الموسوعة العقدية

المطلبُ الثَّاني: تَرْكُ تقليدِ العالِمِ في خَطَئِه

زَلَّةُ العالِمِ لا ينبغي نِسْبَتُها إلى الشَّرعِ، وليست هي مِنَ الخِلافِ السَّائِغِ، فلا يجوزُ الاقتِداءُ بالعالِمِ فيها.
قال الشَّاطبيُّ: (إنَّ زَلَّةَ العالِمِ لا يَصِحُّ اعتِمادُها مِن جِهةٍ، ولا الأخذُ بها تقليدًا له، وذلك لأنَّها موضوعةٌ على المُخالَفةِ للشَّرعِ؛ ولذلك عُدَّت زَلَّةً، وإلَّا فلو كانت مُعتَدًّا بها لم يُجعَلْ لها هذه الرُّتبةُ، ولا نُسِبَ إلى صاحِبِها الزَّلَلُ فيها. كما أنَّه لا ينبغي أن يُشَنَّعَ عليه بها، ولا يُنتَقَصَ مِن أجْلِها، أو يُعتَقَدَ فيه الإقدامُ على المخالَفةِ بَحتًا؛ فإنَّ هذا كُلَّه خِلافُ ما تقتضي رُتبَتُه في الدِّينِ) [2509] يُنظر: ((الموافقات)) (5/136). .
وقال الشَّاطبيُّ أيضًا: (لا يَصِحُّ اعتِمادُها أي: زَلَّةِ العالمِ خِلافًا في المسائِلِ الشَّرعيَّةِ؛ لأنَّها لم تَصدُرْ في الحقيقةِ عن اجتِهادِه، ولا هي من مسائِلِ الاجتِهادِ، وإن حَصَل من صاحِبِها اجتِهادٌ؛ فهو لم يصادِفْ فيها محَلًّا، فصارت في نِسْبَتِها إلى الشَّرعِ كأقوالِ غيرِ المجتَهِدِ، وإنما يُعَدُّ في الخِلافِ الأقوالُ الصَّادِرةُ عن أدِلَّةٍ مُعتَبَرةٍ في الشَّريعةِ، كانت ممَّا يَقْوى أو يَضعُفُ، وأمَّا إذا صدَرَت عن مجرَّدِ خَفاءِ الدَّليلِ أو عَدَمِ مُصادَفَتِه فلا؛ فلذلك قيل: إنَّه لا يَصِحُّ أن يُعتَدَّ بها في الخِلافِ، كما لم يَعتَدَّ السَّلَفُ الصَّالحُ بالخِلافِ في مسألةِ رِبا الفَضْلِ، والمُتعةِ، ومحاشِي النِّساءِ، وأشباهِها مِنَ المسائِلِ التي خَفِيَت فيها الأدِلَّةُ على من خالف فيها) [2510] يُنظر: ((الموافقات)) (5/138). .
وقال ابنُ رَجَبٍ: (من أنواعِ النُّصحِ للهِ تعالى وكتابِه ورَسولِه -وهو ممَّا يختَصُّ به العُلَماءُ- رَدُّ الأهواءِ المُضِلَّةِ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، وبَيانُ دَلالتِهما على ما يخالِفُ الأهواءَ كُلَّها، وكذلك ردُّ الأقوالِ الضَّعيفةِ مِن زَلَّاتِ العُلَماءِ، وبَيانُ دَلالةِ الكِتابِ والسُّنَّةِ على رَدِّها) [2511] يُنظر: ((جامع العلوم والحكم)) (1/223). .
وقال الشَّوكانيُّ: (حكى البَيهقيُّ عن إسماعيلَ القاضي قال: دخَلْتُ على المُعتَضِدِ فرَفَعَ إليَّ كتابًا نظَرْتُ فيه، وقد جُمِع فيه الرُّخَصُ مِن زَلَلِ العُلَماءِ، وما احتَجَّ به كُلٌّ منهم، فقُلْتُ: مُصَنِّفُ هذا زِنْديقٌ! فقال: لم تَصِحَّ هذه الأحاديثُ؟ فقُلتُ: الأحاديثُ على ما رُوِيَتْ، ولكِنْ من أباحَ المُسكِرَ لم يُبِحِ المُتْعةَ، ومَن أباح المُتْعةَ لم يُبِحِ الغِناءَ والمُسكِرَ، وما من عالمٍ إلَّا وله زَلَّةٌ، ومن جمَعَ زَلَلَ العُلَماءِ ثُمَّ أخذ بها ذهَبَ دِينُه؛ فأمَرَ المُعتَضِدُ بإحراقِ ذلك الكِتابِ) [2512] يُنظر: ((إرشاد الفحول)) (2/ 253). .
وتَرْكُ تقليدِ العالِمِ في خَطَأٍ لا يعني هِجْرانَه وتَرْكَ أقوالِه وعَدَمَ الاستفادةِ منه.
قال بكرُ بنُ عَبدِ اللهِ أبو زيد: (فهذه الآراءُ المغلوطةُ لم تكُنْ سَبَبًا في الحِرْمانِ مِن عُلومِ هؤلاء الأجِلَّةِ، بل ما زالت مناراتٍ يُهتَدَى بها في أيدي أهلِ الإسلامِ، وما زال العُلَماءُ على هذا المَشْرَعِ يُنَبِّهونَ على خَطَأ الأئِمَّةِ مع الاستفادةِ مِن عِلْمِهم وفَضْلِهم، ولو سَلَكوا مَسْلَكَ الهَجْرِ لهُدِمَت أُصولٌ وأركانٌ، ولتقَلَّص ظِلُّ العِلمِ في الإسلامِ، وأصبح الاختِلالُ واضِحًا للعِيانِ. واللهُ المُستَعانُ) [2513] يُنظر: ((تصنيف الناس بين الظن واليقين)) (ص: 91). .

انظر أيضا: