الموسوعة العقدية

المَطْلَب الثَّاني: ما يَصِحُّ الإخبارُ به عن اللهِ وليس بصِفةٍ

البَالَةُ والمُبَالاةُ والعَبْءُ
يصِحُّ الإخبارُ عنِ اللهِ عزَّ وجلَّ بأنَّه لا يَعبَأُ ولا يُبالي.
الدَّليلُ مِن الكتابِ:
قولُ اللهِ تعالى: قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا [الفرقان: 77] .
قال الأزهريُّ: (قال أبو إسحاقَ: قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي: أي: ما يفعَلُ بكم لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ، معناه: لولا توحيدُكم، قال: وتأويلُه: أيُّ وزنٍ لكم عنده لولا توحيدُكم؟! كما يقولُ: ما عبَأْتُ بفُلانٍ، أي: ما كان له عندي وَزْنٌ ولا قَدْرٌ) [3239] يُنظر: ((تهذيب اللغة)) (3/149). .
وقال ابنُ كثيرٍ في تفسيرِ الآيةِ: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي، أي: لا يُبالي ولا يكترِثُ بكم إذا لم تعبُدوه؛ فإنَّه إنَّما خلَقَ الخَلْقَ ليعبُدوه ويُوحِّدوه ويُسبِّحوه بُكرةً وأصيلًا) [3240] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (6/134). .
وقال الشِّنقيطيُّ: (العَرَبُ الذين نَزَل القُرآنُ بلُغَتِهم يقولون: ما عبَأْتُ بفُلانٍ، أي: ما بالَيتُ به، ولا اكتَرثْتُ به، أي: ما كان له عندي وَزنٌ ولا قَدْرٌ يَستوجِبُ الاكتراثَ والمبالاةَ به، وأصلُه من العِبءِ، وهو الثِّقلُ) [3241] يُنظر: ((أضواء البيان)) (6/81). .
الدَّليلُ مِن السُّنَّةِ:
حديثُ مِرْدَاسٍ الأَسْلَميِّ رَضِي اللهُ عنه مرفوعًا: ((يذهَبُ الصَّالحونَ؛ الأوَّلُ فالأوَّلُ، ويَبقى حُفَالَةٌ كحُفَالةِ الشَّعيرِ أو التَّمرِ، لا يُبالِيهم اللهُ بالَةً )) [3242] أخرجه البخاري (6434). ، وفي روايةٍ: ((لا يعبَأُ اللهُ بهم شيئًا)) [3243] أخرجه البخاري (4156) موقوفًا على مِرْداسٍ الأسلميِّ رضي الله عنه. .
قال ابنُ منظورٍ: (ما عَبَأْتُ بفلانٍ عَبْأً: أي: ما بالَيْتُ به، وما أعْبَأُ به عَبْأً: أي: ما أُباليه، قال الأزهريُّ: وما عَبَأْتُ له شيئًا: أي: لم أُبَالِه) [3245] يُنظر: ((لسان العرب)) (4/2772). .
قال البَغَويُّ: (قولُه: ((لا يُبالِيهم اللهُ بَالةً)) أي: لا يرفَعُ لهم قَدْرًا، ولا يُقِيمُ لهم وزنًا، يُقالُ: بالَيْتُ بالشَّيءِ مُبالاةً وبَالِيةً وبَالةً، يُقالُ: ليس هذا مِن بالي، أي: ممَّا أُبالِيه) [3246] يُنظر: ((شرح السنَّة)) (14/393). .
وقال ابنُ الجَوزيِّ: (قولُه: ((لا يُبالِيهم اللهُ بَالةً)) أي: لا يُبالي بهم، ولا يُقِيمُ لهم وَزْنًا، والبالةُ مصدرٌ كالمُبالاةِ، ويُقالُ: بالَيْتُ بالشَّيءِ بَالةً ومُبالاةً، وتقولُ: لا أُبالي بكذا: أي: لا يَجري على بالي... وقولُه: ((يعبَأُ بهم))، قال الزَّجَّاجُ: يُقالُ: ما عبَأْتُ بفلانٍ: أي: ما كان له عندي وَزْنٌ ولا قَدْرٌ) [3247] يُنظر: ((كشف المشكل من حديث الصحيحين)) (4/166). .
وقال النَّوويُّ: ( ((لا يُبالِيهم اللهُ بَالةً))، يقال: لا أُبالي زيدًا بالًا ولا بالةً، وَبِلًى -بكَسْرِ الباءِ مقصورٌ-، أي: لا أكترِثُ به، ولا أهتَمُّ له) [3248] يُنظر: ((الأسماء واللغات)) (1/17). .
وقال ابنُ حَجَرٍ: (قوله: ((لا يُبالِيهم اللهُ بالةً)) قال الخطَّابيُّ: أي: لا يرفَعُ لهم قَدْرًا، ولا يُقِيمُ لهم وَزْنًا، يُقالُ: بالَيْتُ بفلانٍ، وما بالَيْتُ به مُبالاةً وباليةً وبَالةً، وقال غيرُه: أصلُ بَالةٍ: بَاليةٌ، فحُذِفَتِ الياءُ تخفيفًا، وتُعُقِّبَ قولُ الخطَّابيِّ بأنَّ باليةً ليس مصدرًا لبالَيْتُ، وإنَّما هو اسمُ مَصدَرِه، ... قُلتُ: تقدَّمَ في المغازي مِن روايةِ عيسى بنِ يونُسَ عن بيانٍ بلفظِ: «لا يعبَأُ اللهُ بهم شيئًا»، وفي روايةِ عبدِ الواحدِ: «لا يُبالي اللهُ عنهم»، وكذا في روايةِ خالدٍ الطَّحَّانِ، و«عن» هنا بمعنى الباءِ، يُقالُ: ما بالَيْتُ به، وما بالَيْتُ عنه، وقولُه: «يعبَأُ» بالمُهمَلةِ السَّاكنةِ والمُوحَّدةٍ مهموزٌ: أي: «لا يُبالي»، وأصلُه مِن العِبْءِ بالكسرِ ثمَّ المُوحَّدةِ مهموزٌ، وهو الثِّقلُ، فكأنَّ معنى: «لا يعبَأُ به» أنَّه لا وَزْنَ له عِنْدَه) [3249] يُنظر: ((فتح الباري)) (11/252). .
وقال ابنُ عُثَيْمين: (لا يُبالي بهم اللهُ بَالًا، بمعنى أنَّه لا يُبالي بمَن يُعاقِبُهم أو يُعذِّبُهم؛ لأنَّهم ليسوا أهلًا لأن يعتنيَ اللهُ بهم) [3250] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) (6/309). .
وقال أيضًا: (لا يُبالي اللهُ بهم بالًا، يعني: لا يُبالي بهم ولا يَرحَمُهم ولا يُنزِلُ عليهم الرَّحمةَ) [3251] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) (6/ 634). .
الذَّاتُ
يصِحُّ إضافةُ لفظةِ: (الذَّاتِ) إلى اللهِ عزَّ وجلَّ؛ كقولِنا: ذاتُ اللهِ، أو: الذَّاتُ الإلهيَّةُ، لكِنْ لا على أنَّ (ذات) صفةٌ له. وذاتُ الشَّيءِ: نَفْسُه.
وقد ورَدَتْ كلمةُ (ذاتٍ) في السُّنَّةِ أكثَرَ مِن مرَّةٍ؛ ومِن ذلك:
1- حديثُ أبي هُرَيْرةَ رَضِي اللهُ عنه: ((لم يكذِبْ إبراهيمُ النَّبيُّ عليه السَّلامُ قَطُّ، إلَّا ثلاثَ كَذَباتٍ: ثِنْتَينِ في ذاتِ اللهِ... )) [3252] أخرجه البخاري (3357) مختصراً، ومسلم (2371) واللفظ له .
2- حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِي اللهُ عنه في قصَّةِ مَقتَلِ خُبَيبٍ الأنصاريِّ رَضِي اللهُ عنه، وفيه قولُه:
(وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا             عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ فِي اللهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ               يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ) [3253] أخرجه البخاري (7402).
وقد أفرَدَ أبو القاسمِ الأصبَهانيُّ فَصلًا في الذَّاتِ، فقال: (فَصلٌ في بيانِ ذِكرِ الذَّاتِ)، ثمَّ قال: (قال قومٌ مِن أهلِ العِلمِ: ذاتُ اللهِ: حقيقتُه، وقال بعضُهم: انقطَعَ العِلمُ دونَها، وقيل: استغرَقتِ العقولُ والأوهامُ في معرفةِ ذاتِه، وقيل: ذاتُ اللهِ موصوفةٌ بالعلمِ، غيرُ مُدرَكَةٍ بالإحاطةِ، ولا مَرئيَّةٍ بالأبصارِ في دارِ الدُّنيا، وهو موجودٌ بحقائقِ الإيمانِ على الإيقانِ بلا إحاطةِ إدراكٍ، بل هو أعلَمُ بذاتِه، وهو موصوفٌ غيرُ مجهولٍ، وموجودٌ غيرُ مُدرَكٍ، ومَرئيٌّ غيرُ محاطٍ به؛ لقُربِه، كأنَّك تراه، يسمَعُ ويَرى، وهو العَليُّ الأعلى، وعلى العرشِ استَوى، تبارَك وتعالى، ظاهرٌ في مُلكِه وقُدرتِه، قد حَجَبَ عنِ الخَلْقِ كُنْهَ ذاتِه، ودلَّهم عليه بآياتِه؛ فالقلوبُ تعرِفُه، والعقولُ لا تُكيِّفُه، وهو بكلِّ شيءٍ محيطٌ، وعلى كلِّ شيءٍ قديرٌ) [3254] يُنظر: ((الحجة في بيان المحجة)) (1/185). .
وقال ابنُ تيميَّةَ: (اسمُ «اللهِ» إذا قيل: الحمدُ للهِ، أو قيل: بسمِ اللهِ، يتناوَلُ ذاتَه وصفاتِه، لا يتناوَلُ ذاتًا مجرَّدةً عنِ الصِّفاتِ، ولا صفاتٍ مجرَّدةً عنِ الذَّاتِ) [3255] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (6/206). .
وقال أيضًا: (ويُفرَّقُ بين دعائِه والإخبارِ عنه؛ فلا يُدعَى إلَّا بالأسماءِ الحُسنى، وأمَّا الإخبارُ عنه، فلا يكونُ باسمٍ سيِّئٍ، لكن قد يكونُ باسمٍ حسَنٍ، أو باسمٍ ليس بسيِّئٍ، وإن لم يُحكَمْ بحُسنِه، مِثلُ اسمِ: شيءٍ، وذاتٍ، وموجودٍ ...) [3256] يُنظر: ((المصدر السابق)) (6/142)، ويُنظر كلامَه عن الذَّاتِ في ((مجموع الفتاوى)) (5/330، 338). .
وقال الغُنَيمانُ: (بعضُ النَّاسِ يظُنُّ أنَّ إطلاقَ الذَّاتِ على اللهِ تعالى كإطلاقِ الصِّفاتِ، أي: إنَّه وصفٌ له، فيُنكِرُ ذلك بِناءً على هذا الظَّنِّ، ويقولُ: هذا ما ورَدَ. وليس الأمرُ كذلك، وإنَّما المرادُ التَّفرقةُ بينَ الصِّفةِ والموصوفِ، وقد تبيَّن مرادُ الَّذين يُطلِقونَ هذا اللَّفظَ؛ أنَّهم يُريدونَ نَفْسَ الموصوفِ وحقيقتَه، فلا إنكارَ عليهم في ذلك، كما وضَّحَه كلامُ شيخِ الإسلامِ وتلميذِه ابنِ القيِّمِ) [3257] يُنظر: ((شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري)) (1/245). .
الشَّخْصُ
يجوزُ إطلاقُ لفظِ (شَخْص) على اللهِ عزَّ وجلَّ، وقد وردَ هذا اللفظُ في صَحيحِ السُّنَّة، ومِنهم مَن عَدَّه صِفةً للهِ عزَّ وجلَّ.
الدَّليل:
حديثُ سَعدِ بن عُبادَةَ رَضِيَ الله عنه قال: لو رأيتُ رجلًا مع امرأتي؛ لضَربْتُه بالسَّيفِ غيرَ مُصْفِحٍ عنه، فبلَغ ذلك رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ((أَتعجبونَ من غَيْرَةِ سعدٍ؟! فواللهِ لَأَنَا أغيرُ منه، واللهُ أغيَرُ مني؛ مِن أجلِ غَيرةِ اللهِ حَرَّم الفواحشَ ما ظهَر منها وما بطَن، ولا شَخْصَ أغْيَرُ من اللهِ، ولا شَخصَ أحبُّ إليه العذْرُ من اللهِ؛ من أجْلِ ذلك بعَث اللهُ المرسَلين مُبشِّرينَ ومنذِرِين، ولا شَخصَ أحبُّ إليه الْمِدْحَةُ من اللهِ؛ مِن أجْلِ ذلك وَعَدَ اللهُ الجَنَّةَ )) [3258] أخرجه مسلم (1499). .
ورواه البخاريُّ بلفظ: ((لا أحدَ)) [3259] أخرجه البخاري (7416) مطولاً. ، لِكَنَّه قال: ((وقال عُبيدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو عنْ عبدِ الملكِ -أحَدُ رواةِ الحديثِ-: لا شخصَ أغْيَرُ من اللهِ)) [3260] أخرجه البخاري معلقاً بعد حديث (7416) .
وقال البخاريُّ: بابٌ: قَولُ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا شَخصَ أغيَرُ من اللهِ)) [3261] يُنظر: ((صحيح البخاري)) (9/151). .
وقال ابنُ أبي عاصمٍ: (بابٌ: ذِكرُ الكَلامِ والصَّوتِ والشَّخصِ، وغيرِ ذلك) [3262] يُنظر: ((كتاب السنة)) (1/225). .
وقال الغُنيمان: (قال «أي: البخاريُّ»: بابٌ: قَولُ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لا شَخصَ أغيرُ مِنَ اللهِ». الغَيْرَةُ: بفَتحِ الغينِ...، والشَّخصُ: هو ما شَخَصَ وبان عن غَيرِه، ومَقصَدُ البُخاريِّ أنَّ هذينِ الاسمينِ يُطلقَانِ على اللهِ تعالى وصفًا له؛ لأنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أثبتَهما للهِ، وهو أَعلمُ الخَلْقِ باللهِ تعالَى) [3263] يُنظر: ((شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري)) (1/335). .
وتعقيبًا على قَولِ عُبيدِ اللهِ القَواريريِّ: (ليس حديثٌ أشدَّ على الجهْمِيَّة مِن هذا الحديثِ «يعني: حديثَ مُسلمٍ»)؛ قال الغنيمان: (وبهذا يَتبيَّنُ خطأُ ابنِ بطَّالٍ في قَولِه: «أجمعَتِ الأمَّةُ على أنَّ اللهَ تعالى لا يجوزُ أنْ يُوصَف بأنَّه شَخصٌ؛ لأنَّ التوقيفَ لم يَرِدْ به» اهـ. ذكره الحافظُ. وهذه مجازَفَةٌ، ودعوى عاريةٌ من الدَّليلِ؛ فأين هذا الإجماعُ المزعومُ؟! ومَن قاله سوى المتأثِّرين ببِدَعِ أهلِ الكلامِ؛ كالخطَّابيِّ، وابنِ فَورك، وابنِ بَطَّال. عفا الله عنَّا وعنهم؟!
وقَولُه: «لأنَّ التَّوقيفَ لم يَرِدْ به»: يُبْطِلُه ما تقدَّم مِن ذِكر ثُبوتِ هذا اللَّفظِ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بطُرقٍ صحيحةٍ لا مَطْعَنَ فيها، وإذا صحَّ الحديثُ عن رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وَجَبَ العملُ به والقولُ بموجِبِه، سواءٌ كان في مسائلِ الاعتقادِ أو في العمليَّاتِ، وقد صحَّ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إطلاقُ هذا الاسمِ -أعني: الشَّخصَ- على اللهِ تعالى؛ فيجبُ اتِّباعُه في ذلك على مَن يؤمِنُ بأنَّه رسولُ اللهِ، وهو صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أعلَمُ بربِّه وبما يجبُ له وما يمتنعُ عليه تعالى مِن غيرِه من سائرِ البَشَرِ.
وتقدَّم أنَّ الشَّخصَ في اللُّغةِ: ما شخَصَ وارتَفَعَ وظهَر، قال في «اللِّسانِ»: «الشَّخصُ: كلُّ جسمٍ له ارتفاعٌ وظهورٌ»، واللهُ تعالى أظهَرُ من كلِّ شيءٍ وأعظَمُ وأكبرُ، وليس في إطلاقِ الشَّخصِ عليه محذورٌ على أصلِ أهلِ السُّنَّةِ الذين يَتقيَّدون بما قاله اللهُ ورسولُه) [3264] يُنظر: ((شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري)) (1/338). .
وقال البَرَّاك: (لفظُ الشَّخصِ يدلُّ على الظُّهورِ والارتفاعِ، والقيامِ بالنَّفْس، فلو لم يَرِدْ في الحديث لَمَا صحَّ نفيُه؛ لعدَمِ الموجِبِ لذلك، بل لو قيل: يصحُّ الإخبارُ به؛ لصحَّةِ معناه، لكان له وجهٌ؛ فكيف وقد ورد في الحديثِ، ونقله الأئمَّةُ ولم يَرَوْه مُشْكِلًا؟! فنقولُ: إِنَّ اللهَ شَخْصٌ لا كالأشخاصِ، كما نقولُ مِثلَ ذلك فيما وردَ من الأسماءِ والصِّفاتِ، واللهُ أعلمُ) [3265] يُنظر: ((تعليقات الشيخ البَرَّاك على المُخالفات العَقَديَّة في فتح الباري)) (13/401). .
شَيءٌ
يصحُّ إطلاقُ لفظةِ (شيءٍ) على اللهِ عزَّ وجلَّ أو على صِفَةٍ من صِفاتِه -مِن بابِ الإخبارِ-، لكنْ لا يُقالُ: (الشَّيءُ) اسمٌ مِن أسْمائِه تعالى.
الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
1- قولُه تعالى: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ [الأنعام: 19] .
2- قَولُه: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص: 88] . والوَجهُ صفةٌ ذاتيَّةٌ لله تعالى.
3- قَولُه: أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ [الأنعام: 93] ، والْقُرْآن كلامُ الله، وهو صفةٌ مِن صِفاته، والقولُ في الصِّفة كالقَولِ في الذَّاتِ.
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّةِ:
حديثُ سَهْلِ بنِ سَعدٍ رضِيَ اللهُ عنه قال: قال النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لرجُلٍ: ((أمَعَك مِن الْقُرْآن شيْءٌ؟ قال: نعم. سورةُ كذا وسورةُ كذا؛ لسُوَرٍ سمَّاها )) [3266] أخرجه البخاري (7417). .
قال البخاريُّ في صحيحِه (كتاب التوحيد): (باب: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ، فسمَّى اللهُ تعالى نفْسَه شيئًا، وسَمَّى النبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الْقُرْآنَ شيئًا، وهو صِفةٌ من صفاتِ اللهِ، وقال: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ).
قال الكنانيُّ: (إنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ أجرى على كلامِه ما أجراه على نَفْسِه؛ إذ كان كلامُه من صفاتِه، فلم يتسَمَّ بالشَّيءِ، ولم يجعَلِ الشَّيءَ اسمًا مِن أسمائِه، ولكِنَّه دَلَّ على نَفْسِه أنَّه شَيءٌ وأكبَرُ الأشياءِ؛ إثباتًا للوُجودِ، ونَفيًا للعَدَمِ، وتكذيبًا منه للزَّنادقةِ والدَّهْريَّةِ، ومن تقَدَّمَهم مِمَّن جحَدَ مَعرِفتَه، وأنكَرَ رُبوبيَّتَه مِن سائِرِ الأُمَمِ، فقال عزَّ وجَلَّ لنبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، فدَلَّ على نَفْسِه أنَّه شَيءٌ ليس كالأشياءِ، وأنزَلَ في ذلك خبَرًا خاصًّا مُفرَدًا؛ لعِلْمِه السَّابِقِ أنَّ جَهمًا وبِشْرًا ومَن قال بقَولِهما سيُلحِدونَ في أسمائِه ويُشَبِّهونَ على خَلْقِه، ويُدخِلونَه وكلامَه في الأسماءِ المخلوقةِ؛ قال عزَّ وجَلَّ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصْيِرُ، فأخرَجَ نَفْسَه وكلامَه وصِفاتِه مِن الأشياءِ المخلوقةِ بهذا الخَبَرِ؛ تكذيبًا لمن ألحَدَ في كتابِه، وافترى عليه، وشَبَّهه بخَلْقِه، قال عزَّ وجَلَّ: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف: 180] ، ثمَّ عَدَّد أسماءَه في كتابِه ولم يتسَمَّ بالشَّيءِ ولم يجعَلْه اسمًا مِن أسمائِه، ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ للهِ تعالى تِسعةً وتِسعينَ اسمًا مَن أحصاها دَخَل الجنَّةَ ))، ثمَّ عَدَّها فلم نجِدْه جعَلَ الشَّيءَ اسمًا للهِ عَزَّ وجَلَّ) [3267] يُنظر: ((الحيدة والاعتذار في الرد على من قال بخلق القرآن)) (ص: 35). .
وقال أبو الحَسَنِ الأشعَريُّ: (اختَلَف المتكَلِّمونَ هل يُسَمَّى البارئُ شيئًا أم لا؟ على مقالتَينِ:
فقال جَهمٌ وبَعضُ الزَّيديَّةِ: إنَّ البارئَ لا يقالُ: إنَّه شيءٌ؛ لأنَّ الشَّيءَ هو المخلوقُ الذي له مِثلٌ.
وقال المسلِمون كُلُّهم: إنَّ البارئَ شَيءٌ لا كالأشياءِ) [3268] يُنظر: ((مقالات الإسلاميين)) (1/ 146). .
وقال السَّمعاني: (استدَلُّوا بهذا على أنَّ اللهَ شَيءٌ قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ أي: يَشهَدُ لي بالحقِّ، وعليكم بالباطِلِ) [3269] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (2/93). .
وقال الشِّنقيطيُّ: («الشَّيءُ» عند أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ يُطلَقُ على الموجودِ، ولا يُطلَقُ على المعدومِ، فكُلُّ موجودٍ يُطلَقُ عليه اسمُ «الشَّيءِ» عند أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، ولا يُطلَقُ «الشَّيءُ» على المعدومِ. وجاز إطلاقُه على اللهِ، كما قال تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص: 88] ، وقال: قُلْ أَيُّ شَيءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ [الأنعام: 19] [3270] يُنظر: ((العذب النمير)) (4/202). .
وقال ابنُ عُثَيمين: (يَصِحُّ أنَّ يُخبَرَ عنه بالشَّيءِ والموجودِ وما أَشْبَهَه، وعلى هذا فيُقالُ: إِنَّ اللهَ شيءٌ، لَكِنَّه كامِلٌ، ولا نقولُ: شيءٌ على سبيل الإطلاقِ فقط، يعني: ليس مُطلَقَ شَيءٍ، بل هو شيءٌ كامِلٌ سُبحانَه وتعالى بأسْمائِهِ وصِفاتِه، واستدلَّ البخاريُّ رحمه اللهُ على جوازِ تسميةِ اللهِ بالشَّيءِ، أي: جوازِ الإخبارِ عنِ اللهِ بالشَّيءِ بأدلَّةٍ) [3271] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) (8/414). .
وقال الغُنيمان: (يُريد بهذا أنَّه يُطلَقُ على اللهِ تعالى أنَّه شيءٌ، وكذلك صِفاتُه، وليس معنى ذلك أنَّ الشَّيء مِن أسماءِ اللهِ الحُسْنى، ولكن يُخبَرُ عنه تعالى بأنَّه شيءٌ، وكذا يُخبَر عن صفاتِه بأنَّها شيءٌ؛ لأنَّ كلَّ موجودٍ يصحُّ أنْ يُقال: إنَّه شيءٌ) [3272] يُنظر: ((شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري)) (1/343). .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (ويُفرَّقُ بين دُعائِه والإخبارِ عنه؛ فلا يُدعَى إلَّا بالأسماءِ الحُسنى، وأمَّا الإخبارُ عنه فلا يكونُ باسمٍ سيِّئٍ، لكِنْ قد يكونُ باسمٍ حَسَنٍ، أو باسمٍ ليس بسيِّئٍ، وإنْ لم يُحكَم بِحُسْنِه؛ مِثلُ اسمِ: شَيءٍ، وذاتٍ، وموجودٍ…) [3273] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (6/142) (9/300). .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (... ما يُطلَقُ عليه في بابِ الأسماءِ والصِّفاتِ تَوقيفيٌّ، وما يُطلَقُ عليه من الأخبارِ لا يَجبُ أنْ يكونَ توقيفيًّا؛ كالقديمِ، والشَّيءِ، والمَوجودِ ...) [3274] يُنظر: ((بدائع الفوائد)) (1/285). .
الصِّفَةُ
يجوزُ إطلاقُ هذه اللَّفظةِ وإضافتُها إلى الله تعالى، فتَقولُ: صِفةُ اللهِ، وصِفةُ الرَّحمنِ، ومِن صفاتِه وأوصافِه: كذا... ونحوُ ذلك، وهذا ثابتٌ بمفهومِ القُرآنِ ومنطوقِ السُّنَّةِ.
الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
قَولُه تعالى: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ [الصافات: 180] .
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّةِ:
حديثُ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَعَث رجُلًا على سَرِيَّةٍ، وكان يقرأُ لأصحابِه في صلاتِه، فيختِمُ بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فلمَّا رَجَعوا ذكَروا ذلك للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ((سَلُوه: لأيِّ شيءٍ يَصنعُ ذلك؟ فسألوه، فقال: لأنَّها صفةُ الرَّحمنِ، وأنا أُحِبُّ أنَّ أقرأ بها، فقال النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أخْبِرُوه أنَّ الله يُحِبُّه )) [3275] أخرجه البخاري (7375) واللفظ له، ومسلم (813). .
وقد بوَّب البخاريُّ في كتابِ التوحيدِ من (صحيحه): (بابٌ: قَولُ اللهِ تعالى: وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ، ومَن حَلَف بعِزَّةِ اللهِ وصِفاتِه).
وقال: (بابٌ: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ؛ فسمَّى اللهُ تعالى نفْسَه شيئًا، وسَمَّى النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم القُرْآنَ شيئًا، وهو صِفةٌ من صِفاتِه).
ومَن طالَع كتُبَ السَّلفِ رَحِمَهم اللهُ؛ كـ (كتاب التَّوحيد) لابن خُزَيْمَةَ، و(كتاب التوحيد) لابنِ مَنْدَه، و(نقض الدارمي على المِرِّيسيِّ)، وغيرها؛ وجَد أنَّهم يَستَخدِمونَ ذلك كثيرًا.
وبَوَّبَ ابنُ المُحِبِّ الصَّامِت في كتابِه (صِفات رَبِّ العالَمينَ) [3276] يُنظر: (1/353). : بابَ (صِفةُ الرَّحمنِ).
وأَنكرَ ابنُ حزمٍ إطلاقَ الصِّفةِ، وردَّ عليه ابنُ حَجرٍ؛ فقال: (وفي حديثِ البابِ حُجَّةٌ لِمَن أثبتَ أنَّ للهِ صِفةً، وهو قولُ الجُمهورِ، وشذَّ ابنُ حزمٍ فقال: هذه لفظةٌ اصطلح عليها أهلُ الكلامِ من المعتزلةِ ومَن تبِعَهم، ولم تَثْبُتْ عنِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا عن أحدٍ من أصحابِه، فإنِ اعترضوا بحديثِ البابِ، فهو مِن أفرادِ سعيدِ بن أبي هلالٍ، وفيه ضَعْفٌ. قال: وعلى تقديرِ صِحَّتِه؛ فـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: 1] صِفةُ الرَّحمنِ، كما جاءَ في هذا الحديثِ، ولا يُزَادُ عليه، بخِلافِ الصِّفةِ التي يُطلِقونَها؛ فإنَّها في لُغةِ العرَبِ لا تُطلَقُ إِلَّا على جَوهرٍ أو عَرَضٍ. كذا قال! وسعيدٌ متَّفَقٌ على الاحتجاجِ به؛ فلا يُلْتَفَتُ إليه في تضعيفِه، وكلامُه الأخيرُ مردودٌ باتِّفاقِ الجميعِ على إثباتِ الأسماءِ الحُسنى؛ قال اللهُ تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا. وقال بعد أنْ ذكَرَ منها عِدَّةَ أسماءٍ في آخِرِ سورةِ الحَشرِ: لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، والأسماءُ المذكورةُ فيها بلُغةِ العربِ صِفاتٌ، ففي إثباتِ أسْمائِه إثباتُ صفاتِه؛ لأنَّه إذا ثبت أنَّه حيٌّ مثلًا، فقد وُصِفَ بصفةٍ زائدةٍ على الذَّاتِ، وهي صفةُ الحياةِ، ولولا ذلك لوجَب الاقتصارُ على ما يُنْبِئُ عن وجودِ الذَّاتِ فقط، وقد قال سُبحانَه وتعالى: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، فنَزَّه نفْسَه عمَّا يَصِفونَه به مِن صِفةِ النَّقصِ، ومفهومُه أنَّ وصْفَه بصفةِ الكمالِ مَشروعٌ) [3277] يُنظر: ((فتح الباري)) (13/356). .
وقال الغُنيمان -بعد إيرادِه جملةً من آياتِ وأحاديثِ الصِّفاتِ، منها حديثُ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها- قال: (وقال اللهُ تعالى: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وهذا من إضافةِ الموصوفِ إلى صِفتِه؛ فثبَت بهذه النُّصوصِ-وغيرُها كثيرٌ- أنَّ للهِ صفاتٍ، وأنَّ كلَّ اسمٍ تَسمَّى اللهُ به يدلُّ على الصِّفةِ) [3278] يُنظر: ((شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري)) (1/63). .
الْقِدَمُ
يُخْبَرُ عنِ اللهِ عزَّ وجلَّ بأنَّه قديمٌ، و(القديمُ) ليس صفةً ولا اسمًا له تعالى.
في الحديثِ: ((أعوذُ باللهِ العظيمِ، وبِوَجهِه الكريمِ، وسُلطانِه القَديمِ؛ من الشَّيطانِ الرَّجيمِ )) [3279] أخرجه أبو داود (466)، والبيهقي في ((الدعوات الكبير)) (68) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رضِي اللهُ عنهما. صَحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (466)، وحَسَّنه النووي في ((الأذكار)) (46)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (814)، وقال ابن حجر في ((نتائج الأفكار)) (1/277): حسن غريب. .
وفيه وصْفُ سُلطانِ اللهِ عزَّ وجلَّ بالقِدَمِ.
قال ابنُ القَيِّمِ: (... ما يُطلَقُ عليه في بابِ الأسماءِ والصِّفاتِ توقيفيٌّ، وما يُطلَقُ عليه من الأخبارِ لا يجبُ أنْ يكونَ توقيفيًّا؛ كالقديمِ، والشَّيءِ، والموجودِ، والقائِمِ بنَفْسِه) [3280] يُنظر: ((بدائع الفوائد)) (1/285). .  
ويُوصفُ عِلْمُ اللهِ بالقِدَمِ؛ قال ابنُ تَيميَّةَ: (والإيمانُ بالقَدَرِ على دَرجتَينِ، كلُّ درجةٍ تتضمَّنُ شيئينِ؛ فالدرجةُ الأُولى: الإيمانُ بأنَّ اللهَ عليمٌ بالخَلقِ، وهم عامِلون بعِلمِه القديمِ، الذي هو موصوفٌ به أزلًا وأبدًا...) [3281] يُنظر: ((العقيدة الواسطية)) (ص: 105). .
وقال أيضًا: (النَّاسُ متنازِعون: هل يُسمَّى اللهُ بما صحَّ معناه في اللُّغةِ والعَقلِ والشَّرعِ، وإنْ لم يَرِدْ بإطلاقِه نصٌّ ولا إجماعٌ، أم لا يُطلَقُ إلَّا ما أَطْلَقَ نصٌّ أو إجماعٌ؟ على قولينِ مشهورينِ، وعامَّةُ النُّظَّارِ يُطلِقونَ ما لا نصَّ في إطلاقِه ولا إجماعَ؛ كلَفظِ «القديمِ» و«الذَّاتِ»، ونحوِ ذلك، ومِن الناسِ مَن يُفصِّلُ بين الأسماءِ التي يُدعَى بها، وبين ما يُخبَرُ به عند الحاجةِ؛ فهو سُبحانَه إنَّما يُدْعَى بالأسماءِ الحُسنى، كما قال: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، وأمَّا إذا احتِيجَ إلى الإخبارِ عنه، مِثلُ أن يُقالَ: ليس هو بقديمٍ، ولا موجودٍ، ولا ذاتٍ قائمةٍ بنَفْسِها، ونحوُ ذلك، فقيلَ في تحقيقِ الإثباتِ: بلْ هو سُبحانَه قديمٌ، موجودٌ، وهو ذاتٌ قائمةٌ بنَفْسِها، وقيل: ليس بشَيءٍ، فقيل: بل هو شَيءٌ؛ فهذا سائغٌ...) [3282] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (9/300). .
وقال البيهقيُّ: (القديمُ هو الموجودُ لم يَزَلْ، وهذه صفةٌ يَستحقُّها بذاتِه) [3283] يُنظر: ((الاعتقاد)) (ص: 67). .
وقال ابنُ أبي العِزِّ: (أدخَلَ المتكَلِّمون في أسماءِ اللهِ تعالى القديمَ، وليس هو من الأسماءِ الحُسنى؛ فإنَّ القديمَ في لُغةِ العَرَبِ التي نَزَل بها القرآنُ: هو المتقَدِّمُ على غيرِه، فيقالُ: هذا قديمٌ: للعتيقِ، وهذا حديثٌ: للجديدِ، ولم يَستَعمِلوا هذا الاسمَ إلَّا في المتقَدِّمِ على غيرِه، لا فيما لم يَسبِقْه عَدَمٌ، كما قال تعالى: حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ [يس: 39] ، والعُرجونُ القَديمُ: الذي يبقى إلى حينِ وُجودِ العُرجونِ الثَّاني، فإذا وُجِد الجديدُ قيل للأوَّلِ: قديمٌ، وقال تعالى: وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ [الأحقاف: 11] ، أي: متقَدِّمٌ في الزَّمانِ، وقال تعالى: أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ [الشعراء: 75، 76]، فالأقدَمُ مُبالغةٌ في القديمِ، ومنه: القَولُ القديمُ والجديدُ للشَّافعيِّ رحمه اللهُ تعالى. وقال تعالى: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ [هود: 98]، أي: يتقَدَّمُهم. ويُستَعمَلُ منه الفِعلُ لازِمًا ومتعَدِّيًا، كما يقالُ: أخذني ما قَدُمَ وما حَدُث، ويُقالُ: هذا قَدُمَ هذا، وهو يَقدُمُه، ومنه سُمِّيَت القَدَمُ قَدَمًا؛ لأنَّها تَقدُمُ بقيَّةَ بَدَنِ الإنسانِ، وأمَّا إدخالُ القديمِ في أسماءِ اللهِ تعالى، فهو مشهورٌ عند أكثَرِ أهلِ الكلامِ، وقد أنكَرَ ذلك كثيرٌ مِن السَّلَفِ والخَلَفِ، منهم ابنُ حَزمٍ.
ولا رَيبَ أنَّه إذا كان مُستعمَلًا في نَفْسِ التقَدُّمِ، فإنَّ ما تقَدَّمَ على الحوادثِ كُلِّها فهو أحَقُّ بالتقَدُّمِ مِن غيِره، لكِنَّ أسماءَ اللهِ تعالى هي الأسماءُ الحُسنى التي تدُلُّ على خُصوصِ ما يُمدَحُ به، والتقَدُّمُ في اللُّغةِ مُطلَقٌ لا يختَصُّ بالتقَدُّمِ على الحوادِثِ كُلِّها، فلا يكونُ مِن الأسماءِ الحُسنى. وجاء الشَّرعُ باسمِه: الأوَّلِ، وهو أحسَنُ من: القديمِ؛ لأنَّه يُشعِرُ بأنَّ ما بَعْدَه آيِلٌ إليه وتابِعٌ له، بخلافِ القديمِ. واللهُ تعالى له الأسماءُ الحُسنى لا الحَسَنةُ) [3284] يُنظر: ((شرح الطحاوية)) (1/77). .
وقد عَدَّه السَّفارينيُّ صِفةً للهِ تعالى، بل اسمًا له، وعلَّقَ عليه عبدُ الله أبابُطَين بقَولِه: (لا يصحُّ إطلاقُ القديمِ على اللهِ باعتبارِ أنَّه من أسمائِه، وإنْ كان يصحُّ الإخبارُ به عنه، كما قُلْنا: إنَّ بابَ الإخبارِ أوسعُ من بابِ الإنشاءِ، واللهُ أعلَمُ) [3285] يُنظر: ((لوامع الأنوار)) (1/38). .
قال ابنُ عُثَيمين: (أسماءُ اللهِ تعالى كُلُّها حُسْنى لا تحتَمِلُ النَّقصَ بأيِّ وَجهٍ، فتبَيَّنَ بذلك أنَّ تَسميةَ اللهِ بالقَديمِ لا تجوزُ بدَليلٍ عَقليٍّ وبدليلٍ سَمعٍّي؛ الدَّليلُ السَّمعيُّ: قَولُ اللهِ تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف: 33] ، وقَولُه تعالى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء: 36] ، أمَّا الدَّليلُ العَقليُّ: فهو أنَّ القديمَ ليس من الأسماءِ الحُسنى؛ لأنَّه يتضَمَّنُ نَقصًا، حيث إنَّ القَديمَ قد يرادُ به الشَّيءُ الحادِثُ، ومعلومٌ أنَّ الحُدوثَ نَقصٌ) [3286] يُنظر: ((شرح العقيدة السفارينية)) (ص:35). .
المَوْجُودُ
يُخْبَرُ عن اللهِ عزَّ وجلَّ بأنَّه موجودٌ، وليس (الموجودُ) مِن أسمائِه تعالى.
قال ابنُ تَيميَّةَ: (يُفرَّقُ بين دُعائِه والإخبارِ عنه؛ فلا يُدْعَى إلَّا بالأسماءِ الحُسنى، وأمَّا الإخبارُ عنه فلا يكونُ باسمٍ سيِّئٍ، لكن قد يكونُ باسمٍ حسَنٍ، أو باسمٍ ليسَ بسَيِّئٍ، وإنْ لم يُحكَمْ بحُسْنِه، مِثل: شَيْءٍ، وذاتٍ، ومَوجُودٍ) [3287] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (6/142). ويُنظر: كلامَه في (القِدَم) في ((مجموع الفتاوى)) (9/300). .
وقال في مَعرِضِ ردِّه على المتكلِّمينَ: (فصارَ أهلُ السُّنَّةِ يَصِفونَه بالوجودِ وكمالِ الوجودِ، وأولئك يَصِفونَه بعدمِ كمالِ الوجودِ، أو بعدمِ الوجودِ بالكليَّةِ، فهُم ممثِّلَةٌ مُعطِّلةٌ؛ ممثِّلةٌ في العَقلِ والشَّرعِ، مُعطِّلةٌ في العَقلِ والشَّرعِ) [3288] يُنظر: ((دقائق التفسير)) (5/110). .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (... ما يُطلَقُ عليه في بابِ الأسماءِ والصِّفاتِ توقيفيٌّ، وما يُطلَقُ عليه من الأخبارِ لا يجبُ أنْ يكونَ توقيفيًّا؛ كالقديمِ، والشَّيءِ، والموجُودِ...) [3289] يُنظر: ((بدائع الفوائد)) (1/285). .
وسُئِلتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ للبحوثِ العِلميَّة والإفتاءِ بالسُّعوديَّة السُّؤالَ التاليَ:
لم أجِدْ في أسماءِ اللهِ وصِفاتِه اسمَ (الموجود)، وإنَّما وجدتُ اسمَ (الواجِد)، وعلمتُ في اللُّغةِ أنَّ (الموجود) على وَزْنِ مفعول، ولا بدَّ أنْ يكونَ لكلِّ موجودٍ مُوجِدٌ، كما أنَّ لكلِّ مفعولٍ فاعلًا، ومُحالٌ أن يُوجَدَ للهِ مُوجِدٌ، ورأيتُ أنَّ (الواجِد) يُشبِهُ اسمَ الخالِق، و(الموجود) يُشبِهُ اسمَ المخلوق، وكما أنَّ لكلِّ موجودٍ موجِدًا؛ فلكلِّ مخلوقٍ خالقٌ؛ فهل لي بعدَ ذلك أنْ أصِفَ اللهَ بأنَّه موجودٌ؟
فأجابت: (وُجودُ اللهِ معلومٌ من الدِّينِ بالضَّرورةِ، وهو صفةٌ للهِ بإجماعِ المسلمينَ، بلْ صِفةٌ للهِ عند جميعِ العُقلاءِ، حتى المشرِكين، لا يُنازِعُ في ذلِك إلَّا مُلْحِدٌ دهريٌّ، ولا يلزمُ مِن إثباتِ الوجودِ صِفةً للهِ أن يكونَ له مُوجِدٌ؛ لأنَّ الوجودَ نوعانِ:
الأوَّلُ: وجودٌ ذاتيٌّ، وهو ما كان وجودُه ثابتًا له في نفْسِه، لا مكسوبًا له مِن غيرِه، وهذا هو وجودُ اللهِ سبحانَه وصفاتِه؛ فإنَّ وجودَه لم يَسبِقْه عدمٌ، ولا يَلحَقُه عدمٌ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد: 3] .
الثَّاني: وجودٌ حادِثٌ، وهو ما كانَ حادِثًا بعدَ عَدمٍ، فهذا الذي لا بُدَّ له مِن مُوجِدٍ يُوجِدُه، وخالِقٍ يُحْدِثُه، وهو اللهُ سُبحانَه؛ قال تعالى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الزمر: 62- 63] ، وقال تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ [الطور: 35- 36].
وعلى هذا يُوصَفُ اللهُ تعالى بأنَّه موجودٌ، ويُخبَرُ عنه بذلك في الكلامِ، فيُقالُ: اللهُ موجودٌ، وليس الوجودُ اسْمًا، بل صِفةٌ) [3290] يُنظر: ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة - المجموعة الأولى)) (3/190). .  وقولُ السَّائِلِ: إنَّه وَجَد (الواجدَ) من أسماءِ اللهِ تعالى، قدْ يعني به حديثَ أبي ذَرٍّ الغِفاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه: (ذلِك بأنِّي جَوَادٌ وَاجِدٌ ماجِدٌ)، وإسنادُه ضعيفٌ [3291] أخرجه الترمذي (2495)، وابن ماجه (4257)، وأحمد (21405) مطولاً .
النَّعْتُ
يصحُّ إطلاقُ هذه اللَّفظةِ وإضافتُها إلى اللهِ تعالى، فتَقولُ: نَعْتُ اللهِ، أو نُعوتُ اللهِ، ونحوُ ذلك؛ لأنَّ النعتَ في اللُّغةِ بمعنى الصِّفةِ، على الرَّاجِحِ.
قال ابنُ فارسٍ: (النَّعتُ: وصْفُك الشَّيءَ بما فيه مِن حُسْنٍ، كذا قاله الخليلُ) [3292] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) (5/448). .
وقال ابنُ منظورٍ: (النَّعتُ: وصْفُكَ الشَّيءَ تَنعتُه بما فيه، وتُبالِغُ في وصْفِه) [3293] يُنظر: ((لسان العرب)) (6/4470). .
وقال المناوي: (الصِّفةُ لُغةً: النَّعتُ) [3294] يُنظر: ((التوقيف على مهمات التعاريف)) (ص: 217). .
وقال أبو هِلالٍ العسكريُّ: (الفرقُ بَينَ «الصِّفةِ» و«النَّعتِ»:... النَّعتُ هو ما يَظهَرُ من الصِّفاتِ ويَشتَهِر،... لأنَّ «النَّعت» يُفيدُ مِن المعاني التي ذَكَرْناها ما لا تُفيدُه «الصِّفُة»، ثمَّ قدْ تتداخَلُ «الصِّفةُ» و«النَّعتُ»، فيَقَعُ كلُّ واحدٍ منهما موضعَ الآخَرِ؛ لتقارُبِ مَعنَيْيهما، ويجوزُ أنْ يُقال: «الصِّفةُ» لُغةٌ، و«النَّعْت» لُغةٌ أُخرى، ولا فرْقَ بينهما في المعنى) [3295] يُنظر: ((الفروق)) (ص: 30). .
قال البُخاريُّ في صحيحِه: (بابٌ: ما يُذكَرُ في الذَّاتِ والنُّعوتِ والأسامي) [3296] يُنظر: ((كتاب التوحيد من صحيح البخاري)). .
وعلَّق ابنُ عُثَيمين فقال: (أمَّا النُّعوتُ: فهي الأوصافُ، فأوصافُ اللهِ تُسمَّى نُعوتًا، كما تُسمَّى أوصافًا، فتقولُ -مثلًا-: نَعَتَ اللهُ نفْسَه بكذا وكذا، أي: وَصَفَ) [3297] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) (8/366).  .
وقد كَثُر في أقوالِ العُلَماءِ إضافةُ النَّعتِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، ومن ذلك:
1- قولُ ابنِ جَريرٍ في تفسيرِ قولِه تعالى: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الأنعام: 14] : (يقولُ اللهُ: أَشيئًا غَيرَ فاطرِ السَّمواتِ والْأَرضِ أتَّخِذُ وليًّا؟ فـ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ مِن نَعْتِ اللهِ وصِفتِه؛ ولذلك خُفِضَ) [3298] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/175). .
2- قولُ ابنِ تَيميَّةَ: (مِن أَعظمِ الأصولِ معرفةُ الإنسانِ بِمَا نَعَتَ اللهُ بِه نفْسَه من الصِّفاتِ...) [3299] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (16/372). .
وقولُه: (إذا قِيل: الرَّحمنُ، الرَّحيمُ، الملِكُ، القُدُّوس، السَّلَامُ؛ فهي كُلُّها أسماءٌ لمسمًّى واحدٍ سبحانَه وتعالى، وإنْ كان كُلُّ اسمٍ يدلُّ على نَعْتٍ للهِ تعالى لا يَدلُّ عليه الاسمُ الآخَرُ) [3300] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (5/160). .
وقولُه واصفًا أهلَ الإيمانِ: (تَضمَّنَ إيمانُهم باللهِ إيمانَهم برُبوبيَّته وصِفاتِ كمالِه ونُعوتِ جلالِه وأسمائِه الحُسنى، وعُمومِ قُدرتِه ومَشيئتِه وكمالِ عِلمِه وحِكمتِه؛ فبايَنوا بذلك جميعَ طوائفِ أهلِ البِدعِ، والمُنكرِين لذلك أو لشيءٍ منه) [3301] يُنظر: ((المصدر السابق)) (14/135). .
3- قولُ ابنِ القَيِّم: (أسماؤُه كلُّها أسماءُ مَدحٍ وحمدٍ وثناءٍ وتمجيدٍ؛ ولذلك كانتْ حُسنى، وصِفاتُه كلُّها صفاتُ كمالٍ، ونُعوتُه كلُّها نعوتُ جلالٍ، وأفعالُه كلُّها حِكمةٌ ورحمةٌ، ومصلحةٌ وعَدْلٌ) [3302] يُنظر: ((مدارج السالكين)) (1/144). .
وقَولُه: (التوحيدُ الحقُّ هو ما نَعَتَ اللهُ به نفْسَه على ألْسِنةِ رُسلِه؛ فهم لم يَنعَتُوه مِن تلقاءِ أَنفُسِهم، وإنَّما نَعَتوه بما أذِنَ لهم في نَعْتِه به) [3303] يُنظر: ((المصدر السابق)) (3/521). .
وقَولُه: (التَّحقيقُ: أنَّ صفاتِ الربِّ جلَّ جلالُه داخلةٌ في مُسمَّى اسمِه، فليس اسمُه: اللهُ، والرَّبُّ، والإلهُ، أسماءً لذاتٍ مجرَّدةٍ لا صِفةَ لها البتَّةَ؛ فإنَّ هذه الذاتَ المجرَّدةَ وجودُها مستحيلٌ، وإنَّما يَفرِضُها الذِّهنُ فَرْضَ الممتنِعاتِ، ثمَّ يَحكُمُ عليها، واسمُ «الله» سُبحانَه، و«الرَّبُّ» و«الْإِله» اسمٌ لذاتٍ لها جميعُ صِفاتِ الكمالِ، ونُعوتِ الجلالِ، كالعِلمِ، والقُدرةِ، والحياةِ والإرادةِ، والكلامِ، والسَّمعِ والبصرِ، والبَقاءِ والقِدَمِ، وسائرِ الكمالِ الذي يستحِقُّه اللهُ لذاتِه؛ فصِفاتُه داخِلةٌ في مسمَّى اسمِه، فتجريدُ الصِّفاتِ عن الذَّاتِ، والذَّاتِ عن الصِّفاتِ: فرضٌ وخيالٌ ذِهنِيٌّ لا حقيقةَ له، وهو أمرٌ اعتباريٌّ لا فائدةَ فيه، ولا يَترتَّبُ عليه معرفةٌ ولا إيمانٌ، ولا هو عِلمٌ في نفْسِه... فليس اللهُ اسمًا لذاتٍ لا نَعتَ لها ولا صِفةَ ولا فِعلَ ولا وجهَ ولا يَدينِ؛ ذلك إلهٌ معدومٌ مفروضٌ في الأذهانِ، لا وجودَ له في الأعيانِ) [3304] يُنظر: ((مدارج السالكين)) (3/337). .
وقولُه: (... فهذا الموصوفُ بهذه الصِّفاتِ والنُّعوتِ والأفعالِ، والعلوِّ والعَظَمةِ، والحِفظِ والعِزَّةِ والحِكمةِ والمُلكِ، والحَمدِ والمغفرةِ والرَّحمةِ، والكلامِ والمشيئةِ والولايةِ، وإحياءِ الموتَى، والقُدرةِ التامَّةِ الشَّامِلةِ، والحُكمِ بين عِبادِه، وكونِه فاطرَ السَّمَواتِ والأرضِ، وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصْيِرُ؛ فهذا هو الذي ليس كمِثلِه شَيءٌ؛ لكثرةِ نُعوتِه وأوصافِه وأسمائِه وأفعالِه، وثُبوتِها له على وَجهِ الكَمالِ الذي لا يُماثِلُه فيه شيءٌ) [3305] يُنظر: ((الصواعق المرسلة)) (3/1029). .
4- قولُ الذهبيِّ: (فإنَّنا على أَصلٍ صحيحٍ، وعَقدٍ مَتينٍ، من أنَّ اللهَ تقدَّسَ اسمُه لا مِثلَ له، وأنَّ إيمانَنا بما ثبَت من نُعوتِه كإيمانِنا بذاتِه المقدَّسَةِ؛ إذِ الصِّفاتُ تابعةٌ للموصوفِ، فنَعقِلُ وجودَ الباري، ونُمَيِّزُ ذاتَه المقدَّسةَ عن الأشباهِ من غيرِ أنْ نتعقَّلَ الماهيَّةَ، فكذلك القولُ في صِفاتِه؛ نُؤمِن بها ونَعقِل وُجودَها ونَعلَمُها في الجُملةِ، من غيرِ أنْ نَتعقَّلها أو نُشبِّهَها أو نُكيِّفَها أو نُمثِّلَها بصِفاتِ خَلْقِه، تعالى اللهُ عن ذلِك عُلُوًّا كبيرًا) [3306] يُنظر: ((العلوُّ للعليِّ الغفَّار)) (ص: 13). .
وغيرُهم كثيرٌ، وللإمامِ النَّسائيِّ صاحِبِ السُّنَنِ كِتابُ "النُّعوت الأسماء والصِّفات"، لكِنَّ الْأَوْلى أنْ نقولَ: (صِفةُ اللهِ) و(صِفةُ الرَّحمنِ) أو (صِفاتُ اللهِ) بدَل (نَعْتِ اللهِ) أو (نُعوتِ اللهِ)؛ لوُرودِ الحديثِ الصَّحيحِ بذلك.
انظُرْ: (الصِّفة).

انظر أيضا: