الموسوعة العقدية

المَطلَبُ الثَّامِنَ عَشَرَ: مِن قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: بابُ الأخبارِ أوسَعُ مِن بابِ الصِّفاتِ

فما يُطلَقُ عليه مِن الأخبارِ لا يجِبُ أن يكونَ توقيفيًّا؛ كالقديمِ، والشَّيءِ، والموجودِ [1387] يُنظر: ((بدائع الفوائد)) لابن القيِّمِ (1/285).
قال الغزالي: (اسمُ كُلِّ أحدٍ ما سَمَّى به نَفْسَه، أو سَمَّاه به وَلِيُّه من أبيه أو سَيِّده، والتَّسميةُ -أعني: وَضْعَ الاسمِ- تَصَرُّفٌ في المسَمَّى، وَيستَدعي ذلك وِلايةً، والوِلايةُ للإنسانِ على نَفْسِه أو على عَبدِه أو على وَلَدِه؛ فلذلك تكونُ التَّسمياتُ إلى هؤلاء؛ ولذلك لو وَضَع غَيرُ هؤلاء اسمًا على مُسَمًّى رُبَّما أنَكَره المسَمَّى، وغَضِبَ على المسَمِّي، وإذا لم يكُنْ لنا أن نُسَمِّيَ إنسانًا -أي: لا نَضَعُ له اسمًا- فكيف نَضَعُ لله تعالى اسمًا؟! وكذلك أسماءُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم معدودةٌ، وقد عَدَها وقال: ((إنَّ لي أسماءً: أحمَدُ، ومحمَّدٌ، والمقَفِّي، والماحي، والعاقِبُ، ونبيُّ التَّوبةِ، ونبيُّ الرَّحمةِ، ونبيُّ المَلْحَمةِ )) [1388] أصل الحديث في صحيح البخاري (3532)، ومسلم (4856) من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه وليس فيها نبيُّ التَّوبةِ، ونبيُّ الرَّحمةِ، ونبيُّ المَلْحَمةِ، ولفظ البخاري: ((لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب)) . وليس لنا أن نَزيدَ على ذلك في مَعرِضِ التَّسميةِ، بل في مَعرِضِ الإخبارِ عن وَصْفِه، فيجوزُ أن نقولَ: إنَّه عالمٌ ومُرشِدٌ ورَشيدٌ وهادٍ وما يجري مجراه، كما نقولُ لزَيدٍ: إنَّه أبيَضُ طويلٌ، لا في مَعرِضِ التَّسميةِ، بل في مَعرِضِ الإخبارِ عن صِفتِه، وعلى الجُملةِ فهذه مَسألةٌ فِقهيَّةٌ؛ إذ هو نَظَرٌ في إباحةِ لَفظٍ وتحريمِه، فنقولُ: أمَّا الدَّليلُ على المنعِ مِن وَضعِ اسمٍ لله سُبحانَه وتعالى: هو المنعُ مِن وَضعِ اسمٍ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يُسَمِّ به نَفْسَه، ولا سَمَّاه به رَبُّه تعالى، ولا أبواه، وإذا مُنِعَ في حَقِّ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بل في حَقِّ آحادِ الخَلْقِ، فهو في حَقِّ اللهِ أَولى، وهذا نوعُ قياسٍ فِقهيٍّ تُبنى على مِثْلِه الأحكامُ الشَّرعيَّةُ.
وأمَّا دليلُ إباحةِ الوَصفِ فهو أنَّه خَبَرٌ عن أمرٍ، والخَبَرُ ينقَسِمُ إلى صِدقٍ وكَذِبٍ، والشَّرعُ قد دَلَّ على تحريمِ الكَذِبِ في الأصلِ، فالكَذِبُ حرامٌ إلَّا بعارضٍ، ودَلَّ على إباحةِ الصِّدقِ، فالصِّدقُ حَلالٌ إلَّا بعارضٍ، وكما أنَّه يجوزُ لنا أن نقولَ في زيدٍ: إنَّه موجودٌ، فكذلك في حَقِّ اللهِ تعالى ورَدَ به الشَّرعُ أو لم يَرِدْ، ونقولُ: إنَّه قديمٌ، وإنْ قَدَّرْنا أنَّ الشَّرعَ لم يَرِدْ به، وكما أنَّا لا نقولُ لزيدٍ: إنَّه طويلٌ أشقَرُ؛ لأنَّ ذلك ربَّما يَبلُغُ زَيدًا فيَكرَهُه؛ لأنَّ فيه إيهامَ نَقصٍ، فكذلك لا نقولُ في حَقِّ اللهِ سُبحانَه وتعالى ما يُوهِمُ نَقصًا البتَّةَ، فأمَّا ما لا يُوهِمُ نَقصًا أو يَدُلُّ على مَدحٍ، فذلك مُطلَقٌ ومباحٌ بالدَّليلِ الذي أباح الصِّدقَ مع السَّلامةِ عن العوارِضِ المحَرَّمةِ) [1389] يُنظر: ((المقصد الأسنى)) (ص: 174). .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (ما يُطلَقُ عليه في بابِ الأسماءِ والصِّفاتِ توقيفيٌّ، وما يُطلَقُ عليه من الأخبارِ لا يجِبُ أن يكونَ توقيفًا؛ كالقديمِ، والشَّيءِ، والموجودِ، والقائِمِ بنَفْسِه) [1390] يُنظر: ((بدائع الفوائد)) (1/ 162). .
وقال ابنُ عُثَيمين: (كُلُّ اسمٍ مِن أسْماءِ اللهِ فهو مُتَضَمِّنٌ لصِفةٍ؛ فالعزيزُ مُتَضَمِّنٌ لصِفةِ العِزَّةِ، والعَليمُ مُتَضَمِّنٌ لصِفةِ العِلْمِ، وليس كُلُّ صفةٍ يُشتَقُّ منها اسمٌ؛ ولهذا نقولُ: إنَّ بابَ الصِّفاتِ أوسَعُ مِن بابِ الأسماءِ؛ لأنَّه يُوجَدُ صِفاتٌ ليس لله منها أسماءٌ، لكِنْ لا يُوجَدُ اسمٌ إلَّا ومنه صِفةٌ، واللهُ أعلَمُ) [1391] يُنظر: ((تفسير العثيمين - الزخرف)) (ص: 63). .
وقال ابنُ عُثَيمين أيضًا: (لا يُسَمَّى اللهُ تعالى باسمٍ يَتضَمَّنُ نقصًا ولو في بعضِ الأحوالِ؛ ولهذا لا يُسَمَّى اللهُ بالمتكَلِّمِ، مع أنَّ اللهَ يُخبِرُ بأنَّه متكَلِّمٌ، ويُوصَفُ بذلك، فلا تقولُ: يا متكَلِّمُ اغفِرْ لي، وكذلك يُوصَفُ اللهُ بالإرادةِ، لكِنْ لا يُسَمَّى بالمُريدِ، فلْيُنتَبَهْ للفَرقِ: وهو أنَّ الأسماءَ الحُسْنَى مِن القِسمِ الأوَّلِ فقط، أي: أنَّها مِنَ الكَمالِ المطلَقِ فقط، فلا تتضَمَّنُ كَمالًا ونقصًا في حالٍ دونَ حالٍ، بل هي كَمالٌ مُطلَقٌ، والدَّليلُ على ذلك وَصفُ اللهِ تعالى إيَّاها بأنَّها حُسْنى.
بخلافِ الصِّفاتِ التي -كما سَبَق- منها الكَمالُ المُطلَقُ الذي يُوصَفُ اللهُ به على سَبيلِ الإطلاقِ، والنَّقصُ المُطلَقُ، وهذا لا يُوصَفُ اللهُ به مُطلَقًا، والكَمالُ في حالٍ دونَ حالٍ، وهذا يُوصَفُ به اللهُ حالَ كَونِه كَمالًا، ولا يُوصَفُ به حالَ كونِه نَقصًا) [1392] يُنظر: ((شرح العقيدة السفارينية)) (ص: 162). .

انظر أيضا: