الموسوعة العقدية

المَبحَثُ الرَّابِعُ: من مَصادِرِ العَقيدةِ عند أهلِ السُّنَّة والجماعةِ: الفِطرةُ السَّويَّةُ

الفِطرةُ هي خَلقُ الخليقةِ على قَبولِ الإسلامِ، والتهيُّؤِ لتوحيدِ الله، وإدراكِ الحَقِّ.
والِفطرةُ السَّوِيَّةُ تهدي العبدَ إلى أصولِ التَّوحيد والإيمانِ دونَ استدلالٍ أو برهانٍ.
والقلوبُ مفطورةٌ على الإقرارِ به سُبحانَه أعظَمَ من كونِها مفطورةً على الإقرارِ بغيره من الموجوداتِ، كما قالت الرُّسُلُ: أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [إبراهيم: 10] [74] يُنظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) لابن تيمية (8/38). .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (الإقرارُ والاعترافُ بالخالقِ فِطريٌّ ضروريٌّ في نفوسِ النَّاسِ، وإن كان بعضُ النَّاس قد يحصُلُ له ما يُفسِدُ فِطرتَه حتى يحتاجَ إلى نظَرٍ تحصُلُ له به المعرفةُ) [75] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (16/328). .
وقال أيضًا: (بيَّنْتُ أنَّ أصلَ العِلمِ الإلهيِّ فِطريٌّ ضروريٌّ، وأنَّه أشدُّ رسوخًا في النُّفوسِ مِن مَبدأِ العِلمِ الرِّياضيِّ، كقولِنا: إنَّ الواحِدَ نِصفُ الاثنينِ، ومبدأِ العلمِ الطبيعيِّ، كقولِنا: إنَّ الجِسمَ لا يكونُ في مكانينِ) [76] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (2/15). .
وقال ابنُ القيِّم: (إذا ثبت أنَّ في الفِطرةَ قوَّةً تقتضي طلبَ معرفةِ الحقِّ وإيثارِه على ما سِواه، وأنَّ ذلك حاصلٌ مركوزٌ فيها من غيرِ تعليمِ الأبوَينِ ولا غيرِهما، بل لو فُرِضَ أنَّ الإنسانَ تربَّى وَحْدَه، ثمَّ عَقَل وَمَّيز، لوجد نفسَه مائلةً إلى ذلك، نافرةً عن ضِدِّه، كما يجد الصبيُّ عند أوَّلِ تمييزِه، يعلَمُ أنَّ الحادِثَ لا بدَّ له من مُحدِثٍ، فهو يلتفتُ إذا ضُرِبَ من خَلْفِه؛ لعِلْمِه أنَّ تلك الضَّربةَ لا بدَّ لها من ضاربٍ، فإذا شعر به بكى حتى يُقتَصَّ له منه، فيَسكُن، فقد ركَزَ في فطرته الإقرارُ بالصَّانعِ، وهو التَّوحيدُ، ومحبَّةُ القِصاصِ، وهو العَدْلُ، وإذا ثبت ذلك ثبت أنَّ نفسَ الفِطرةِ مُقتَضِيةٌ لمعرفته سُبحانَه ومحبَّتِه وإجلالِه وتعظيمِه والخُضوعِ له، من غير تعليمٍ ولا دعاءٍ إلى ذلك، وإن لم يكُنْ فطرةُ كُلِّ أحدٍ مُستَقِلَّةً بتحصيلِ ذلك، بل يحتاج كثيرٌ منهم إلى سببٍ مُعِينٍ للفِطرةِ مُقَوٍّ لها، وقد بيَّنَّا أنَّ هذا السَّبَبَ لا يحدُثُ في الفِطرةِ ما لم يكُنْ فيها، بل يُعينُها ويذكِّرُها ويقوِّيها، فبعث اللهُ النبيِّين مُبشِّرينَ ومُنذِرينَ، يدعون العبادَ إلى موجِبِ هذه الفِطرةِ، فإذا لم يحصُلْ مانعٌ يمنَعُ الفطرةَ عن مقتضاها، استجابت لدعوةِ الرُّسُلِ، ولا بدَّ بما فيها من المقتضي لذلك) [77] يُنظر: ((شفاء العليل)) (ص: 751). .
ولكِنَّ العَقلَ والفِطرةَ وإن كانا من دلائِلِ التَّوحيدِ، إلَّا أنَّه لا تقومُ الحجَّةُ على بني آدَمَ إلَّا بإرسالِ الرُّسُلِ، وإنزالِ الكُتُبِ، وقَطْعِ العُذرِ.
قال الله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء: 15] ، فلا عذابَ إلَّا بعدَ إرسالِ الرُّسُلِ، وقَطْعِ العُذرِ، وإقامةِ الحُجَّةِ [78] يُنظر للاستزادة: ((مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة)) لناصر العقل (ص: 37)، ((تسهيل العقيدة الإسلامية)) للجبرين (ص: 18)، ((علم العقيدة عند أهل السنة والجماعة)) لمحمد يسري (ص: 189). .

انظر أيضا: