الموسوعة العقدية

 اسْتِطَابَةُ الرَّوَائِحِ

صفةٌ ثابتةٌ للهِ عزَّ وجلَّ بالسُّنَّة الصَّحيحةِ.
الدَّليلُ:
حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((ولَخُلُوفُ فَمِ الصَّائمِ أطيبُ عندَ اللهِ مِن رِيحِ المِسْكِ )) [1551] أخرجه البخاري (5583)، ومسلم (1151). .
قال ابنُ القيِّمِ: (مِن المعلومِ أنَّ أطيَبَ ما عند النَّاسِ مِن الرَّائحةِ رائحةُ المِسْكِ؛ فمثَّلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذا الخُلُوفَ عند اللهِ تعالى بطِيبِ رائحةِ المِسْكِ عندنا وأعْظَمَ، ونسبةُ استطابةِ ذلك إليه سُبحانَه وتعالى كنسبةِ سائرِ صِفاته وأفعالِه إليه؛ فإنَّها استطابةٌ لا تُماثِلُ استطابةَ المخلوقينَ، كما أنَّ رضاه وغَضَبَه وفرَحَه وكراهيَتَه وحُبَّه وبُغْضَه لا تُماثِلُ ما للمخلوقِ مِن ذلك، كما أنَّ ذاتَه سُبحانَه وتعالى لا تُشبِهُ ذواتِ خَلْقِه، وصِفاتِه لا تُشبِهُ صِفاتِهم وأفعالَهم، وهو سُبحانَه وتعالى يستطيبُ الكلِمَ الطَّيِّبَ فيصعَدُ إليه، والعمَلَ الصَّالحَ فيرفَعُه، وليست هذه الاستطابةُ كاستطابتِنا، ثمَّ إنَّ تأويلَه لا يرفَعُ الإشكالَ؛ إذ ما استشكَلَه هؤلاء مِن الاستطابةِ يلزَمُ مِثلُه في الرِّضا، فإن قال: رضًا ليس كرضَا المخلوقينَ، فقولوا: استطابةٌ ليسَتْ كاستطابةِ المخلوقينَ، وعلى هذا جميعُ ما يجيءُ مِن هذا البابِ) [1552] يُنظر: ((الوابل الصيب)) (ص: 29). .
وقد أقرَّ ابنُ باز تعليقَ عليٍّ الشِّبلِ على تأويلِ ابنِ حَجَرٍ، الذي يَقولُ فيه: (الاستطابةُ لرائحةِ خُلوفِ فمِ الصائمِ من جنسِ سائرِ الصِّفات العُلا، يجبُ الإيمانُ بها مع عدمِ مماثلةِ صِفاتِ المخلوقينَ، ومع عدمِ التكلُّفِ بتأويلِها بآراءِ العُقولِ ومُستبعَداتِ النُّقولِ، والذي يُفضي بها إلى تعطِيلِها عن اللهِ.
فالواجِبُ الإيمانُ بها كسائرِ الصِّفاتِ على الوَجهِ اللائقِ باللهِ مِن غيرِ تكييفٍ ولا تمثيلٍ، ومِن غَيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ) [1553] يُنظر: ((التَّنبيه على المُخالفات العَقَديَّة في فتح الباري)) (ص: 23). .
وقد أثبَتَ بعضُ العُلَماءِ صفةَ الشَّمِّ للهِ عزَّ وجلَّ بهذا الحديثِ، وهو ليس صريحًا في ذلك؛ فالحديثُ فيه إثباتُ استطابةِ الرَّوائحِ للهِ عزَّ وجلَّ، أمَّا الكيفُ فمَجهولٌ. 
قال البرَّاكُ: (ما ثبَتَ للهِ تعالى مِن الصِّفاتِ يَثبُتُ له على ما يَليقُ به ويختَصُّ به، كما يُقالُ ذلك في سَمعِه وبصَرِه وعِلمِه، وسائرِ صِفاته، وصفةُ الشَّمِّ ليس في العَقلِ ما يقتضي نفيَها، فإذا قام الدَّليلُ السَّمعيُّ على إثباتِها وجَبَ إثباتُها على الوجهِ اللَّائقِ به سُبحانَه، وهذا الحديثُ -وهو قَولُه: ((لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائمِ أطيَبُ عند اللهِ مِن رِيحِ المِسكِ))- ليس نصًّا في إثباتِ الشَّمِّ، بل هو محتمِلٌ لذلك؛ فلا يجوزُ نَفيُه مِن غيرِ حُجَّةٍ، وحينئذٍ فقد يُقالُ: إنَّ صِفةَ الشَّمِّ للهِ تعالى ممَّا يجِبُ التَّوقُّفُ فيه؛ لعدمِ الدَّليلِ البَيِّنِ على النَّفيِ أو الإثباتِ، فليُتدبَّرْ. واللهُ أعلَمُ بمرادِه ومرادِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) [1554] يُنظر: ((تعليقات الشيخ البَرَّاك على المُخالفات العَقَديَّة في فتح الباري)) (4/ 105). .

انظر أيضا: