الموسوعة العقدية

المَبحَثُ السَّابعُ: من قواعِدِ الاستِدلالِ على مَسائِلِ الاعتِقادِ عندَ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ: السُّكوتُ عمَّا سَكَت عنه اللهُ ورسولُه والإمْسَاكُ عمَّا أمسَكَ عنه السَّلَفُ الصَّالحُ

كلُّ مسألةٍ مِن المَسائِلِ الشَّرعيَّةِ -ولا سيَّما مَسائِلِ الاعتقادِ- لا يُحكَمُ فيها نفيًا أو إثباتًا إلَّا بدليلٍ، فما ورد الدَّليلُ بإثباتِه أُثبت، وما ورد بنَفْيه نُفِيَ، وما لم يرِدْ بإثباتِه ولا بنَفْيِه دليلٌ توقَّفْنا، ولم نحكُمْ فيه بشيءٍ؛ لا إثباتًا ولا نفيًا، ولا يعني هذا أنَّ المسألةَ خاليةٌ عن الدَّليل، بل قد يكونُ عليها دليلٌ، لكِنْ لا نعلَمُه، فالواجِبُ التوقُّفُ: إمَّا مُطلقًا، أو لحين وجدانِ الدَّليلِ [127] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تَيميَّةَ (16/431)، ((علم العقيدة عند أهل السنة والجماعة)) لمحمد يسري (ص: 371). .
قال الله تعالى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا [الإسراء: 36] .
أي: ولا تَقُلْ أو تفعَلْ شيئًا بمُجَرَّدِ الظَّنِّ، فتَتْبَعْ ما لا عِلمَ لك به، ولا دليلَ على صِحَّته [128] يُنظر: ((التفسير المحرر - سورة الإسراء)) (ص: 190). .
وعن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ذَرُوني ما تركتُكم؛ فإنَّما هَلَك مَن كان قَبْلَكم بكَثرةِ سُؤالِهم، واخِتلافِهم على أنبيائِهم، فإذا أمرتُكم بشَيءٍ فأْتُوا منه ما استَطَعْتُم، وإذا نهيتُكم عن شَيءٍ فدَعُوه )) [129] أخرجه البخاري (7288)، ومسلم (1337). .
وقال عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه: (من عَلِمَ فلْيقُلْ، ومن لم يَعلَمْ فليقُل: اللهُ أعلَمُ؛ فإنَّ منَ العِلمِ أن يقولَ لِما لا يَعلَمُ: لا أعلَمُ؛ فإنَّ اللهَ قال لنبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص: 86] ) [130] أخرجه البخاري (4774)، ومسلم (2798). .
وسأل رجلٌ أبا حنيفةَ: ما تقولُ فيما أحدثه النَّاسُ من الكلامِ في الأعراضِ والأجسامِ؟ فقال: (مقالاتُ الفلاسِفةِ، عليك بالأثَرِ وطريقةِ السَّلَفِ، وإيَّاك وكلَّ مُحدَثةٍ؛ فإنَّها بِدعةٌ) [131] يُنظر: ((ذم الكلام)) للهروي (4/213). .
وقال الأوزاعيُّ: (اصبِرْ نفسَك على السُّنةِ، وقِفْ حيث وقَفَ القَومُ، وقُلْ فيما قالوا، وكُفَّ عما كَفُّوا، واسلُكْ سَبيلَ سَلَفِك الصَّالحِ؛ فإنَّه يسعُك ما يَسَعُهم) [132] يُنظر: ((ذم الكلام)) للهروي (4/148). .

انظر أيضا: