الموسوعة العقدية

المَبحَثُ الأوَّلُ: بدايةُ ظُهورِ عَقيدةِ التَّوحيدِ

- عَقيدةُ التَّوحيدِ هي دينُ الفِطرةِ التي فَطَر اللهُ النَّاسَ عليها
قال اللهُ تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [الروم: 30] .
- وآدمُ عليه السَّلامُ قد فطره اللهُ على العَقيدةِ السَّليمةِ، فكان مُوحِّدًا لله تعالى مُعتَقِدًا لله ما يجِبُ له من التَّعظيمِ والطَّاعةِ.
قال اللهُ تعالى حاكِيًا دُعاءَ آدَمَ وحَوَّاءَ عليهما السَّلامُ: قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف: 23] ، فلم يَدْعُوَا غَيرَ اللهِ سُبحانَه، وأنابَا إليه؛ لاعتِقادِهما الصَّحيحِ أنَّ اللهَ يَسمَعُ ويَعلَمُ ويَقْدِرُ، وأنَّه وَحْدَه الذي يَغفِرُ الذُّنوبَ ويَرحَمُ عِبادَه.
- وقد أخَذَ اللهُ على بني آدَمَ العَهدَ والمِيثاقَ بأنَّه رَبُّهم، وأشهَدَهم بذلك على أنفُسِهم.
قال الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ [الأعراف: 172-173] .
- والنَّاسُ كُلُّهم يُولَدونَ على الفِطرةِ ويَنشَؤونَ عليها ما لم تَصْرِفْهم عنها صوارِفُ الشَّرِّ والضَّلالِ
عن عِياضٍ المُجاشِعيِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالَ: ((أَلَا إنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ ما جَهِلْتُمْ ممَّا عَلَّمَنِي يَومِي هذا: كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلَالٌ، وإني خلقتُ عبادي حُنَفاءَ كُلَّهم، وإنَّهم أَتَتْهم الشَّياطينُ فاجتالَتْهم عن دينِهم، وحَرَّمَتْ عليهم ما أحلَلْتُ لهم، وأمَرَتْهم أن يُشرِكوا بي ما لم أُنزِلْ به سُلطانًا... )) [36] أخرجه مسلم (2865). . الحديث.
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ما من مولودٍ إلَّا يُولَدُ على الفِطرةِ، فأبواه يهَوِّدانِه، أو ينَصِّرانِه، أو يُمجِّسانِه )) [37] أخرجه البخاري (1359)، ومسلم (2658). .
فعَقيدةُ التَّوحيدِ هي الأصلُ الذي كان عليه آدَمُ -عليه السَّلامُ- والأجيالُ الأولى من ذُرِّيَّتِه
قال الله تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [البقرة: 213] .
أي: إنَّ النَّاس كانوا مجتَمِعين منذ عهدِ آدمَ عليه السَّلامُ على دِينٍ واحدٍ، هو دينُ الإسلامِ، وظلُّوا على ذلك مدَّةَ عَشرةِ قرونٍ، فاختلَفوا في دِينهم حتى عبَدوا الأصنامَ، فبعَث الله النَّبيِّين ينهَوْن عن ذلك الكُفرِ، مُبشِّرين مَن أطاعهم بالجنَّةِ، ومُنذِرين مَن عصاهم بالنَّارِ، وكان أوَّلَهم نوحٌ عليه السَّلامُ [38] يُنظر: ((التفسير المحرر للقرآن الكريم - الفاتحة والبقرة)) (ص: 593). .
عن عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه قال: (كان بين نوحٍ وآدمَ عشرةُ قرونٍ، كلُّهم على شريعةٍ من الحَقِّ، فاختلفوا؛ فبعث اللهُ النبيِّينَ مُبشِّرينَ ومُنذِرينَ) [39] أخرجه الطبري في ((التفسير)) (4048)، والحاكم (4009). صحَّحه الحاكِمُ على شرط البخاريِّ ، والألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (7/854). .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (لم يكُنِ الشِّركُ أصلًا في الآدميِّينَ، بل كان آدَمُ ومن كان على دينِه من بنيه على التَّوحيدِ لله؛ لاتِّباعِهم النبُوَّةَ؛ قال اللهُ تعالى: وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا [يونس: 19] . قال ابنُ عباس: "كان بين آدَمَ ونوحٍ عَشرةُ قرونٍ كلُّهم على الإسلامِ"، فبتركِهم اتِّباعَ شريعةِ الأنبياءِ وَقَعوا في الشِّركِ، لا بوُقوعِهم في الشِّركِ خرجوا عن شريعةِ الإسلامِ؛ فإن آدَمَ أمرَهم بما أمَرَه اللهُ به؛ حيث قال له: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: 38، 39] [40] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (20/106). .

انظر أيضا: