الموسوعة العقدية

 الْغِنَى

صفةٌ ذاتيَّةٌ ثابتةٌ لله عزَّ وجلَّ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، و(الْغَنِيُّ) من أسماءِ اللهِ تَعالَى.
الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
 1- قولُه تَعالَى: وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر: 15] .
2- قَولُه: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [التوبة: 28] .
3- قَولُه: وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى [الضحى: 8] .
الدَّليلُ من السُّنَّةِ:
1- حديثُ أَبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((بَيْنَا أيُّوبُ عليه السَّلَامُ يَغتسِلُ عُريانًا... فناداه ربُّه عزَّ وجلَّ: يا أيُّوبُ، ألمْ أكُنْ أَغنَيتُك عمَّا تَرَى؟ قال: بَلَى وعِزَّتِكَ... )) [2610] أخرجه البخاري (279). .
2- حديثُ أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((... ومَن يَستعفِفْ يُعفَّهُ اللهُ، ومَن يَستَغْنِ يُغْنِه اللهُ... )) [2611] أخرجه البخاري (1469)، ومسلم (1053). .
3- حديثُ أَبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((قال اللهُ تَعالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّركاءِ عنِ الشِّركِ... )) [2612] أخرجه مسلم (2985). .
قال الزَّجَّاجُ: (الغَنِيُّ: وهو الغَنِيُّ والمستغني عن الخَلْقِ بقُدرتِه وعِزِّ سُلطانِه، والخَلقُ فُقَراءُ إلى تطَوُّلِه وإحسانِه، كما قال تعالى: وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ، المُغني هو الذي أغنى الخَلْقَ بأنْ جَعَل لهم أموالًا وبنينَ، كما قال تعالى: وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى) [2613] يُنظر: ((تفسير أسماء الله الحسنى)) (ص: 63). .  
وقال الزَّجَّاجيُّ: (الغَنِيُّ في كلامِ العَرَبِ: الذي ليس بمُحتاجٍ إلى غيرِه. وكذلك اللهُ ليس بمُحتاجٍ إلى أحَدٍ، جَلَّ وتعالى عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا، كما قال: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ، وكُلُّ الخَلْقِ إليه -جَلَّ اسمُه- مُحتاجٌ، كما قال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر: 15] ، فالله عَزَّ وجَلَّ ليس بمحتاجٍ إلى أحَدٍ فيما خَلَق وما يَخلُقُ، ودَبَّر ويُدَبِّرُ، ويُعطي ويَرزُقُ، ويَقضي ويُمضي، لا رادَّ لأمْرِه، وهو على ما يشاءُ قديرٌ.
هذا أصلُ الغِنى في كلامِ العَرَبِ، وهو ألَّا تكونَ بالإنسانِ حاجةٌ إلى غَيرِه، وإنَّما سُمِّيَ ذو اليَسَارِ والمالِ غَنِيًّا؛ لاستِغنائِه بالمالِ الذي عِندَه عن غَيرِه، وحاجةِ النَّاسِ إلى ما عِندَه، وهذا مجازٌ. وليس في العالَمِ أحدٌ غَنِيًّا في الحقيقةِ؛ لأنَّ بكُلِّ مَن فيه حاجة إلى غَيرِه -كان ذا يسارٍ أو مُعدِمًا، كبيرًا كان أو صغيرًا- لا بدَّ له من الحاجةِ إلى غيرِه في مَعونةٍ أو تصَرُّفٍ أو غيرِ ذلك من أُمورِ الدُّنيا التي بَعضُها مَنُوطٌ ببَعضٍ.
وجَميعُ من في العالَمِ مُحتاجٌ بَعضُهم إلى بعضٍ إلَّا القليلَ مِمَّن صَرَفوا فِكْرَهم عن أمرِ الدُّنيا دُفعةً، وانصَرَفوا إلى الباري جَلَّ اسمُه وعلا؛ إنَّ أولئك لا يكادون يَسْتَغنون عما يُوارِيهم من المَلْبَسِ، ويَكُفُّهم من الحَرِّ والبَرْدِ، ويُغَذِّيهم من المطعَمِ والمَشرَبِ؛ فأمرُ الدُّنيا كَذَلِكم بَعضُه مَقرونٌ ببَعضٍ؛ فليس الغَنِيُّ على الحقيقةِ غَيرَ اللهِ؛ لأنَّه الغَنيُّ في الحقيقةِ عن جميعِ الأشياءِ، وكُلُّنا إليه مُفتَقِرٌ مُحتاجٌ) [2614] يُنظر: ((اشتقاق أسماء الله)) (ص: 117). .
وقال الخطَّابيُّ: (الغَنِيُّ: هو الذي استغنى عن الخَلْقِ وعن نُصرَتِهم وتأييدِهم لمُلْكِه، فليست به حاجةٌ إليهم، وهم إليه فُقَراءُ مُحتاجون، كما وَصَف نَفْسَه تعالى، فقال عزَّ مِن قائِلٍ: وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ [محمد: 38] . المُغني: هو الذي جَبَرَ مَفاقِرَ الخَلْقِ، وساق إليهم أرزاقَهم، وأغناهم عمَّن سِواه، كقَولِه تعالى: وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى [النجم: 48] ، ويكونُ المُغني بمعنى الكافي؛ من الغَناءِ -ممدودًا مفتوحةَ الغَينِ- وهو الكِفايةُ) [2615] يُنظر: ((شأن الدعاء)) (ص: 92). .
وقال الحليميُّ: (الغَنِيُّ، ومعناه: الكامِلُ بما لَه وعِندَه، فلا يحتاجُ معه إلى غيرِه، ورَبُّنا جَلَّ ثناؤُه بهذه الصِّفةِ؛ لأنَّ الحاجةَ نَقصٌ، والمحتاجَ عاجِزٌ عَمَّا يحتاجُ إلى أن يَبلُغَه ويُدرِكَه، ولِلمُحتاجِ إليه فَضلٌ بوُجودِ ما ليس عند المحتاجِ. والنَّقصُ مَنفيٌّ عن القديمِ بكُلِّ حالٍ، والعَجْزُ غيرُ جائزٍ عليه، ولا يمكِنُ أن يكونَ لأحَدٍ عليه فَضلٌ؛ إذ كُلُّ شَيءٍ سِواه خَلْقٌ له وبِدْعٌ أبدَعَه، ولا يملِكُ من أمْرِه شيئًا، وإنَّما يكونُ كما يريدُه اللهُ عَزَّ وجَلَّ ويُدَبِّرُه، فلا يُتوَهَّمُ أنْ يكونَ له مع هذا اتِّساعٌ لفَضْلِه عليه) [2616] يُنظر: ((المنهاج في شعب الإيمان)) (1/ 196). .
قال ابنُ تَيميَّةَ:
(والفَقْرُ لِي وَصْفُ ذَاتٍ لَازِمٌ أبَدًا                كَمَا الغِنَى أَبدًا وَصْفٌ لَهُ ذَاتِي) [2617] يُنظر: ((طريق الهجرتين)) لابن القيم (ص: 6).
وقال ابنُ القَيِّمِ:
(وَهُوَ الغَنِيُّ بِذَاتِهِ فَغِنَاهُ ذَا          تِيٌّ لَهُ كَالجُودِ وَالإحْسَانِ) [2618] يُنظر: ((الكافية الشافية)) (3/711). .
قال محمد خليل هرَّاس: (مِن أسمائِه الحُسنى: الغَنيُّ؛ فلَه سُبحانَه الغِنى التامُّ المُطلَقُ مِن كُلِّ وجهٍ، بحيثُ لا تَشوبُه شائبةُ فَقرٍ وحاجةٍ أصلًا؛ وذلك لأنَّ غِناهُ وصفٌ لازمٌ له، لا يَنفكُّ عنه؛ لأنَّه مُقتضَى ذاتِه، وما بالذَّاتِ لا يُمكنُ أن يزولَ، فيَمتنعَ أنْ يكونَ إلَّا غنيًّا، كما يَمتنعُ أنْ يكونَ إلَّا جَوَادًا مُحسِنًا، برًّا رحيمًا كريمًا) [2619] يُنظر: ((شرح القصيدة النونية)) (2/74). .
وانظُرْ: كَلامَ الزَّجاجيِّ في: صِفةِ (الواسِعِ).

انظر أيضا: