الموسوعة العقدية

المَطْلَبُ الأوَّلُ: كَمالُ الخُضوعِ والذُّلِّ

قال اللهُ تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً [الأعراف: 55] .
قال ابنُ جريرٍ (يَقولُ تعالى ذِكْرُه: ادْعُوا أيُّها النَّاسُ رَبَّكُمْ وَحْدَه، فأخلِصوا له الدُّعاءَ دُونَ ما تَدْعُونَ مِن دُونِه مِنَ الآلِهةِ والأصنامِ، تَضَرُّعًا يقولُ: تذَلُّلًا واسِتكانةً لطاعتِه، وَخُفْيَةً يقولُ: بخُشوعِ قُلوبِكم وصِحَّةِ اليَقينِ منكم بوَحدانيَّتِه فيما بيْنكم وبيْنه، لا جِهارًا مُراءاةً، وقلوبُكم غيرُ مُوقِنةٍ بوَحدانيَّتِه ورُبوبِيَّته، فِعلَ أهلِ النِّفاقِ والخِداعِ للهِ ولرَسولِه) [825] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/ 247). .
وقال السَّمعانيُّ: (قَولُه تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً أي: ضارِعينَ متذلِّلينَ خاشِعينَ) [826] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (2/ 189). .
وقال اللهُ سُبحانَه: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً [الأعراف: 205] .
وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء: 90] .
قال الزمخشريُّ: (العِبادةُ أقصى غايةِ الخُضوع ِوالتذَلُّلِ) [827] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/ 13). .
وقال العِزُّ بنُ عبدِ السَّلامِ: (العِبادةُ هي الطَّاعةُ مع غايةِ الذُّلِّ والخُضوعِ) [828] يُنظر: ((الإمام في بيان أدلة الأحكام)) (ص: 168). .
وقال ابنُ باز: (العِبادةُ هي الخُضوعُ لله جَلَّ وعلا والتذَلُّلُ له، وسُمِّيَت الوظائِفُ التي أمَرَ اللهُ بها المكَلَّفينَ -مِن أوامِرَ وتَركِ نَواهٍ - عِبادةً؛ لأنَّها تؤدَّى بالخُضوعِ والتذَلُّلِ للهِ عزَّ وجَلَّ) [829] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (1/ 325). .
وقال ابنُ عثيمين: (العِبادةُ مَبنيَّةٌ على أمرينِ عَظيمَينِ، هما المحبَّةُ والتَّعظيمُ النَّاتِجُ عنهما: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا [الأنبياء: 90] ، فبالمحبَّةِ تكونُ الرَّغبةُ، وبالتَّعظيمِ تكونُ الرَّهبةُ والخَوفُ.
ولهذا كانت العِبادةُ أوامِرَ ونواهيَ؛ أوامِرَ مَبنيَّةً على الرَّغبةِ وطَلَبِ الوُصولِ إلى الآمِرِ، ونواهِيَ مبنيَّةً على التَّعظيمِ والرَّهبةِ مِن هذا العظيمِ) [830] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (8/ 17). .
وذُلُّ العُبوديَّةِ له أربَعُ مَراتِبَ:
المَرْتَبةُ الأولى: مُشتَركةٌ بيْن الخَلقِ، وهي ذُلُّ الحاجةِ والفَقرِ إلى اللهِ؛ فأهلُ السَّمَواتِ والأرضِ جَميعًا محتاجونَ إليه، فُقَراءُ إليه، وهو وَحْدَه الغَنيُّ عنهم، وكُلُّ أهلِ السَّمَواتِ والأرضِ يَسألونَه، وهو لا يَسأَلُ أحَدًا.
المَرْتَبةُ الثَّانيةُ: ذُلُّ الطَّاعةِ والعُبوديَّةِ، وهو ذُلُّ الاختيارِ، وهذا خاصٌّ بأهلِ طاعتِه.
المَرْتَبةُ الثَّالِثةُ: ذُلُّ المحبَّةِ؛ فإنَّ المحِبَّ ذَليلٌ بالذَّاتِ، وعلى قَدْرِ محَبَّتِه له يكونُ ذُلُّه.
المَرْتَبةُ الرَّابِعةُ: ذُلُّ المعصيةِ والجِنايةِ.
فإذا اجتَمَعَت هذه المراتِبُ الأربَعُ كان الذُّلُّ لله والخُضوعُ له أكمَلَ وأتَمَّ؛ إذ يَذِلُّ له؛ خوفًا وخَشيةً، ومحَبَّةً وإنابةً، وطاعةً وفَقرًا وفاقةً [831] يُنظر: ((مدارج السالكين)) لابن القيم (1/224)، ((منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى)) لخالد عبد اللطيف (1/65). .

انظر أيضا: