الموسوعة العقدية

المَطْلَب الأوَّلُ: نَفيُ النَّقصِ عن اللهِ تعالى

تَنزيهُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ عن كُلِّ نَقصٍ أو عيبٍ، هو ما دَلَّ عليه القُرآنُ الكريمُ والسُّنَّةُ النَّبويَّةُ، وهو ما فَطَر اللهُ عليه الخَلْقَ، وممَّا يُعلَمُ بالعَقلِ [3397] يُنظر: ((الصواعق المرسلة)) لابن القيم (1/293)، ((النفي في باب صفات الله عز وجل)) لأرزقي سعيداني (ص: 108). .
قال اللهُ تعالى: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا [الأعراف: 148] .
قال ابنُ القَيِّمِ: (نبَّه بهذا الدَّليلِ على أنَّ مَن لا يُكَلِّمُ ولا يَهْدي لا يَصلُحُ أن يكونَ إلهًا، وكذلك قَولُه في الآيةِ الأخرى عن العِجْلِ: أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا [طه: 89] ، فجَعَل امتناعَ صِفةِ الكلامِ والتَّكليمِ وعَدَمَ مِلكِ الضُّرِّ والنَّفعِ دليلًا على عَدَمِ الإلهيَّةِ، وهذا دليلٌ عَقليٌّ سَمعيٌّ على أنَّ الإلهَ لا بُدَّ أن يُكَلَّمَ ويتكَلَّمَ ويملِكَ لعابِدِه الضُّرَّ والنَّفعَ، وإلَّا لم يكُنْ إلهًا، وقال: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد 8-10] نَبَّهك بهذا الدَّليلِ العَقليِّ القاطِعِ أنَّ الذي جعَلَك تُبصِرُ وتتكَلَّمُ وتَعلَمُ أَولى أن يكونَ بَصيرًا متكَلِّمًا عالِمًا، فأيُّ دليلٍ عقليٍّ قَطعيٍّ أقوى من هذا وأبيَنُ وأقرَبُ إلى المعقولِ؟! وقال تعالى في آلهةِ المُشرِكينَ المعَطِّلينَ: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا [الأعراف: 195]، فجَعَل سُبحانَه عَدَمَ البَطشِ والمَشيِ والسَّمعِ والبَصَرِ دليلًا على عَدَمِ إلهيَّةِ مَن عَدِمَت فيه هذه الصِّفاتُ) [3398] يُنظر: ((الصواعق المرسلة)) (3/914). .
وقال اللهُ سُبحانَه عن إبراهيمَ عليه السَّلامُ: إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * مريم: 42*.
قال السَّمعانيُّ: (قَولُه: لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا أي: لا يَسمَعُ إنْ دَعَوتَه، ولا يُبصِرُ إنْ أتيتَه وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا لا يَدفَعُ عنك، ومعناه: لا يُغيثُك إن استَغَثْتَ به) [3399] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (3/ 294). .
قال السَّعْديُّ: (أي: لمَ تعبُدُ أصنامًا ناقِصةً في ذاتِها وفي أفعالِها، فلا تَسمَعُ، ولا تُبصِرُ، ولا تَملِكُ لعابِدِها نفعًا ولا ضَرًّا، بل لا تملِكُ لأنفُسِها شيئًا مِن النَّفعِ، ولا تَقدِرُ على شيءٍ مِن الدَّفعِ؟
فهذا بُرهانٌ جَليٌّ دالٌّ على أنَّ عِبادةَ النَّاقِصِ في ذاتِه وأفعالِه مُستقبَحٌ عَقلًا وشَرعًا، ودَلَّ بتنبيهِه وإشارتِه أنَّ الذي يجِبُ ويَحسُنُ عبادةُ مَن له الكَمالُ، الذي لا يَنالُ العِبادُ نِعمةً إلَّا منه، ولا يَدفَعُ عنهم نِقمةً إلَّا هو، وهو اللهُ تعالى) [3400] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 494). .

انظر أيضا: