الموسوعة العقدية

الفرعُ الثَّالِثُ: خِلافةُ عُثمانَ بنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عنه

أولًا: كيفيَّةُ توَلِّيه الخِلافةَ رَضِيَ اللهُ عنه
ورد في حديثِ عَمرِو بنِ مَيمونٍ الطَّويلِ تفاصيلُ حادِثةِ استِشهادِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه وقِصَّةِ أهلِ الشُّورى رَضِيَ اللهُ عنهم، وممَّا جاء فيه: (قالوا: أَوصِ يا أَميرَ المُؤمِنينَ، استَخلِفْ، قال: ما أجِدُ أحقَّ بهذا الأمرِ من هؤلاء النَّفَرِ -أو الرَّهطِ- الذين توفِّي رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو عنهم راضٍ، فسمَّى عليًّا، وعثمانَ، والزُّبَيرَ، وطلحةَ، وسعدًا، وعبدَ الرحمنِ. وقال: يَشهَدُكم عبدُ اللهِ بنُ عمرَ وليس له من الأمرِ شيءٌ، كهيئةِ التعزيةِ له، فإن أصابت الإمرةُ سعدًا فهو ذاك، وإلا فليستَعِنْ به أيُّكم ما أُمِّرَ؛ فإني لم أعزِلْه عن عَجزٍ ولا خيانةٍ.. فلما قُبِض خرَجْنا به فانطلَقْنا نمشي، فسلَّم عبدُ اللهِ بنُ عَمَرَ، قال: يستأذِنُ عمَرُ بن الخطَّابِ. قالت: أدخِلوه. فأُدخِلَ، فوُضِع هنالك مع صاحِبَيه، فلما فُرغ من دفنِه اجتمع هؤلاء الرَّهطُ، فقال عبدُ الرَّحمنِ: اجعَلوا أمْرَكم إلى ثلاثةٍ منكم. فقال الزُّبَيرُ: قد جعلتُ أمري إلى عليٍّ. فقال طلحةُ: قد جعلتُ أمري إلى عثمانَ. وقال سعدٌ: قد جعلتُ أمري إلى عبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ، فقال عبدُ الرَّحمنِ: أيُّكما تبرَّأ من هذا الأمرِ فنَجعَله إليه، واللهُ عليه والإسلامُ لينظرَنَّ أفضَلَهم في نفسِه؟ فأُسكتَ الشيخانِ، فقال عبدُ الرَّحمنِ: أفتجعَلونه إليَّ، واللهُ عليَّ أن لا آلوَ عن أفضَلِكم؟ قالا: نعم. فأخذ بيَدِ أحدِهما فقال: لك قرابةٌ من رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والقَدَمُ في الإسلامِ ما قد عَلِمتَ، فاللهُ عليكَ لئن أمَّرْتُك لتعدِلَنَّ، ولئن أمَّرتُ عثمانَ لتسمعَنَّ ولتطيعَنَّ. ثم خلا بالآخَرِ فقال له مِثلَ ذلك، فلمَّا أخذ الميثاقَ قال: ارفَعْ يدَك يا عثمانُ. فبايَعَه، فبايَعَ له عليٌّ، وولج أهلُ الدَّارِ فبايَعوه) [2104] رواه البخاري (3700). .
قال ابنُ كثيرٍ في جَعلِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه أمرَ تعيينِ الخليفةِ شورى بين أولئكَ السِّتَّةِ رَضِيَ اللهُ عنهم: (تحرَّج أن يجعَلَها لواحدٍ من هؤلاء على التَّعيينِ، وقال: «لا أتحمَّلُ أَمْرَهم حيًّا وميِّتًا، وإن يُرِدِ اللهُ بكم خيرًا يجمَعْكم على خيرِ هؤلاء، كما جمَعَكم على خيرِكم بعد نَبيِّكم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم» [2105] عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ الصَّحابةَ قالوا له: استخلِفْ، فقال: أتحمَّلُ أمْرَكم حيًّا وميتًا، لوَدِدْتُ أنَّ حَظِّي منها الكفافُ لا عَلَيَّ ولا لي، فإن أستَخلِفْ فقد استخلَفَ من هو خَيرٌ منِّي (يعني أبا بكرٍ)، وإن أترُكْكم فقد تركَكم من هو خيرٌ منِّي؛ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) قال عبدُ اللهِ: فعَرَفْتُ أنَّه حين ذكَرَ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غَيرُ مُستخلِفٍ. رواه مسلم (1823). . ومن تمامِ وَرَعِه لم يذكُرْ في الشُّورى سَعيدَ بنَ زَيدِ بنِ عَمرِو بنِ نُفَيلٍ؛ لأنَّه ابنُ عَمِّه، خَشِيَ أن يُراعَى فيُوَلَّى؛ لِكَونِه ابنَ عَمِّه؛ فلذلك تركَه وهو أحَدُ العشَرةِ المشهودِ لهم بالجَنَّةِ) [2106] يُنظر: ((البداية والنهاية)) (10/ 208). .
وعن المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (إنَّ الرَّهطَ الذين ولَّاهم عُمَرُ اجتمعوا فتشاوروا، قال لهم عبدُ الرَّحمنِ: لَسْتُ بالذي أنافِسُكم على هذا الأمرِ، ولكِنَّكم إن شِئْتُم اختَرْتُ لكم منكم، فجعلوا ذلك إلى عبدِ الرَّحمنِ، فلمَّا وَلَّوا عبدَ الرَّحمنِ أمْرَهم، فمال النَّاسُ على عبدِ الرَّحمنِ حتى ما أرى أحدًا من النَّاسِ يَتْبَعُ أولئك الرَّهطَ ولا يطَأُ عَقِبَه، ومال النَّاسُ على عبدِ الرَّحمنِ يُشاوِرونه تلك اللَّياليَ، حتى إذا كانت اللَّيلةُ التي أصبَحْنا منها فبايَعْنا عثمانَ، قال المِسْوَرُ: طرَقَني عبدُ الرَّحمنِ بَعْدَ هَجعٍ مِنَ اللَّيلِ، فضرب البابَ حتى استيقَظْتُ، فقال: أراك نائِمًا! فواللهِ ما اكتَحَلْتُ هذه الليلةَ بكبيرِ نَومٍ، انطَلِقْ فادْعُ الزُّبَيرَ وسَعدًا، فدَعَوتُهما له، فشاوَرَهما، ثم دعاني فقال: ادعُ لي عَلِيًّا، فدعوتُه، فناجاه حتى ابهارَّ اللَّيلُ [2107] (ابهارَّ اللَّيلُ، أي: انتصف... وقيل: ابهارَّ اللَّيلُ: إذا طلَعَت نجومُه واستنارت، والأوَّلُ أكثَرُ). يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (1/ 165). ، ثم قام عليٌّ مِن عندِه وهو على طَمَعٍ، وقد كان عبدُ الرَّحمنِ يخشى من عليٍّ شَيئًا، ثم قال: ادْعُ لي عُثمانَ، فدعَوْتُه، فناجاه حتى فرَّق بينهما المؤذِّنُ بالصُّبحِ، فلمَّا صلَّى للنَّاسِ الصُّبحَ، واجتمع أولئك الرَّهطُ عند المِنبَرِ، فأرسل إلى من كان حاضرًا من المهاجِرينَ والأنصارِ، وأرسل إلى أُمَراءِ الأجنادِ، وكانوا وافَوْا تلك الحَجَّةَ مع عُمَرَ، فلما اجتمعوا تشهَّد عبدُ الرَّحمنِ ثمَّ قال: أمَّا بَعْدُ، يا عليُّ، إني قد نظَرْتُ في أمرِ النَّاسِ فلم أَرَهم يَعْدِلون بعُثمانَ، فلا تجعَلَنَّ على نَفْسِك سبيلًا، وأخذ بيَدِ عُثمانَ فقال: أبايِعُك على سُنَّةِ اللهِ ورَسولِه والخليفتَينِ مِن بَعدِه، فبايَعَه عبدُ الرَّحمنِ، وبايعه النَّاسُ: المهاجِرون والأنصارُ، وأُمَراءُ الأجنادِ والمُسلِمون) [2108] رواه البخاري (7207). .
 قال ابنُ حَجَرٍ: (قَولُه: وقد كان عبدُ الرَّحمنِ يخشى من عليٍّ شيئًا، قال ابنُ هُبَيرةَ: أظنُّه أشار إلى الدُّعابةِ التي كانت في عليٍّ أو نَحوِها، ولا يجوزُ أن يُحمَلَ على أنَّ عبدَ الرَّحمنِ خاف من عليٍّ على نَفْسِه. قُلتُ: والذي يظهَرُ لي أنَّه خاف إن بايع لغيرِه أن لا يطاوِعَه، وإلى ذلك الإشارةُ بقَولِه فيما بَعْدُ: فلا تجعَلْ على نَفْسِك سبيلًا،... قولُه: وأرسَلَ إلى أمراءِ الأجنادِ، وكانوا وافَوا تلك الحَجَّةَ مع عُمَرَ، أي: قَدِموا إلى مكَّةَ فحَجُّوا مع عُمَرَ، ورافَقوه إلى المدينةِ، وهم مُعاويةُ أميرُ الشَّامِ، وعُمَيرُ بنُ سَعدٍ أميرُ حمصٍ، والمُغيرةُ بنُ شُعبةَ أميرُ الكوفةِ، وأبو موسى الأشعريُّ أميرُ البَصرةِ، وعَمْرُو بنُ العاصِ أميرُ مِصرَ... قولُه: أمَّا بَعدُ، زاد سعيدُ بنُ عامرٍ: فأعلن عبدُ الرَّحمنِ فحَمِدَ اللهَ وأثنى عليه ثمَّ قال: أمَّا بعدُ، يا عليُّ إني نظَرْتُ في أمرِ النَّاسِ فلم أرَهم يَعدِلون بعُثمانَ، أي: لا يجعَلون له مُساوِيًا، بل يُرَجِّحونه. قَولُه: فلا تجعَلَنَّ على نَفْسِك سبيلًا، أي: من الملامةِ إذا لم توافِقِ الجماعةَ، وهذا ظاهِرٌ في أنَّ عَبدَ الرَّحمنِ لم يتردَّدْ عند البَيعةِ في عُثمانَ، لكن قد تقدَّم في روايةِ عَمرِو بنِ مَيمونٍ التصريحُ بأنَّه بدأ بعَلِيٍّ فأخذ بيَدِه، فقال: لك قَرابةٌ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والقَدَمُ في الإسلامِ ما قد عَلِمْتَ، واللهُ عليك لَئِنْ أمَّرْتُك لتعدلَنَّ، ولَئِن أمَّرتُ عُثمانَ لتَسمعَنَّ ولتُطيعَنَّ، ثمَّ خلا بالآخَرِ فقال له مِثْلَ ذلك، فلمَّا أخذ الميثاقَ قال: ارفَعْ يَدَك يا عثمانُ، فبايَعَه، وبايَعَ له عليٌّ، وطريقُ الجَمعِ بينهما أنَّ عَمرَو بنَ مَيمونٍ حَفِظَ ما لم يحفَظْه الآخَرُ، ويحتَمِلُ أن يكونَ الآخَرُ حَفِظَه لكن طوى بعضُ الرُّواةِ ذِكْرَه، ويحتَمِلُ أن يكونَ ذلك وقع في اللَّيلِ لما تكلَّم معهما واحِدًا بعد واحدٍ، فأخذ على كُلٍّ منهما العَهْدَ والميثاقَ... قال ابنُ التِّين: وإنما قال لعليٍّ ذلك دونَ مَن سواه؛ لأنَّ غيرَه لم يكُنْ يَطمَعُ في الخِلافةِ مع وُجودِه ووجودِ عُثمانَ، وسكوتُ من حَضَر من أهلِ الشُّورى والمهاجِرينَ والأنصارِ وأُمَراءِ الأجنادِ دليلٌ على تصديقِهم عبدَ الرَّحمنِ فيما قال، وعلى الرِّضا بعُثمانَ) [2109] يُنظر: ((فتح الباري)) (13/ 197). .
قال ابنُ بطَّالٍ: (رأى أنَّ الاستخلافَ أضبَطُ لأمرِ المُسلِمين، وإن لم يوقِفِ الأمرَ على رجلٍ بعينِه، لكِنْ جعَلَه لِمُعَيَّنينَ لا يخرُجُ عنهم إلى سِواهم فكان نوعًا من أنواعِ الاستخلافِ والعَقدِ، وإنما فَعَل هذا عُمَرُ وتوسَّط حالةً بين حالتينِ خَشيةَ الفِتنةِ بَعْدَه، كما خُشِيَت بعد النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقتَ قَولِ الأنصارِ ما قالوا، فلذلك جَعَل عُمَرُ الأمرَ مَعقودًا موقوفًا على السِّتَّةِ؛ لئلَّا يترُكَ الاقتداءَ بالنَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في تَرْكِ الأمر إلى الشُّورى مع ما قام من الدَّليلِ على فَضْلِ أبي بكرٍ، وأخذ من فِعلِ أبي بكرٍ طرفًا آخَرَ، وهو العَقدُ لأحَدِ السِّتَّةِ ليَجمَعَ لِنَفْسِه فَضْلَ السُّنَّتَينِ) [2110] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) (8/ 283). .
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (أمَّا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه فرأى الأمرَ في السِّتةِ مُتقاربًا؛ فإنَّهم وإن كان لبَعْضِهم من الفَضيلةِ ما ليس لبَعضٍ، فلذلك المفضولِ مَزِيَّةٌ أخرى ليست للآخَرِ، ورأى أنَّه إذا عَيَّن واحدًا فقد يحصُلُ بولايتِه نوعٌ مِنَ الخَلَلِ، فيكونُ مَنسوبًا إليه، فتَرَك التعيينَ خوفًا من اللهِ تعالى، وعَلِمَ أنَّه ليس واحِدٌ أحَقَّ بهذا الأمرِ منهم، فجَمَع بين المصلَحَتينِ: بين تعيينِهم إذ لا أحقَّ منهم، وتَرْكِ تعيينِ واحدٍ منهم لِما تخوَّفه من التقصيرِ، واللهُ تعالى قد أوجب على العبدِ أن يفعَلَ المصلحةَ بحَسَبِ الإمكانِ، فكان ما فَعَله غايةَ ما يمكِنُ من المصلَحةِ، وإذا كان من الأمورِ أمورٌ لا يمكِنُ دَفْعُها فتلك لا تدخُلُ في التكليفِ، وكان كما رآه فعَلِمَ أنَّه إن ولى واحِدًا من السِّتَّةِ فلا بدَّ أن يحصُلَ نوعٌ من التأخُّرِ عن سيرةِ أبي بكرٍ وعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، وأن يحصُلَ بسَبَبِ ذلك مشاجَرةٌ كما جَبَل اللهُ على ذلك طِباعَ بني آدَمَ، وإن كانوا من أولياءِ اللهِ المتَّقِينَ، وذَكَر في كُلِّ واحدٍ مِنَ السِّتَّةِ الأمرَ الذي منَعَه من تعيينِه وتقديمِه على غيرِه، ثم إنَّ الصَّحابةَ اجتمعوا على عُثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه؛ لأنَّ وِلايتَه كانت أعظَمَ مَصلحةً، وأقَلَّ مَفسدةً من ولايةِ غَيرِه، والواجِبُ أن يُقَدَّم أكثَرُ الأمرينِ مَصلحةً، وأقلُّهما مَفسَدةً، وعُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه خاف أن يتقلَّدَ أمرًا يكونُ فيه ما ذُكِر، ورأى أنَّهم إذا بايعوا واحدًا منهم باختيارِهم حصلت المصلحةُ بحسَبِ الإمكانِ، وكان الفَرْقُ بين حالِ المحْيا وحالِ المماتِ أنَّه في الحياةِ يتولَّى أمرَ المُسلِمين، فيَجِبُ عليه أن يُوَلِّيَ عليهم أصلَحَ من يمكِنُه، وأمَّا بعد الموتِ فلا يجِبُ عليه أن يستخلِفَ مُعَيَّنًا، إذا كانوا يجتَمِعون على أمثَلِهم، كما أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لما عَلِمَ أنَّهم يجتَمِعون على أبي بَكرٍ استغنى بذلك عن كتابةِ الكتابِ الذي كان قد عَزَم على أن يَكتُبَه لأبي بكرٍ، وأيضًا فلا دليلَ على أنَّه يجِبُ على الخليفةِ أن يستخلِفَ بَعْدَه، فلم يترُكْ عُمَرُ واجبًا؛ ولهذا رُوجِعَ في استخلافِ المُعَيَّن، وقيل له: أرأيتَ لو أنَّك استرعَيتَ؟ فقال: إنَّ اللهَ تعالى لم يكُنْ يُضيِّعُ دِينَه ولا خِلافَتَه، ولا الذي بعث به نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإنْ عَجِلَ بي أمرٌ فالخِلافةُ شُورى بين هؤلاءِ السِّتَّةِ الذين تُوفِّيَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو عنهم راضٍ) [2111] يُنظر: ((منهاج السنة)) (6/ 147-149). .
ثانيًا: أحَقِّيَّةُ عُثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه بالخِلافةِ
 قال الآجُرِّيُّ: (أوَّلُ فضائِلِ عُثمانَ بنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عنه بعد الإيمانِ باللهِ عَزَّ وجَلَّ وبرَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ أكرمه بأنْ زَوَّجه بابنَتَي رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، واحِدةً بَعْدَ واحدةٍ، ولم يجمَعْ بين ابنَتَي نبيٍّ مُنذُ خَلَق اللهُ آدَمَ عليه السَّلامُ إلى يومِ القيامةِ إلَّا عثمانُ بنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عنه، فضيلةً أكرَمَه اللهُ عزَّ وجَلَّ بها مع الكَراماتِ الكثيرةِ، والمناقِبِ الجَميلةِ، والفَضائِلِ الحَسَنةِ، وبِشارةِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم له بالشَّهادةِ، وأنَّه يُقتَلُ مَظلومًا، وأمَرَه بالصَّبرِ، فصَبَر رَضِيَ اللهُ عنه حتى قُتِل، وحَقَن دِماءَ المُسلِمين) [2112] يُنظر: ((الشريعة)) (4/ 1937). .
وهناك طائِفةٌ مِنَ النُّصوصِ التي أشارت إلى خِلافةِ عُثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه؛ منها:
1- قَولُ اللهِ تعالى: قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ [الفتح: 16] .
قال ابنُ حَزمٍ: (ما دعا أولئك الأعرابَ أحَدٌ بَعْدَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى قومٍ يُقاِتلونَهم أو يُسْلِمون إلَّا أبو بكرٍ وعُمَرُ وعُثمانُ رَضِيَ اللهُ عنهم؛ فإنَّ أبا بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه دعاهم إلى قتالِ مُرتَدِّي العَرَبِ بني حَنيفةَ، وأصحابِ الأَسودِ وسَجاحٍ وطُلَيحةَ والرُّومِ والفُرْسِ وغيرِهم، ودعاهم عُمَرُ إلى قتالِ الرُّومِ والفُرْسِ، وعثمانُ دعاهم إلى قتالِ الرُّومِ والفُرْسِ والتُّركِ، فوجب طاعةُ أبي بكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ رَضِيَ اللهُ عنهم بنصِّ القُرآنِ الذي لا يحتَمِلُ تأويلًا، وإذ قد وَجَبت طاعتُهم فَرضًا فقد صَحَّت إمامَتُهم وخلافَتُهم رَضِيَ اللهُ عنهم) [2113] يُنظر: ((الفصل)) (4/ 89). .
2- عن عَبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رجلًا أتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: إني رأيتُ اللَّيلةَ في المنامِ ظُلَّةً تَنطُفُ السَّمنَ والعَسَلَ، فأرى النَّاسَ يتكفَّفون منها: فالمُستكثِرُ والمُستَقِلُّ، وإذا سبَبٌ واصِلٌ من الأرضِ إلى السَّماءِ، فأراك أخَذْتَ به فعَلَوتَ، ثم أخذ به رجلٌ آخَرُ فعلَا به، ثم أخذ به رجُلٌ آخَرُ فَعَلَا به، ثم أخذ به رجلٌ آخَرُ فانقَطَع ثم وُصِلَ. فقال أبو بكرٍ: يا رسولَ اللهِ -بأبي أنت- واللهِ لَتَدَعَنِّي فأَعْبُرَها، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((اعْبُرْها))، قال: أمَّا الظُّلَّةُ فالإسلامُ، وأمَّا الذي ينطُفُ من العَسَلِ والسَّمنِ فالقرآنُ، حلاوتُه تَنطُفُ، فالمُستكثِرُ من القرآنِ والمُستَقِلُّ، وأمَّا السَّبَبُ الواصِلُ من السَّماءِ إلى الأرضِ فالحَقُّ الذي أنت عليه تأخُذُ به فيُعْليك اللهُ، ثم يأخُذُ به رجلٌ فيعلو به، ثم يأخذُ به رجلٌ آخَرُ فيعلو به، ثم يأخُذُ به رجلٌ آخَرُ فينقَطِعُ به، ثم يُوصَلُ له فيعلو به، فأخبِرْني يا رسولَ اللهِ -بأبي أنت- أصَبْتُ أم أخطَأْتُ؟ قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أصَبْتَ بعضًا وأخطَأْتَ بعضًا)) قال: فواللهِ يا رَسولَ اللهِ لَتُحَدِّثَنِّي بالذي أخطَأْتُ. قال: ((لا تُقْسِمْ)) [2114] رواه البخاري (7046)، ومسلم (2269) واللَّفظُ له. .
 قال المظهري: (الرَّجُلُ الذي يأخُذُ الحَبْلَ بعد النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ يقومُ بالحَقِّ في أمَّتِه بَعْدَه، ثم يقومُ بالحَقِّ بَعْدَه عُمَرُ، ثمَّ يقومُ بالحَقِّ بعده عُثمانُ، وهو الذي انقطَعَ به... ومعنى كتمانِ النَّبِيِّ مَوضِعَ الخطأِ؛ لئلَّا يحزَنَ النَّاسُ بالعارِضِ لعُثمانَ، فهو الرَّابعُ الذي انقطع له ثمَّ وُصِل، أي: وَصَلت الخِلافةُ لغَيرِه) [2115] يُنظر: ((المفاتيح في شرح المصابيح)) (5/ 114). .
3- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يا عُثْمانُ؛ إنَّه لعَلَّ اللهَ يُقَمِّصُك قَميصًا، فإن أرادوك على خَلْعِه فلا تخلَعْه لهم )) [2116] أخرجه الترمذي (3705) واللَّفظُ له، وابن ماجه (112) باختلاف يسير، وأحمد (25162) مطولًا. صَحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (6915)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (3705)، والوادعي على شرط مسلم في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1647)، وحَسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (25162)، وقال الترمذي: حسَنٌ غريبٌ. .
 قال ابنُ المَلِكِ الرُّوميُّ الحنفيُّ: (أي: يُلبِسُك قميصًا، أراد منه الخِلافةَ هنا. ((فإن أرادوك على خَلْعِه فلا تخلَعْه لهم))، يعني: إنَّ اللهَ تعالى سيجعَلُك خليفةً؛ فإنَّ النَّاسَ إن قصدوا عَزْلَك عنها فلا تَعزِلْ نَفْسَك عنها لأجْلِهم؛ فلهذا كان عُثْمانُ ما عَزَل نَفْسَه حين حاصروه يومَ الدَّارِ) [2117] يُنظر: ((شرح المصابيح)) (6/ 433). .
4- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ادْعُوا لي بَعْضَ أصحابي، قُلتُ: أبو بَكرٍ؟ قال: لا. قُلْتُ: عُمَرُ؟ قال: لا. قُلتُ: ابنُ عَمِّك عَليٌّ؟ قال: لا. قالت: قُلتُ: عُثْمانُ؟ قال: نعم، فلمَّا جاء قال: تنَحَّيْ. فجَعَل يُسارُّه ولَونُ عُثْمانَ يتغَيَّرُ! فلمَّا كان يومُ الدَّارِ وحُصِرَ فيها، قُلْنا: يا أميرَ المؤمنينَ ألا تُقاتِلُ؟ قال: لا، إنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَهِدَ إليَّ عَهدًا، وإنِّي صابِرٌ نَفْسي عليه)) [2118] أخرجه من طُرُقٍ: ابن ماجه (113)، وأحمد (24253) واللَّفظُ له. صَحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (6918)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (113)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1608)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (24253). !
وعن أبي سَهلةَ قال: قال لي عُثْمانُ يومَ الدَّارِ: إنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد عَهِدَ إليَّ عهدًا، فأنا صابِرٌ عليه [2119] أخرجه الترمذي (3711)، وابن ماجه بعد حديث (113)، وأحمد (407). صححه الترمذي، وابن حبان في ((صحيحه)) (6918)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (3711)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1608)، وصحح إسناده أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (1/202)، وحسنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (407). .
قال صِدِّيق حَسَن خان: (دلَّ الحديثُ على صِحَّةِ خِلافَتِه، فمن أنكر خلافَتَه ولم يَرَه من أهلِ الجَنَّةِ والشُّهداءِ، وأساء الأدَبَ فيه باللِّسانِ أو الجَنانِ؛ فهو خارجٌ عن دائرةِ الإيمانِ وحَيِّزِ الإسلامِ) [2120] يُنظر: ((الدين الخالص)) (3/304). .
5- عن عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((كُنَّا في زَمَنِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا نَعدِلُ بأبي بكرٍ أحدًا، ثمَّ عُمَرَ، ثمَّ عُثْمانَ، ثمَّ نترُكُ أصحابَ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا نفاضِلُ بينهم )) [2121] رواه البخاري (3697). .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (فهذا إخبارُ عمَّا كان عليه الصَّحابةُ على عَهدِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من تفضيلِ أبي بكرٍ، ثُمَّ عُمَرَ، ثمَّ عُثْمانَ، وقد رُوِيَ أنَّ ذلك كان يبلُغُ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فلا يُنكِرُه، وحينئذٍ فيكونُ هذا التفضيلُ ثابتًا بالنَّصِّ، وإلَّا فيكونُ ثابتًا بما ظَهَر بين المهاجِرينَ والأنصارِ على عَهْدِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من غيرِ نكيرٍ، وبما ظَهَر لَمَّا توفِّي عُمَرُ، فإنَّهم كُلَّهم بايَعوا عُثْمانَ بنَ عَفَّانَ مِن غَيرِ رَغبةٍ ولا رَهبةٍ، ولم ينكِرْ هذه الوِلايةَ مُنكِرٌ منهم) [2122] يُنظر: ((منهاج السنة)) (6/ 153). .
ثالِثًا: انعِقادُ الإجماعِ على خِلافَتِه رَضِيَ اللهُ عنه
أجمع أصحابُ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على أنَّ عُثْمانَ بنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عنه أحَقُّ النَّاسِ بخِلافةِ النبُوَّةِ بعد عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه، ولم يخالِفْ أو يعارِضْ في هذا أحدٌ.
وقد نَقَل هذا الإجماعَ عَدَدٌ مِن أهلِ العِلمِ.
1- عن شَريكِ بنِ عَبدِ اللهِ القاضي قال: (قُبِضَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فاستخلف المُسلِمون أبا بكرٍ، فلو عَلِموا أنَّ فيهم أحدًا أفضَلَ منه كانوا قد غَشُّوا، ثُمَّ استخلف أبو بكرٍ عُمَرَ، فقام بما قام به مِنَ الحَقِّ والعَدْلِ، فلمَّا احتُضِر جَعَل الأمرَ شُورى بين سِتَّةٍ، فاجتَمَعوا على عُثْمانَ، فلو عَلِموا أنَّ فيهم أفضَلَ منه كانوا قد غَشُّونا) [2123] يُنظر: ((ميزان الاعتدال)) للذهبي (2/273). .
2- قال أحمَدُ بنُ حَنبَلٍ: (لم يجتَمِعوا على بَيعةِ أحَدٍ ما اجتَمَعوا على بَيعةِ عُثْمانَ) [2124] يُنظر: ((منهاج السنة)) لابن تيمية (6/ 154). .
3- قال أبو الحَسَنِ الأشعَريُّ: (ثَبَتَت إمامةُ عُثْمانَ رَضِيَ اللهُ عنه بعد عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه بعَقدِ مَن عَقدَ له الإمامةَ مِن أصحابِ الشُّورى الذين نصَّ عليهم عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه، فاختاروه ورَضُوا بإمامَتِه، وأجمعوا على فَضْلِه وعَدْلِه) [2125] يُنظر: ((الإبانة)) (ص: 257). .
4- قال أبو نُعَيمٍ الأصبهانيُّ: (اجتمع أهلُ الشُّورى، ونظروا فيما أمَرَهم اللهُ به مِنَ التَّوفيقِ، وأبدَوا أحسَنَ النَّظَرِ والحياطةِ والنَّصيحةِ للمُسلِمين، وهم البَقِيَّةُ مِنَ العَشَرةِ المشهودِ لهم بالجنَّةِ، واختاروا بعد التشاوُرِ والاجتهادِ في نصيحةِ الأمَّةِ والحِياطةِ لهم عُثْمانَ بنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عنه؛ لِمَا خَصَّه اللهُ به من كَمالِ الخِصالِ الحَميدةِ، والسَّوابِقِ الكريمةِ، وما عَرَفوا من عِلْمِه الغزيرِ وحِلْمِه الكبيرِ، ولم يختَلِفْ على ما اختاروه وتشاوَروا فيه أحَدٌ، ولا طَعَن فيما اتَّفَقوا عليه طاعِنٌ، فأسرعوا إلى بَيعَتِه، ولم يتخلَّفْ عن بَيعَتِه من تخلَّفَ عن أبي بكرٍ، ولا سَخِطَها مُتسَخِّطٌ، بل اجتَمَعوا عليه راضِينَ به، مجيبينَ له) [2126] يُنظر: ((تثبيت الإمامة وترتيب الخلافة)) (ص: 299). .
5- قال أبو عُثْمانَ الصَّابونيُّ مُبَيِّنًا عقيدةَ السَّلَفِ وأصحابِ الحديثِ في ترتيبِ الخِلافةِ بَعْدَ أن ذَكَر أنَّهم يقولون أولًا بخِلافةِ الصِّدِّيقِ ثُمَّ عُمَرَ: (ثمَّ خِلافةُ عُثْمانَ رَضِيَ اللهُ عنه بإجماعِ أهلِ الشُّورى، وإجماعِ الأصحابِ كافَّةً، ورِضاهم به، حتى جُعِل الأمرُ إليه) [2127] يُنظر: ((عقيدة السلف وأصحاب الحديث)) (ص: 292). .
6- قال ابنُ تَيميَّةَ: (عُثْمانُ لم يَصِرْ إمامًا باختيارِ بَعْضِهم، بل بمُبايَعةِ النَّاسِ له، وجميعُ المُسلِمينَ بايَعوا عُثْمانَ بنَ عَفَّانَ ولم يتخَلَّفْ عن بيعَتِه أحَدٌ،... فلمَّا بايعه ذَوُو الشَّوكةِ والقُدرةِ صار إمامًا، وإلَّا فلو قُدِّرَ أنَّ عبدَ الرَّحمنِ بايَعَه ولم يبايِعْه عليٌّ ولا غيرُه من الصَّحابةِ أهلِ الشَّوكةِ، لم يَصِرْ إمامًا، ولكِنَّ عُمَرَ لَمَّا جعَلَها شورى في سِتَّةٍ: عُثْمانَ، وعَلِيٍّ، وطَلحةَ، والزُّبَيرِ، وسَعدٍ، وعَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ، ثُمَّ إنَّه خرج طلحةُ والزُّبَيرُ وسَعدٌ باختيارِهم، وبقي عُثْمانُ وعليٌّ وعبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ، واتَّفَق الثَّلاثةُ باختيارِهم على أنَّ عبدَ الرَّحمنِ بنَ عَوفٍ لا يتولَّى، ويُوَلِّي أحدَ الرَّجُلَينِ، وأقام عبدُ الرَّحمنِ ثلاثًا حلَفَ أنَّه لم يغتَمِضْ فيها بكَبيرِ نَومٍ يُشاوِرُ السَّابِقينَ الأوَّلين والتَّابعينَ لهم بإحسانٍ، ويُشاوِرُ أُمَراءَ الأمصارِ، وكانوا قد حَجُّوا مع عُمَرَ ذلك العامَ، فأشار عليه المُسلِمون بولايةِ عُثْمانَ، وذَكَر أنهم كُلَّهم قدَّموا عُثْمانَ فبايَعوه، لا عن رَغبةٍ أعطاهم إيَّاها، ولا عن رَهبةٍ أخافهم بها؛ ولهذا قال غيرُ واحدٍ مِنَ السَّلَفِ والأئمَّةِ؛ كأيُّوبَ السَّختيانيِّ، وأحمَدَ بنِ حَنبَلٍ، والدَّارقُطنيِّ، وغَيرِهم: من لم يُقَدِّمْ عُثْمانَ على عليٍّ فقد أزرى بالمهاجِرينَ والأنصارِ، وهذا من الأدِلَّةِ الدَّالَّةِ على أنَّ عُثْمانَ أفضَلُ؛ لأنَّهم قَدَّموه باختيارِهم واشتِوارِهم) [2128] يُنظر: ((منهاج السنة النبوية)) (1/ 532-534). .
وقال ابنُ كثيرٍ: (ما يَذكُرُه كَثيرٌ مِنَ المؤرِّخينَ، كابنِ جَريرٍ وغَيرِه، عن رِجالٍ لا يُعرَفونَ مِن أنَّ عَلِيًّا قال لعبدِ الرَّحمنِ: خدَعْتَني، وإنَّك إنَّما وَلَّيْتَه لأنَّه صِهْرُك ولِيُشاوِرَك كُلَّ يومٍ في شأنٍ، وأنَّه تلكَّأ حتَّى قال له عبدُ الرَّحمَنِ: فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [الفتح: 10] . إلى غيرِ ذلك من الأخبارِ المُخالِفةِ لِما ثبت في الصِّحاحِ، فهي مردودةٌ على قائِلِيها وناقِلِيها. واللهُ أعلَمُ. والمظنونُ بالصَّحابةِ خِلافُ ما يَتوَهَّمُ كثيرٌ مِن جَهَلةِ الرَّافِضةِ وأغبياءِ القُصَّاصِ الذين لا تمييزَ عِنْدَهم بين صحيحِ الأخبارِ وضَعيفِها، ومُستَقيمِها وسَقيمِها، وشاذِّها وقويمِها، واللهُ الموفِّقُ للصَّوابِ) [2129] يُنظر: ((البداية والنهاية)) (10/213). .

انظر أيضا: