الموسوعة العقدية

المَبحَثُ الأوَّلُ: من قواعِدِ الاستدلالِ على مَسائِلِ الاعتقادِ عند أهل السُّنَّةِ والجَماعةِ: تلقِّي مَسائِلِ العَقيدةِ مِن الكِتاب والسُّنَّة

العَقيدةُ توقيفيَّةٌ؛ فلا تثبُتُ إلَّا بدليلٍ من القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة، ولا مَسرحَ فيها للرَّأيِ والاجتهادِ؛ ومن ثَمَّ فإنَّ مَصادِرها مقصورةٌ على ما جاء في الكِتابِ والسُّنَّةِ؛ لأنَّه لا أحَدَ أعلمُ باللهِ وما يجِبُ له وما ينزَّه عنه، مِنَ اللهِ، ولا أحدَ مِنَ النَّاسِ أعلمُ بالله مِن رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ ولهذا كان منهجُ السَّلَفِ الصَّالحِ ومن تَبِعَهم في تلقِّي العَقيدةِ مقصورًا على الوحيَينِ، فلم يحصُلْ بينهم اختلافٌ في الاعتقادِ، ولا تذبذُبٌ ولا اضطِرابٌ في الأفكارِ والعقائدِ والتصوُّراتِ، فكُلُّ ما يلزم النَّاسَ اعتقادُه أو العملُ به، قد بيَّنه اللهُ تعالى بالوَحيِ الصَّادقِ عن طريقِ القرآنِ والسُّنَّة، أو ما يرجِعُ إليهما من إجماعٍ صحيحٍ، أو عقلٍ صريحٍ دَلَّ عليه الوحيُ وأرشد إليه [80] يُنظر: ((شرح الطحاوية)) لابن أبي العز (1/15)، ))عقيدة التوحيد وبيان ما يضادها(( لصالح الفوزان (ص: 8)، ((علم العقيدة عند أهل السنة والجماعة)) لمحمد يسري (ص: 343). .
قال الله تعالى: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل: 89] .
وقال سُبحانَه: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء: 9] .
وقيل لسلمانَ الفارسيِّ رَضِيَ اللهُ عنه: قد علَّمكم نبيُّكم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كُلَّ شيءٍ حتى الخِراءةَ! فقال: (أجَلْ ...) [81] أخرجه مسلم (262). ، فمِن بابِ أَوْلى أن يكونَ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم علَّم أمَّتَه مَسائِلَ التَّوحيدِ.
قال ابنُ تَيميَّةَ: (ومحالٌ مع تعليمِهم كُلَّ شيءٍ لهم فيه منفعةٌ في الدِّينِ -وإن دقَّت- أن يترُكَ تعليمَهم ما يقولونَه بألسنَتِهم، ويعتَقِدونَه في قُلوبِهم في رَبِّهم ومَعبودِهم ربِّ العالَمينَ الذي معرفتُه غايةُ المعارِفِ، وعبادتُه أشرفُ المقاصِدِ، والوُصولُ إليه غايةُ المطالِبِ، بل هذا خلاصةُ الدَّعوةِ النَّبَويَّةِ، وزُبدةُ الرِّسالةِ الإلهيَّةِ، فكيف يتوهَّمُ من في قَلبِه أدنى مُسكةٍ من إيمانٍ وحكمةٍ ألَّا يكونَ بيانُ هذا البابِ قد وقع من الرَّسولِ على غايةِ التَّمامِ؟!) [82] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (5/7). .
وقال أيضًا: (يتبيَّنُ أنَّ أحَقَّ النَّاسِ بأن تكونَ هي الفِرقةَ النَّاجيةَ أهلُ الحديثِ والسُّنَّةِ، الذين ليس لهم متبوعٌ يتعصَّبون له إلَّا رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهم أعلَمُ النَّاسِ بأقوالِه وأحوالِه، وأعظمُهم تمييزًا بين صحيحِها وسقيمِها، وأئِمَّتُهم فُقهاءُ فيها، وأهلُ معرفةٍ بمعانيها، واتِّباعًا لها؛ تصديقًا وعَمَلًا، وحبًّا وموالاةً لِمَن والاها، ومُعاداةً لمن عاداها... لا يَنصِبون مقالةً ويجعلونَها مِن أُصولِ دينِهم، وجُمَل كلامِهم، إن لم تكُنْ ثابتةً فيما جاء به الرَّسولُ، بل يجعلون ما بُعِثَ به الرَّسولُ من الكتابِ والحِكمةِ هو الأصلَ الذي يعتَقِدونه ويعتَمِدونه، وما تنازع فيه النَّاسُ من مَسائِلِ الصِّفاتِ والقَدَر والوعيدِ والأسماءِ، والأمرِ بالمعروفِ، والنَّهْيِ عن المُنكَرِ، وغيرِ ذلك: يردُّونَه إلى الله ورَسولِه، ويفسِّرون الألفاظَ المجمَلةَ التي تنازع فيها أهلُ التفَرُّقِ والاختلافِ؛ فما كان من معانيها موافِقًا للكتاب والسُّنَّة أثبتوه، وما كان منها مخالِفًا للكِتابِ والسُّنَّة أبطلوه) [83] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (3/347). .

انظر أيضا: