الموسوعة العقدية

المبحثُ الأوَّلُ: من عَقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ في الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم وُجوبُ مَحَبَّتِهم

مِن عَقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ وُجوبُ مَحَبَّةِ أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. وقَد دَلَّتْ عَلى ذلك نُصوصٌ كثيرةٌ؛ مِنها:
1- قَولُ اللهِ تعالى: وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ في قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [الحشر: 10] .
قال القُرطُبيُّ: (هَذِه الآيةُ دَليلٌ عَلى وُجوبِ مَحَبَّةِ الصَّحابةِ؛ لأنَّه جَعَل لِمَن بَعدَهم حَظًّا في الفَيءِ ما أقاموا عَلى مَحَبَّتِهِم ومُوالاتِهِم والاستِغفارِ لهم، وأنَّ من سَبَّهم أو واحِدًا مِنهم أوِ اعتَقَدَ فيه شِرًّا أنَّه لا حَقَّ لهُ في الفَيءِ، رُوِيَ ذلك عن مالِكٍ وغَيرِه، قال مالِكٌ: من كانَ يُبغِضُ أحَدًا من أصحابِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أو كانَ في قَلبِه عليهِم غِلٌّ، فلَيسَ لهُ حَقٌّ في فَيءِ المُسْلِمينَ، ثُمَّ قَرَأ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ الآية) [1789] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (18/32). .
وقال الشَّوكانيُّ: (المُرادُ بالأُخُوَّةِ هُنا أُخُوَّةُ الدِّينِ، أمرَهمُ اللهُ أن يَستَغفِروا لأنفُسِهِم ولِمَن تَقَدَّمَهم مِنَ المُهاجِرينَ والأنصارِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا للَّذِينَ آمَنُوا أي: غِشًّا وبُغضًا وحَسدًا. أمرَهم اللهُ سُبحانَه بَعدَ الِاستِغفارِ للمُهاجِرينَ والأنصارِ أن يَطلُبوا مِنَ اللهِ سُبحانَه أن يَنزِعَ من قُلوبِهِمُ الغِلَّ للَّذينِ آمَنوا عَلى الإطلاقِ، فيَدخُلُ في ذلك الصَّحابةُ دُخولًا أوَّليًّا لكَونِهِم أشرَفَ المُؤمِنينَ، ولِكَونِ السِّياقِ فيهِم، فمَن لم يَستَغفِرْ للصَّحابةِ عَلى العُمومِ ويَطلُبْ رِضوانَ اللهِ لهم فقد خالَفَ ما أمرَهُ اللهُ به في هَذِه الآيةِ، فإنْ وَجَدَ في قَلبِه غِلًّا لهم، فقَد أصابَهُ نَزغٌ مِنَ الشَّيطانِ، وحَلَّ به نَصيبٌ وافِرٌ من عِصيانِ اللهِ بعِداوةِ أوليائِه وخَيرِ أمَّةِ نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وانفَتَحَ لهُ بابٌ مِنَ الخِذلانِ يَفِدُ به عَلى نارِ جَهنَّمَ إن لم يَتَدارَكْ نَفسَهُ باللُّجوءِ إلى اللهِ سُبحانَه والاستِغاثةِ به بأن يَنزِعَ عن قَلبِه ما طَرَقَه مِنَ الغِلِّ لخَيرِ القُرونِ وأشرَفِ هَذِه الأمَّةِ، فإنْ جاوَز ما يَجِدُهُ مِنَ الغِلِّ إلى شَتمِ أحَدٍ مِنهم، فقَدِ انقادَ للشَّيطانِ بزِمامٍ ووَقَعَ في غَضَبِ اللهِ وسَخَطِه، وهَذا الدَّاءُ العُضالُ إنَّما يُصابُ به مَنِ ابتُلِيَ بمُعلِّمٍ مِنَ الرَّافِضةِ، أو صاحِبٍ من أعداءِ خَيرِ الأمَّةِ الَّذينَ تَلاعَبَ بهِمُ الشَّيطانُ، وزَيَّن لهمُ الأكاذيبَ المُختَلَقةَ والأقاصيصَ المُفتَراةَ والخُرافاتِ المَوضوعةَ، وصَرفَهم عن كِتابِ اللهِ الَّذي لا يَأتيه الباطِلُ من بين يَدَيه ولا من خَلفِه، وعن سُنَّةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المَنقولةِ إلَينا برِواياتِ الأئِمَّةِ الأكابِرِ في كُلِّ عَصرٍ مِنَ العُصورِ، فاشتَرَوا الضَّلالةَ بالهُدى، واستَبدَلوا الخُسرانَ العَظيمَ بالرِّبحِ الوافِرِ، وما زالَ الشَّيطانُ الرَّجيمُ يَنقُلُهم من مَنزِلةٍ إلى مَنزِلةٍ، ومِن رُتبةٍ إلى رُتبةٍ، حَتَّى صاروا أعداءَ كِتابِ اللَّهِ، وسُنَّةِ رَسولِه، وخَيرِ أمَّتِه، وصالِحِي عِبادِه، وسائِرِ المُؤمِنينَ، وأهمَلوا فرائِضَ اللَّه، وهَجَروا شَعائِرَ الدِّينِ، وسَعَوا في كَيدِ الإسلامِ وأهلِه كُلَّ السَّعيِ، ورَمَوا الدِّينَ وأهلَهُ بكُلِّ حَجَرٍ ومَدَرٍ، واللهُ من ورائِهِم مُحيطٌ!) [1790] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (5/ 240). .
2- عنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهما عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال في الأنصارِ: ((لا يُحِبُّهم إلَّا مُؤْمِنٌ، ولا يُبغِضُهم إلَّا مُنافِقٌ، من أحَبَّهم أحَبَّه اللهُ، ومَن أبغَضَهم أبغَضَه اللهُ )) [1791] رواه البخاري (3783)، ومسلم (75) واللَّفظُ له. .
وعن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((آيةُ الإيمانِ حُبُّ الأنصارِ، وآيةُ النِّفاقِ بُغْضُ الأنصارِ )) [1792] رواه البخاري (17) واللَّفظُ له، ومسلم (74). .
وعن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قال: ((والَّذي فلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأ النَّسَمةَ إنَّهُ لعَهِدَ النَّبيُّ الأمِّيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَيَّ ألَّا يُحِبَّني إلَّا مُؤْمِنٌ ولا يُبغِضَني إلَّا مُنافِقٌ )) [1793] رواه مسلم (78). .
قال النَّوَويُّ: (مَن عَرَفَ مَرتَبةَ الأنصارِ وما كانَ مِنهم في نُصرةِ دينِ الإسلامِ والسَّعيِ في إظهارِه وإيواءِ المُسْلِمينَ وقيامِهِم في مُهِمَّاتِ دينِ الإسلامِ حَقَّ القيامِ وحُبِّهِمُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وحُبِّه إيَّاهُم وبَذْلِهم أموالَهم وأنفُسَهم بَينَ يَدَيه وقِتالِهِم ومُعاداتِهِم سائِرَ النَّاسِ إيثارًا للإسلامِ، وعَرَفَ مِن عليِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه قُربَه من رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وحُبَّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لهُ وما كانَ مِنهُ في نُصرةِ الإسلامِ وسَوابِقَهُ فيه، ثُمَّ أحَبَّ الأنصارَ وعَلِيًّا؛ لهَذا كانَ ذلك من دَلائِلِ صِحَّةِ إيمانِه وصِدْقِه في إسلامِه لسُرورِه بظُهورِ الإسلامِ والقيامِ بما يُرضي اللهَ سُبحانَه وتعالى ورَسولَهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومَن أبغَضَهم كانَ بضِدِّ ذلك واستُدِلَّ به عَلى نِفاقِه وفَسادِ سَريرَتِه. واللهُ أعلَمُ) [1794] يُنظر: ((شرح مسلم)) (2/ 64). .
وقال العَينيُّ شارِحًا قَولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((آيةُ الإيمانِ حُبُّ الأنصارِ، وآيةُ النِّفاقِ بُغْضُ الأنصارِ )): (المَقصودُ مِنَ الحَديثِ الحَثُّ عَلى حُبِّ الأنصارِ وبَيانُ فَضْلِهِم؛ لِما كانَ مِنهم من إعزازِ الدِّينِ، وبَذْلِ الأموالِ والأنفُسِ، والإيثارِ عَلى أنفُسِهِم، والإيواءِ والنَّصرِ وغَيرِ ذلك، قالوا: وهَذا جارٍ في أعيانِ الصَّحابةِ كالخُلفاءِ وبَقيَّةِ العَشَرةِ والمُهاجِرينَ، بَل في كُلِّ الصَّحابةِ؛ إذ كُلُّ واحِدٍ مِنهم لهُ سابِقةٌ وسالِفةٌ وغَناءٌ في الدِّين وأثَرٌ حَسَنٌ فيه، فحُبُّهم لذلك المَعنى مَحْضُ الإيمانِ، وبُغْضُهم مَحْضُ النِّفاقِ) [1795] يُنظر: ((عمدة القاري)) (1/ 152). .
ومن أقوالِ أهلِ العِلْمِ في مَحَبَّةِ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
1- قال عَبدُ الصَّمَدِ بنُ يَزيدَ: (سَمِعْتُ الفُضَيلَ بنَ عِياضٍ يَقولُ: «حُبُّ أصحابِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذُخْرٌ أدِّخِرُه، ثُمَّ قال: رَحِمَ اللهُ من تَرحَّم عَلى أصحابِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإنَّما يَحسُنُ هَذا كُلُّهُ بحُبِّ أصحابِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم».
وسَمِعتُ فُضَيلًا يَقولُ: قال ابنُ المُبارَكِ: «خَصْلَتانِ مَن كانَتا فيه: الصِّدقُ وحُبُّ أصحابِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أرجو أن يَنجوَ ويَسلَمَ») [1796] يُنظر: ((الشريعة)) للآجري (4/ 1688). .
2- قال الطَّحاويُّ: (ونُحِبُّ أصحابَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا نُفْرِطُ في حُبِّ أحَدٍ مِنهم، ولا نَتَبَرَّأُ من أحَدٍ مِنهم، ونُبغِضُ مَن يُبغِضُهم، وبِغَيرِ الخَيرِ يَذكُرُهم، ولا نَذكُرُهم إلَّا بخَيرٍ، وحُبُّهم دينٌ وإيمانٌ وإحسانٌ، وبُغْضُهم كُفرٌ ونِفاقٌ وطُغيانٌ) [1797] يُنظر: ((متن الطحاوية)) (ص: 81). .
3- قال ابنُ بَطَّةَ: (ويُحِبُّ جَميعَ أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَلى مَراتِبِهِم ومَنازِلِهِم أوَّلًا فأوَّلًا: من أهلِ بَدرٍ والحُدَيبيَةِ وبيعةِ الرِّضوانِ وأُحُدٍ، فهَؤُلاءِ أهلُ الفَضائِلِ الشَّريفةِ، والمَنازِلِ المُنيفةِ، الَّذينَ سَبَقَت لهمُ السَّوابِقُ، رَحمَهم اللهُ أجمَعينَ) [1798] يُنظر: ((الإبانة الصغرى)) (ص: 297). .
4- قال ابنُ أبي زَمنين: (مِن قَولِ أهْلِ السُّنَّةِ أن يَعتَقِدَ المَرءُ المَحَبَّةَ لأصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأن يَنشُرَ مَحاسِنَهم وفَضائِلَهم، ويُمسِكَ عنِ الخَوضِ فيما دارَ بَينَهم. وقَد أثنى اللهُ عَزَّ وجَلَّ في غَيرِ مَوضِعٍ من كِتابِه ثَناءً أوجَبَ التَّشريفَ إلَيهِم بمَحَبَّتِهِم والدُّعاءِ لهم) [1799] يُنظر: ((أصول السنة)) (ص: 263). .
5- قال البَيهَقيُّ: (ويَدخُلُ في جُملةِ حُبِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حُبُّ أصحابِه؛ لأنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ أثنى عليهِم ومَدحَهم فقال: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح: 29] الآيةُ، وقال: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح: 18] ، وقال: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [التوبة: 100] الآية، وقال: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال: 74] ، فإذا نَزَلوا هَذِه المَنزِلةَ استَحَقُّوا عَلى جَماعةِ المُسْلِمينَ أن يُحِبُّوهم، ويَتَقَرَّبوا إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ بمَحَبَّتِهِم؛ لأنَّ اللهَ تعالى إذا رَضِيَ عن أحَدٍ أحَبَّه، وواجِبٌ عَلى العَبدِ أن يُحِبَّ مَن يُحِبُّهُ مَولاه) [1800] يُنظر: ((شعب الإيمان)) (3/ 88). .
وقال أيضًا: (إذا ظَهَرَ أنَّ حُبَّ الصَّحابةِ مِنَ الإيمانِ، فحُبُّهم أن يَعتَقِدَ فضائِلَهم، ويَعتَرِفَ لهم بها، ويَعرِفَ لكُلِّ ذي حَقٍّ مِنهم حَقَّه، ولِكُلِّ ذي غَناءٍ في الإسلامِ مِنهم غَناءَهُ، ولِكُلِّ ذي مَنزِلةٍ عِندَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَنزِلَتَه، ويَنشُرَ مَحاسِنَهم، ويَدعوَ بالخَيرِ لهم، ويَقتَديَ بما جاءَ في أبوابِ الدِّينِ عنهم، ولا يَتَّبِعَ زَلَّاتِهم وهَفَواتِهِم، ولا يَتَعَمَّدَ تَهجينَ أحَدٍ مِنهم بَبَثِّ ما لا يَحْسُنُ عنه، ويَسكُتَ عَمَّا لا يَقَعُ ضَرورةٌ إلى الخَوضِ فيه فيما كانَ بَينَهم. وباللَّهِ التَّوفيقُ) [1801] يُنظر: ((شعب الإيمان)) (3/ 94). .
6- جاءَ في الِاعتِقادِ القادِريِّ: (يَجِبُ أن يُحِبَّ الصَّحابةَ من أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كُلَّهُم، ونَعلَمُ أنَّهم خَيرُ الخَلقِ بَعدَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنَّ خَيرَهم كُلِّهم وأفضَلَهم بَعدَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ، ثُمَّ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، ثُمَّ عُثمانُ بنُ عَفَّانَ، ثُمَّ عليُّ بنُ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهم، ويَشهَدَ للعَشَرةِ بالجَنَّةِ، ويَتَرَحَّمَ عَلى أزواجِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومَن سَبَّ عائِشةَ فلا حَظَّ لهُ في الإسلامِ، ولا يَقولَ في مُعاويةَ إلَّا خَيرًا، ولا يَدخُلَ في شَيءٍ شَجَرَ بَينَهم، ويَتَرَحَّمَ عَلى جَماعَتِهِم. قال اللهُ تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر: 10] ، وقال فيهِم: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر: 47] ) [1802] يُنظر: ((الاعتقاد القادري)) (ص: 248). .
7- قال ابنُ تيميَّةَ في اعتِقادِ أهلِ السُّنَّةِ: (يَتَبَرَّؤونَ من طَريقةِ الرَّوافِضِ الَّذينَ يُبغِضونَ الصَّحابةَ ويَسُبُّونَهم، وطَريقةِ النَّواصِبِ الَّذينَ يُؤذُونَ أهلَ البَيتِ بقَولٍ أو عَمَلٍ) [1803] يُنظر: ((العقيدة الواسطية)) (ص: 119). .
8- قال عَبدُ الرَّزَّاقِ عَفيفي: (اعلَمْ أنَّ أهلَ السُّنَّةِ والجَماعةِ يُحِبُّونَ أصحابَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ويُثنونَ عليهِم ويَتَرَضَّونَ عنهم، كما أثنى اللهُ عليهِم وتَرضَّى عنهم... يَرى أهلُ السُّنَّةِ أنَّ حُبَّ الصَّحابةِ دينٌ وإيمانٌ وإحسانٌ لكَونِه امتِثالًا للنُّصوصِ الوارِدةِ في فضلِهِم، وأنَّ بُغْضَهُم نِفاقٌ وضَلالٌ؛ لكَونِه مُعارِضًا لذلك، ومَعَ ذلك فهم لا يَتَجاوَزونَ الحَدَّ في حُبِّهِم أو في حُبِّ أحَدٍ مِنهم؛ لقَولِه تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ [المائدة: 77] ، ولا يُخطِّئونَ أحَدًا مِنهم، ولا يَتَبَرَّؤونَ مِنهُ؛ ولِهَذا ورَدَ عن جَماعةٍ مِنَ السَّلَفِ؛ كأبي سَعيدٍ الخُدْريِّ والحَسَنِ البَصْريِّ، وإبراهيمَ النَّخعيِّ، أنَّهم قالوا: الشَّهادةُ بِدْعةٌ، والبَراءةُ بِدعةٌ، ومَعنى ذلك أنَّ الشَّهادةَ عَلى مُسْلِمٍ مُعَيَّنٍ أنَّه كافِرٌ أو من أهلِ النَّارِ بدونِ دَليلٍ يُرشِدُ إلى الحُكمِ عليه بذلك: بِدعةٌ، وأنَّ البَراءةَ من بَعضِ الصَّحابةِ بِدْعةٌ) [1804] يُنظر: ((فتاوى ورسائل سماحة الشيخ عبد الرزاق عفيفي - قسم العقيدة)) (ص: 320-322). .
9- قال ابنُ باز: (مِن عَقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ مَحَبَّةُ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم جَميعًا والتَّرضِّي عنهم) [1805] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (5/ 156). .
10- قال ابنُ عُثيمين: (الدَّليلُ عَلى وُجوبِ مَحَبَّةِ الصَّحابةِ قَولُهُ تعالى: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا [الحشر: 10] ، ووَجهُ ذلك أنَّهم سَألوا اللهَ أن يَتَخَلَّوا من هَذا الغِلِّ الَّذي يَكونُ في القُلوبِ، وهَذا يَقتَضي وُجوبَ المَحَبَّةِ، والأحاديثُ كثيرةٌ،... ومِنها قَولُهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((والَّذي نَفسي بيَدِه لا يَذوقُ أحَدٌ حَلاوةَ الإيمانِ.. وذَكَرَ مِنها: ((أن يُحِبَّ المَرءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا للهِ )) [1806] أخرجه البخاري (6041) بلفظ: ((.. لا يجد حلاوة الإيمان..)) من حديثِ أنس بن مالك رضي الله عنه. .
ونُشهِدُ اللهَ عَزَّ وجَلَّ عَلى مُحَبَّتِه، ونُشهِدُ اللهَ عَزَّ وجَلَّ عَلى مَحَبَّةِ إمامِنا وإمامِهم مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فالمَحَبَّةُ أوَّلًا وآخِرًا كُلُّها للرَّسولِ، ونَحنُ لم نُحِبَّ هَؤُلاءِ إلَّا بمَحَبَّةِ الرَّسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وإلَّا لكانوا من رِجالاتِ قُرَيشٍ ولَيسَ لهم فَضلٌ، لكِن لِمَحَبَّةِ الرَّسولِ لهُ فإنَّنا نُحِبُّهم، ثُمَّ إنَّ مَحبَّتَنا للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أيضًا تابِعةٌ لمَحَبَّةِ اللهِ؛ لأنَّ المَحَبَّةَ الأُولى والأخيرةَ، والنِّهايةَ والبِدايةَ، كُلُّها للهِ عَزَّ وجَلَّ) [1807] يُنظر: ((شرح العقيدة السفارينية)) (ص: 600). .
 وقال أيضًا: (نحن نتبرَّأُ من طريقةِ هؤلاء الرَّوافِضِ الذين يَسُبُّون الصَّحابةَ ويُبغِضونَهم، ونَعتَقِدُ أنَّ محبَّتَهم فَرْضٌ، وأنَّ الكَفَّ عن مَساوِئِهِم فَرْضٌ، وقُلوبُنا -وللهِ الحَمدُ- مَملوءةٌ من مَحَبَّتِهم؛ لِما كانوا عليه مِنَ الإيمانِ والتَّقوى، ونَشْرِ العِلمِ ونُصرةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
قَولُهُ يَعني ابنَ تيميَّةَ: «وطَريقةِ النَّواصِبِ الَّذينَ يُؤذُونَ أهلَ البَيتِ بقَولٍ أو عَمَلٍ». يَعني: يَتَبَرَّأ أهلُ السُّنَّةِ والجَماعةِ من طَريقةِ النَّواصِبِ. وهَؤُلاءِ عَلى عَكسِ الرَّوافِضِ الَّذينَ يَغْلُونَ في آلِ البَيتِ حَتَّى يُخرِجوهم عن طَورِ البَشَريَّةِ إلى طَورِ العِصْمةِ والوِلايةِ. أمَّا النَّواصِبُ فقابَلوا البِدعةَ ببِدعةٍ، فلَمَّا رَأوا الرَّافِضةَ يَغلونَ في آلِ البَيتِ قالوا: إذًا نُبغِضُ آلَ البَيتِ ونَسُبُّهم؛ مُقابَلةً لهَؤُلاءِ في الغُلُوِّ في مَحَبَّتِهِم والثَّناءِ عليهِم، ودائِمًا يَكونُ الوَسَطُ هو خَيرَ الأمورِ، ومُقابَلةُ البِدعةِ ببِدعةٍ لا تَزيدُ البِدعةَ إلَّا قُوَّةً) [1808] ينُظر: ((شرح العقيدة الواسطية)) (2/ 283 - 285). .

انظر أيضا: