موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ الثَّاني: أنْواعُ الاشْتِقاقِ


أوَّلًا: الاشْتِقاقُ الأصْغَرُ
هو الاشْتِقاقُ المُحْتَجُّ بِه الَّذي أثْبتَه الجُمْهورُ، وهو: (أنْ تَأخُذَ كَلِمةً مِن كَلِمةٍ أخرى يكونُ بينَهما اتِّفاقٌ في المَعنى، وفي الأحْرُفِ الأُصُولِ، وفي تَرتيبِ هذه الأَحْرُفِ) [1021] يُنظر: ((الخصائص)) لابن جِنِّي (2/ 136)، ((الممتع الكبير)) لابن عصفور (ص: 40 - 42)، ((المبدع في التصريف)) لأبي حيان (ص: 53)، ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 82). .
ويُعرَفُ بتَقليبِ تَصارِيفِ الكَلِمةِ حتَّى نَصِلَ مِنها إلى صِيْغَةٍ هي أصْلٌ لكلِّ الصِّيَغِ في الدَّلالةِ وفي الحُروفِ، مِثْلُ: ضَرَبَ يدُلُّ على مُطْلَقِ الضَّرْبِ، أمَّا ضَارِبٌ ومَضْرُوبٌ، ويَضْرِبُ واضْرِبْ، فَلَها نَفْسُ الدَّلالةِ والحُروفِ، لكنْ بِزيادةٍ في الدَّلالةِ والحُروفِ، وتَشتركُ في هَيئةِ تَركيبِ الأحْرُفِ: ض ر ب [1022] يُنظر: ((الممتع الكبير)) لابن عصفور (ص: 42). .
خلافُ العُلَماء في الاشْتِقاق الأصْغَرِ:
القولُ الأوَّلُ: بعضُ الكَلِمِ مُشْتَقٌّ مِن بعضٍ، وهو قولُ الجَماعةِ مِنَ البَصْرِيِّينَ والكُوفِيِّينَ.
القولُ الثَّاني: الكَلِمُ كلُّه مُشْتَقٌّ، وهو قولُ طائفَةٍ مِنَ المُتأخِّرينَ.
القولُ الثَّالِثُ: الكَلِمُ كلُّه أصْلٌ وليس شيءٌ مُشْتَقًّا مِن غيرِه [1023] يُنظر: ((المزهر)) للسيوطي (1/ 276). .
ثانيًا: الاشْتِقاقُ الأكْبَرُ
هذا النَّوعُ ممَّا ابْتَدعه ابنُ جِنِّي [1024] يُنظر: ((الخصائص)) لابن جِنِّي (2/ 135). ، وعرَّفه بأن تأخُذَ أصْلًا مِنَ الأُصولِ الثُّلاثيَّةِ، وتَجعلَ للتَّراكيبِ السِّتَّةِ لذلك الأصْلِ معنًى واحِدًا، يَجْمُعها جميعًا، مِثْلُ: ك ل م، ك م ل، م ك ل، م ل ك، ل ك م، ل م ك، هذه هي تَقالِيبُ الكَلِمةِ السِّتَّةُ الَّتي تَأْتي عليها، وكلُّها تَنصَرِفُ إلى معنى القُوَّةِ والشِدَّةِ، فتكونُ كلُّ الكَلِماتِ المَأخوذةِ مِن تلك الحُروفِ فيها مَعنى القُوَّةِ والشِّدَّةِ [1025] يُنظر: ((الخصائص)) لابن جِنِّي (2/ 136). .
رأيُ العُلَماءِ في هذا النَّوعِ مِنَ الاشْتِقاقِ:
لم يَذكُرْ هذا النَّوعَ مِنَ الاشْتِقاق إلَّا ابنُ جِنِّي، وقد رأى العُلَماءُ أنَّ هذا النَّوعَ مِنَ الاشْتِقاقِ غيرُ مُعتَبَرٍ وغيرُ مُطَّرِدٍ [1026] يُنظر: ((الممتع الكبير)) لابن عصفور (ص: 39)، ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 83). .
فائدةٌ في الفَرْقِ بين الاشْتِقاقِ والتَّصريفِ:
الاشْتِقاقُ أخْذُ كَلِمةٍ مِن كَلِمةٍ أخرى، أمَّا التَّصريفُ فهو تَغييرُ صِيغةِ الكَلِمةِ إلى صِيغةٍ أخرى؛ كتَغييرِ الكَلِمةِ بالتَّصْغيرِ والتَّكسيرِ، وهو يُشبِهُ الاشْتِقاقَ، لكنَّ الاشْتِقاقَ خاصٌّ بِما جاء عنِ العَربِ مِن ذلك، أمَّا التَّصريفُ فهو أعَمُّ؛ فيشمَلُ ما جاء عنِ العَربِ، وما نُحْدِثُه بالقِياسِ؛ فكلُّ اشْتِقاقٍ تَصريفٌ، وليس كلُّ تَصريفٍ اشْتِقاقًا [1027] يُنظر: ((الممتع الكبير)) لابن عصفور (ص: 47). .
تَنبيهٌ:
ثَمَّةَ نوعٌ مِنَ الاشْتِقاقِ يُسمَّى الاشْتِقاقَ الكُبَّارَ، وهو (أخْذُ كَلِمةٍ مِن كَلِمتينِ أو أكثرَ معَ المُناسبةِ بينَ المَأخوذِ والمَأخوذِ مِنه في اللَّفْظِ والمَعنى معًا)، فتَعمِدُ إلى كَلِمتين، مُسقِطًا مِن كلٍّ مِنهما أو مِن بعضِها حَرْفًا أو أكْثرَ، وتُؤَلِّفُ ممَّا بقِي مِن أحْرُفِ كلِّ كَلِمةٍ كَلِمةً واحِدةً، فيها بعضُ أحْرُفِ الكَلِمتينِ -أو أكْثرُها- وما تدُلَّانِ عليه مِنَ المَعنى [1028] يُنظر: ((الاشْتِقاق)) للدكتور عبد الله أمين (ص: 391). .
والاشْتِقاق الكُبَّارُ مُصطَلَحٌ حديثٌ ذَكَره الدُّكتورُ عبدُ اللهِ أمين، وقديمًا كان يُعرَفُ بالنَّحْتِ؛ قال ابنُ فارسٍ: (بابُ النَّحْتِ: العَربُ تَنْحِتُ مِن كَلِمتين كَلِمةً واحِدةً، وهو جِنْسٌ مِنَ الاخْتِصارِ، وذلك: "رَجُلٌ عَبْشَمِيٌّ"؛ مَنسوبٌ إِلَى اسمَيْنِ، وأَنْشَد الخليلُ مِنَ الوافر:
أَقُولُ لَهَا ودَمْعُ العَينِ جارٍ
ألَمْ تَحْزُنْكِ حَيْعَلَةُ المُنادي؟
مكانَ قولِه: "حَيَّ على") [1029] يُنظر: ((الصاحبي)) لابن فارس (ص: 209، 210). .
فالغَرضُ مِنَ النَّحْتِ: الاخْتِصارُ كما في نَصِّ ابنِ فارسٍ السَّابقِ، ويُضافُ إلى ذلك: الاسْتِكثارُ مِنَ الكَلِماتِ باشْتِقاقِ كَلِماتٍ حديثةٍ لمعانٍ حديثةٍ ليس لها ألْفاظٌ في اللُّغةِ، ولا تَفِي الكَلِماتُ المَنحوتُ مِنها بِمَعناها.
وممَّا ورَد عن العَربِ في النَّحْتِ: بَسْمَلَ، أيْ: قال: باسْمِ اللهِ، وسَبْحَلَ، أي: قال: سُبحانَ اللهِ، وحَوْلَقَ، أيْ: قال: لا حولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ، ودَمْعَزَ، أيْ: أدامَ اللهُ عِزَّك، واسْتَرْجَعَ، أيْ: قال إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجِعونَ [1030] يُنظر: ((الاشْتِقاق)) للدكتور عبد الله أمين (ص: 392، 393). .

انظر أيضا: