِ، فتَلتقي همْزتانِ الثَّانيةُ منهما مَفْتوحةٌ بعدَ كَسْرةٍ، فتُقلَبُ ياءً؛ تقولُ: إِيَمٌّ.
وتُقلَبُ الهَمْزةُ الثَّانيةُ واوًا في خَمْسةِ مَواضِعَ بِشرطِ ألَّا تكونَ في الطَّرَفِ، فإنْ كانت:
مَضْمومةً مُطْلقًا سَواءٌ أكانت بعدَ فَتْحةٍ، مِثْلُ: أَوُبٌّ، والأصْلُ: أُأْبُب، أو بعدَ كَسْرةٍ، مِثْلُ: أنْ تَبنيَ مِن (أَمَّ) مِثالَ: إِصْبُع، تقولُ: إوُمٌّ، وأصْلُه: إِئْمُم، أو بعدَ ضَمَّةٍ، مِثْلُ: أنْ تَبنيَ مِن أمَّ مِثالَ: أُبْلُم، تقولُ: أُوَمٌّ، والأصْلُ: أُؤْمُم، نُقلِتْ حَرَكةُ أوَّلِ المِثْلَينِ (الباءِ والمِيمِ) إلى الهَمْزةِ السَّاكِنةِ (الثَّانية)، ثُمَّ أبدَلوا الهَمْزةَ واوًا لِمُجانَسةِ حَرَكتِها، وأدْغَموا المِثْلَينِ لاجْتِماعِهما.
أو مَفْتوحةً بعدَ فَتْحةٍ، مِثْلُ: أَوَادِم جَمْعُ آدَم، وأصْلُها: أَأَادِم، أو بعدَ ضَمَّةٍ، مِثْلُ: أُوَيدمٍ؛ تَصغيرُ آدَم، وأصْلُه: أُأَيْدِم، الْتقتْ همْزتانِ في غيرِ الطَّرَفِ، الأُوْلى منهما مَفْتوحةٌ أو مَضْمومةٌ والثَّانيةُ مَفْتوحةٌ، فقُلِبتِ الثَّانيةُ واوًا.
وحاصِلُ الأمْرِ أنَّ الهمْزتَينِ المتَحرِّكتَينِ إذا الْتقتا فإمَّا أنْ تكونا في الطَّرَفِ، فتُقلَبَ الثَّانيةُ منهما ياءً مُطْلقًا، وإمَّا أنْ تكونا في غيرِ الطَّرَفِ، فهُنا نَنْظُرُ إلى حَرَكةِ الهمْزتينِ، فإنْ كانتِ الثَّانيةُ مَكْسورةً قُلِبتْ ياءً مطْلقًا، وإنْ كانتِ الثَّانيةُ مَضْمومةً قُلِبتْ واوًا مُطْلقًا، أمَّا المَفْتوحةُ، فإنْ كانت بعدَ كَسْرةٍ قُلِبتْ ياءً، وإنْ كانت بعدَ فَتْحةٍ أو ضَمَّةٍ قُلِبتْ واوًا [1632] يُنظر: ((شرح المفصل)) لابن يعيش (5/ 280)، ((شرح الشافية)) للرضي الإستراباذي (3/ 56، 57)، ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 704 – 708). .
قلبُ الهَمْزةِ واوًا قلْبًا لازِمًا (مَواضِعُ تَختصُّ بِها الواوُ):
تُبدَلُ الواوُ مِنَ الهَمْزةِ إبْدالًا مُطَّرِدًا لازِمًا إذا وقَعتِ الهَمْزةُ قَبْلَ الألِفِ في الجَمْعِ الَّذي لا نظيرَ له في الآحادِ (صِيغةِ مُنْتهى الجُمُوعِ)، بِشرطِ أنْ تَقعَ ألِفُ الجَمْعِ بينَ همْزتَين، تقولُ في جَمْعِ ذُؤَابة، وهِيَ الشَّعْرُ المَضْفورُ مِن شَعْرِ الرَّأسِ: ذَأَائِبُ، فتَقلِبُ الهَمْزةَ الَّتي قَبْلَ الألِفِ واوًا؛ تقولُ: ذَوَائِب، وعِلَّةُ ذلك اسْتثقالُهم بِناءَ الجَمْعِ، معَ اسْتثقالِهم اجْتِماعَ شِبهِ ثلاثِ هَمَزاتٍ، والأُخْفَشُ يَقيسُ على مِثْلِ (ذَوائِب) وإنْ لم يكنْ جَمْعًا، فعندَه الاسمُ المُفْرَدُ الَّذي تَقعُ فيه الألِفُ بينَ هَمْزتَين، تُبدَلُ الهَمْزةُ الَّتي قَبْلَ الألِفِ واوًا [1633] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 110). .
تُبدَلُ الواوُ مِنِ الهَمْزةِ إبْدالًا مُطَّرِدًا لازِمًا إذا كانتِ الهَمْزةُ لِلتَّأنيثِ، وذلك في التَّثْنيةِ: صَحْراوان، وفي الجَمْعِ بالألِفِ والتَّاءِ: صَحْراوات، وفي النَّسَبِ: صَحْراويٌّ.
ثانيًا: القَلْبُ الجائِزُ (غيرُ اللَّازِمِ)
تُقلَبُ الهَمْزةُ واوًا أو ياءً جَوازًا:
إنْ كانتِ الهَمْزةُ الأُوْلى مِن الهَمْزتَين المتَحرِّكتَينِ هَمْزةَ المُضارَعةِ (لِلمُتكلِّم)، جاز في الهَمْزةِ الثَّانيةِ التَّحقيقُ وجاز فيها القَلْبُ واوًا أو ياءً؛ لأنَّها تدُلُّ على مَعنًى زائِدٍ في الكَلِمةِ، مِثْلُ: أَؤُمُّ (أَوُمُّ) وأَئِنُّ (أيِنُّ) مُضارِعيْ أمَمْتُ وأنَنْتُ.
إذا كانتِ الهَمْزةُ ساكِنةً، فإنَّها تُقلَبُ حَرْفَ لِينٍ مِن جِنْسِ حَرَكةِ ما قبلَها؛ فتُقلَبُ الهَمْزةُ واوًا لِلضَّمةِ قبلَها في: "جُؤْنَة": "جُونَةٌ"، وفي "لُؤْم": "لُومٌ"، وفي "سُؤْتُ": "سُوتُ"، وتَقلبُها ياءً لِلكَسْرةِ قبلَها تقولُ في "ذِئْب": "ذِيبٌ"، وفي "بِئْر": "بِيرٌ"، وفي "جِئْتُ": "جِيتُ" وتُقلَبُ الهَمْزةُ ألِفًا لِلفَتْحةِ قبلَها -كما سبق-، مِثْلُ: "رَأْس": "رَاسٌ" [1634] يُنظر: ((شرح المفصل)) لابن يعيش (5/ 266). .
إنْ وقَعتِ الهَمْزةُ بعدَ واوٍ أو ياءٍ زائِدتَينِ لِلمَدِّ غيرَ طَرَفَين، فتُقلَبُ الهَمْزةُ واوًا إنْ كان قبلَها واوٌ، وتُقلَبُ الهَمْزةُ ياءً إنْ كان قبلَها ياءٌ، ثُمَّ الإدْغامُ؛ وذلك نَحْوُ قولِك في "خَطِيئة": "خَطِيَّةٌ"، وفي "النَّبِيء": "النَّبِيُّ"، وفي "مَقْرُوءَة": "مَقْرُوَّةٌ"، وفي "أَزْدُ شَنُوءَةَ": "شَنُوَّةٌ" [1635] يُنظر: ((شرح المفصل)) لابن يعيش (5/ 267)، ((شرح الشافية)) للرضي الإستراباذي (3/ 34، 35). .
تَنبيهانِ:
- تُقلَبُ الهَمْزةُ واوًا جَوازًا في الاسمِ المَخْتومِ بِألِفِ التَّأنِيثِ المَمْدودةِ، إذا كانتِ الهَمْزةُ مُبْدَلةً مِن أصْلٍ: (كِساء ورِداء)، أو مُبْدَلةً مِن حَرْفٍ زائِدٍ لِلإلْحاقِ: (عِلباء ودِرحاء)، فتُقلَبُ واوًا في التَّثْنيةِ (كِسَاوان ورِدَاوان، وعِلبَاوان، ودِرحَاوان)، والجَمْعِ بِالألِفِ والتَّاءِ (كِسَاوات ورِداوات، وعِلبَاوات ودِرحَاوات)، والنَّسَبِ (كِساويٌّ ورِداويٌّ وعِلباويٌّ ودِرحاويٌّ) [1636] يُنظر: ((الممتع الكبير)) لابن عصفور (ص: 240)، ((الشرح الملوكي)) لابن يعيش (ص: 257)، ((المساعد)) لابن عقيل (99 – 101)، ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 708). .
- تُقلَبُ الهَمْزةُ المُتَطرِّفةُ بعدَ ألِفٍ زائِدةٍ في التَّثْنيةِ ياءً عندَ بعضِ بَني فَزَارَةَ؛ يقولون في تَثْنيةِ كِساء ورِداءٍ: كِسايان ورِدايان [1637] يُنظر: ((الممتع الكبير)) لابن عصفور (ص: 253). .

انظر أيضا: