الموسوعة العقدية

الفرعُ الخامِسُ: خِلافةُ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنه

لَمَّا استُشهِدَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عنه بقَتْلِ الخارِجيِّ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ مُلْجمٍ سنةَ أربعينَ مِنَ الهِجرةِ النبَويَّةِ، بُويِعَ بالخِلافةِ من بَعْدِه ابنُه الحَسَنُ رَضِيَ اللهُ عنه، واستمَرَّ خليفةً على الحِجازِ والعِراقِ وغيرِها بِضعةَ أشهُرٍ، وكانت تلك المدَّةُ مُكَمِّلةً لِمُدَّةِ الخِلافةِ الرَّاشِدة ِالتي أخبر النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّها ثلاثون سنةً، ثُمَّ تكونُ مُلكًا [2152] يُنظر: ((البداية والنهاية)) لابن كثير (11/12، 22، 134، 143). .
قال ابنُ العَرَبيِّ: (فنَفَذ الوَعدُ الصَّادِقُ في قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ ابني هذا سَيِّدٌ، ولعَلَّ اللهَ أن يُصلِحَ به بين فئتينِ عَظيمتينِ مِنَ المُسلِمين )) [2153] أخرجه البخاري (2704) من حديث أبي بَكرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. . وبقَولِه: ((الخِلافةُ ثلاثون سنةً ثُمَّ تعودُ مُلكًا)) [2154] أخرجه من طُرُقٍ؛ أبو داود (4646)، والترمذي (2226)، وأحمد (21919) مطولًا باختلافٍ يسيرٍ مِن حَديثِ سفينة رَضِيَ اللهُ عنه. صَحَّحه الإمام أحمد كما في ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر (2/1169)، وابن حبان في ((صحيحه)) (6943)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2226)، وحَسَّنه الترمذي، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (439). ، فكانت لأبي بكرٍ وعُمَرَ وعُثْمانَ وعَلِيٍّ، وللحَسَنِ منها ثمانيةُ أشهُرٍ لا تزيدُ يومًا ولا تَنقُصُ يومًا، فسُبحانَ المُحيطُ لا رَبَّ غَيرُه) [2155] يُنظر: ((أحكام القرآن)) (4/152). !
وقال عياضٌ: (قَولُه: ((الخِلافةُ بَعْدي ثلاثونَ ثُمَّ تكونُ مُلكًا )) [2156] أخرجه من طرق: أبو داود (4646)، والترمذي (2226)، وأحمد (21919) مطولًا باختلافٍ يسيرٍ مِن حَديثِ سفينة رَضِيَ اللهُ عنه. صَحَّحه الإمام أحمد كما في ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر (2/1169)، وابن حبان في ((صحيحه)) (6943)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2226)، وحَسَّنه الترمذي، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (439). ... لم يكُنْ في الثلاثين إلَّا الخُلَفاءُ الأربعةُ، والأشهُرُ التى بُويعَ فيها الحسَنُ بنُ عَليٍّ... أراد هنا خِلافةَ النبُوَّةِ، وكذا جاء مفسَّرًا في بعضِ الرِّواياتِ: ((خِلافةُ النبُوَّةِ بَعْدي ثلاثونَ، ثُمَّ تكونُ مُلكًا)) [2157] أخرجه من طرق: أبو داود (4646)، والترمذي (2226)، وأحمد (21919) مطولًا باختلافٍ يسيرٍ مِن حَديثِ سفينة رَضِيَ اللهُ عنه. صَحَّحه الإمام أحمد كما في ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر (2/1169)، وابن حبان في ((صحيحه)) (6943)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2226)، وحَسَّنه الترمذي، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (439). [2158] يُنظر: ((إكمال المعلم)) (6/ 216). .
وقال ابنُ كثيرٍ عن الحَسَنِ بنِ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنهما: (الدَّليلُ على أنَّه أحَدُ الخُلَفاءِ الرَّاشِدينَ الحَديثُ الذي أورَدْناه في «دلائِلِ النبُوَّةِ» من طُرُقٍ عن سَفينةَ مولى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الخِلافةُ بَعْدي ثلاثون سنةً، ثُمَّ تكونُ مُلكًا)) [2159] أخرجه من طرق: أبو داود (4646)، والترمذي (2226)، وأحمد (21919) مطولًا باختلافٍ يسيرٍ مِن حَديثِ سفينة رَضِيَ اللهُ عنه. صَحَّحه الإمام أحمد كما في ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر (2/1169)، وابن حبان في ((صحيحه)) (6943)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2226)، وحَسَّنه الترمذي، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (439). وإنما كَمَلت الثلاثون بخِلافةِ الحَسَنِ بنِ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه) [2160] يُنظر: ((البداية والنهاية)) (11/ 134). .
وقال ابنُ أبي العِزِّ: (كانت خِلافةُ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ سَنَتينِ وثلاثةَ أشهُرٍ، وخِلافةُ عُمَرَ عَشْرَ سِنينَ ونِصفًا، وخِلافةُ عُثْمانَ اثْنَتَي عَشْرةَ سَنةً، وخِلافةُ عليٍّ أربَعَ سِنينَ وتِسعةَ أشهُرٍ، وخِلافةُ الحَسَنِ ابنِه سِتَّةَ أشهُرٍ) [2161] يُنظر: ((شرح الطحاوية)) (2/ 722). .
وقال المُناويُّ في قَولِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ابني هذا سَيِّدٌ، ولعَلَّ اللهَ أن يُصلِحَ به بين فِئتَينِ عَظيمتَينِ مِنَ المُسلِمين)) [2162] رواه البخاري (2704) من حديث أبي بكرة رَضِيَ اللهُ عنه. : (كان ذلك، فلمَّا بويِعَ له بعد أبيه وصار هو الإمامَ الحَقَّ مُدَّةَ سِتَّةِ أشهُرٍ تَكمِلةً للثَّلاثينَ سَنةً التي أخبر المصطفى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّها مُدَّةُ الخِلافةِ، وبَعْدَها يكونُ مُلكًا عَضُوضًا) [2163] يُنظر: ((فيض القدير)) (2/409). .
ثمَّ تنازل الحَسَنُ رَضِيَ اللهُ عنه بعد ذلك طواعيةً إلى مُعاويةَ رَضِيَ اللهُ عنه درءًا للفِتنةِ والشِّقاقِ، وحَقْنًا لدِماءِ المُسلِمينَ، وإبقاءً على الأُخُوَّةِ والوِفاقِ.
 قال ابنُ كثيرٍ: (ثبت في صحيحِ البُخاريِّ من حديثِ الحَسَنِ، عن أبي بَكرةَ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خطب يومًا ومعه على المِنبَرِ الحَسَنُ بنُ عليٍّ، فجَعَل ينظُرُ إليه مرَّةً وإلى النَّاسِ أُخرى، ويقولُ: ((إنَّ ابني هذا سَيِّدٌ، ولعَلَّ اللهَ أن يُصلِحَ به بين فئتينِ عَظيمتينِ مِنَ المُسلِمين )) [2164] رواه البخاري (2704) من حديث أبي بكرة رَضِيَ اللهُ عنه. . فكان كما قال صَلَواتُ اللهِ وسَلامُه عليه، أصلح اللهُ به بين أهلِ الشَّامِ وأهلِ العِراقِ، بعد الحُروبِ الطَّويلةِ والواقِعاتِ المَهُولةِ) [2165] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/ 374). .
وهذا الإصلاحُ الذي تمَّ بين الحَسَنِ ومُعاويةَ رَضِيَ اللهُ عنهما من أجلِّ وأعظَمِ مَناقِبِ الحَسَنِ.
قال ابنُ تَيميَّةَ: (هذا يُبَيِّنُ أنَّ الإصلاحَ بين الطَّائِفَتينِ كان محبوبًا ممدوحًا يحِبُّه اللهُ ورَسولُه، وأنَّ ما فعله الحَسَنُ من ذلك كان من أعظَمِ فَضائِلِه ومَناقِبِه التي أثنى بها عليه النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولو كان القِتالُ واجبًا أو مستحَبًّا لم يُثْنِ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على أحَدٍ بتَرْكِ واجبٍ أو مُستحَبٍّ) [2166] يُنظر: ((منهاج السنة النبوية)) (4/ 531). .
وثمَّةَ أسبابٌ دَعَت لقيامِ الصُّلحِ بين الحَسَنِ ومُعاويةَ رَضِيَ اللهُ عنهما.
قال ابنُ العربيِّ: (عَمِلَ الحسنُ رَضِيَ اللهُ عنه بمقتضى حالِه؛ فإنَّه صالحَ حين استشرى الأمرُ عليه، وكان ذلك بأسبابٍ سَماويَّةٍ، ومقاديرَ أزَلِيَّةٍ، ومواعيدَ مِنَ الصَّادِقِ صادِقةٍ.
منها: ما رأى من تشتُّتِ آراءِ مَن معه.
ومنها: أنَّه طُعِنَ حين خرج إلى معاويةَ، فسقط عن فَرَسِه، وداوى جُرْحَه حتى بَرِئَ، فعَلِمَ أنَّ عِندَه من ينافِقُ عليه، ولا يأمَنُه على نَفْسِه.
ومنها: أنَّه رأى الخوارجَ أحاطوا بأطرافِه، وعَلِمَ أنَّه إن اشتغل بحَربِ مُعاويةَ استولى الخوارجُ على البلادِ، وإن اشتغل بالخوارجِ استولى عليها معاويةُ.
ومنها: أنَّه تذكَّر وَعْدَ جَدِّه الصَّادِقِ عندَ كُلِّ أحدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في قَولِه: ((إنَّ ابني هذا لسَيِّدٌ، ولعَلَّ اللهَ أن يُصلِحَ به بينَ فِئتَينِ عَظيمَتينِ مِنَ المُسلِمين )) [2167] رواه البخاري (2704) من حديث أبي بكرة رَضِيَ اللهُ عنه. ، وإنَّه لَمَّا سار الحَسَنُ إلى معاويةَ بالكتائِبِ في أربعينَ ألفًا، وقَدِمَ قَيسُ بنُ سَعدٍ بعَشَرةِ آلافٍ، قال عَمْرُو بنُ العاصِ لِمُعاويةَ: إنِّي أرى كتيبًة لا تُولِّي أُولاها حتى تُدبِرَ أُخراها، فقال مُعاويةُ لعَمرٍو: مَن لي بذراريِّ المُسلِمين؟!... فصالحَه، فنَفَذ الوَعدُ الصَّادِقُ في قَولِه: ((إنَّ ابني هذا سَيِّدٌ، ولعَلَّ اللهَ أن يُصلِحَ به بين فِئتينِ عظيمتينِ مِنَ المُسلِمينَ )) [2168] رواه البخاري (7109) باختلافٍ يسيرٍ مِن حَديثِ أبي بكرة رَضِيَ اللهُ عنه. [2169] يُنظر: ((أحكام القرآن)) (4/ 151). .
وقال ابنُ كثير: (نزَلَ عن الخِلافةِ لمُعاويةَ في رَبيعٍ الأوَّلِ مِن سَنةِ إحدى وأربعينَ، وذلك كمالُ ثلاثينَ سنةً مِن مَوتِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فإنَّه توفِّي في ربيعٍ الأوَّلِ سَنةَ إحدى عَشْرةَ مِنَ الهِجرةِ، وهذا من أكبَرِ دلائِلِ النبُوَّةِ، وقد مدَحَه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على صنيعِه هذا، وهو تَرْكُه الدُّنيا الفانيةَ، ورَغبتُه في الآخِرةِ الباقيةِ، وحَقْنُه دماءَ هذه الأمَّةِ، فنَزَل عن الخِلافةِ، وجَعَل المُلْكَ بيَدِ مُعاويةَ؛ حتى تجتَمِعَ الكَلِمةُ على أميرٍ واحدٍ) [2170] يُنظر: ((البداية والنهاية)) (11/ 134). .

انظر أيضا: