الموسوعة العقدية

الفرعُ الخامسُ: فَضْلُ أبي عُبَيدةَ بنِ الجَرَّاحِ رَضِيَ اللهُ عنه

لهُ مَناقِبُ كثيرةٌ تَضمَّنَتْها عِدَّةُ أحاديثَ؛ مِنها:
1- عن أَنَسِ بن مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ لكُلِّ أمَّةٍ أمينًا، وإنَّ أمينَنا -أيَّتُها الأمَّةُ- أبو عُبيدةَ بنُ الجَرَّا حِ)) [1771] رواه البخاري (3744)، ومسلم (2419). .
قال ابنُ حَجَرٍ: (الأمينُ هو الثِّقةُ الرَّضِيُّ، وهَذِه الصِّفةُ وإن كانَت مُشتَرَكةً بَينَهُ وبَينَ غَيرِه لكِنَّ السِّياقَ يُشعِرُ بأنَّ لهُ مَزيدًا في ذلك، لكِنْ خَصَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كُلَّ واحِدٍ مِنَ الكِبارِ بفَضيلةٍ ووَصفَه بها، فأشعَرَ بقَدْرٍ زائِدٍ فيها عَلى غَيرِه؛ كالحَياءِ لعُثمانَ، والقَضاءِ لعَلِيٍّ، ونَحوِ ذلك) [1772] يُنظر: ((فتح الباري)) (7/ 93). .
وعن حُذَيفةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأهلِ نَجرانَ: ((لأبعَثَنَّ عليكم -يَعني- أمينًا حَقَّ أمينٍ))، فأشرَفَ أصحابُه، فبَعثَ أبا عُبَيدةَ رَضِيَ اللهُ عنه [1773] رواه البخاري (3745) واللَّفظُ له، ومسلم (2420). .
 قال ابنُ هُبَيرةَ: (في هَذا الحَديثِ أنَّ الرَّجُلَ قَد يَكونُ أمينًا ولا يَكونُ حَقَّ أمينٍ، فقَولُهُ ((حَقَّ أمين)) يَعني أنَّه حَقيقٌ بالأمانةِ مُبالِغٌ فيها. وقَولُه: «فاستَشرَفَ النَّاسُ لها» أي: رَفعوا رُؤوسَهم يَنظُرونَ مَنِ المَخصوصُ بهَذِه الصِّفةِ كالمُتَعَجِّبينَ، ولَم يَكُنْ هَذا مِنهم رَغبةً في حَملِ الأمانةِ، ولَكِنْ رَغبةً في صِفةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) [1774] يُنظر: ((الإفصاح)) (2/ 216). .
وقال ابنُ باز في تَعليقِه عَلى هَذا الحَديثِ: (مَنقَبةٌ عَظيمةٌ لأبي عُبَيدةَ، وهَذا أصلٌ في إرسالِ السُّفَراءِ إلى بلادِ الكُفَّارِ) [1775] يُنظر: ((الحلل الإبريزية)) (3/ 322). .
وعن أنسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((إنَّ أهْلَ اليَمَنِ قَدِموا عَلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالوا: ابعَثْ مَعنا رَجُلًا يُعَلِّمُنا السُّنَّةَ والإسلامَ، قال: فأخذَ بيَدِ أبي عُبَيدةَ، فقال: هَذا أمينُ هَذِه الأمَّةِ )) [1776] رواه مسلم (2419). .
 قال الطِّيبيُّ: (قَولُه: ((أمينُ هَذِه الأمَّةِ)) أي: هو الثِّقةُ المَرضيُّ، والأمانةُ المُشتَرَكةُ بَينَهُ وبَينَ غَيرِه مِنَ الصَّحابةِ، لكِنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَصَّ بَعضَهم بصِفاتٍ غَلَبَت عليه، وكانَ بها أخَصَّ) [1777] يُنظر: ((شرح المشكاة)) (12/ 3892). .
2- من مَناقِبِه رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه كانَ أحَدَ مَن يَصلُحُ للخِلافةِ.
عنِ ابنِ أبي مُلَيكةَ قال: سَمِعتُ عائِشةَ وسُئِلَتْ: من كانَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُستَخلِفًا لوِ استَخلَفَهُ؟ قالت: أبو بَكْرٍ، فقيلَ لها: ثُمَّ مَن بَعدَ أبي بَكْرٍ؟ قالت: عُمَرُ، ثُمَّ قيلَ لها: من بَعْدَ عُمَرَ؟ قالت: أبو عُبَيدةَ بنُ الجَرَّاحِ، ثُمَّ انتَهَت إلى هَذا [1778] رواه مسلم (2385). .
 قال عِياضٌ: (قَولُ عائِشةَ بَعدَ ذِكرِ عُمَرَ: «ثُمَّ أبو عُبَيدةَ بنُ الجرَّاحِ» إنَّما أخبَرَت عن ظَنِّها في ذلك لا عن خَبرٍ روَتْه عنه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، فلا حُجَّةَ فيه في تَقديمِه وتَفضيلِه عَلى عُثمانَ وعَليٍّ، وأيضًا فإنَّ التَّقديمَ للخِلافةِ ليسَ من شَرطِه تَقديمُ الأفضَلِ، بَل الِاعتِبارُ عِندَ المُحَقِّقينَ الأصلَحُ للحالِ والأَولى بالوَقتِ، إمَّا للحاجةِ لشَجاعَتِه ومُنَّتِه، أو لكَثرةِ عِلمِه ووُفورِ مَعرِفَتِه، أو لأنَّه أكثَرُ قَبولًا ومَحبَّةً عِندَ رَعيَّتِه، أو حَذارَ شَغبٍ يَتَشَغَّبُ لتَقديمِ الأفضَلِ، وفِتنةٍ تَحدُثُ) [1779] يُنظر: ((إكمال المعلم)) (7/ 388). .
3- ومِن مَناقِبِه رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه كانَ واحِدًا من أحَبِّ النَّاسِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
عن عَبدِ اللهِ بنِ شَقيقٍ قال: قُلتُ لعائِشةَ: أيُّ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانَ أحَبَّ إلَيه؟ قالت: أبو بَكْرٍ، قُلتُ: ثُمَّ مَن؟ قالت: ثُمَّ عُمَرُ، قُلتُ: ثُمَّ مَن؟ قالت: ثُمَّ أبو عُبيدةَ بنُ الجَرَّاحِ، قُلتُ: ثُمَّ مَن؟ فسَكَتَت [1780] رواه الترمذي (3657) واللَّفظُ له، وابن ماجه (102)، وأحمد (25829). صحَّحه الترمذي، والذهبي في ((تاريخ الإسلام)) (3/108)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (3657)، والوادعي على شرط مسلم في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1643). .
قال العِراقيُّ في شَرحِ هَذا الحَديثِ: (في الصَّحيحِ أنَّ أبا بَكْرٍ يَومَ السَّقيفةِ دَعا إلى البَيعةِ إلى عُمَرَ أو إلى أبي عُبَيدةَ [1781] رواه البخاري (6830). ، ووَلَّاهُ عُمَرُ الشَّامَ، وفَتحَ اللهُ عَلى يَدِه اليَرْموكَ) [1782] يُنظر: ((طرح التثريب)) (1/ 134). .
4- ومِن مَناقِبِه شَهادةُ النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لهُ بالجَنَّةِ ضِمْنَ جَماعةٍ مِنَ الصَّحابةِ.
عن عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ عَوفٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أبو بَكْرٍ في الجَنَّةِ، وعُمرُ في الجَنَّةِ، وعُثمانُ في الجَنَّةِ، وعَليٌّ في الجَنَّةِ، وطَلْحةُ في الجَنَّةِ، والزُّبَيْرُ في الجَنَّةِ، وعَبدُ الرَّحمَنِ بنُ عَوفٍ في الجَنَّةِ، وسَعدٌ في الجَنَّةِ، وسَعيدٌ في الجَنَّةِ، وأبو عُبيدةَ بنُ الجَرَّاحِ في الجَنَّةِ)) [1783] رواه الترمذي (3747) واللَّفظُ له، وأحمد (1675). صحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (7002)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (3747)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (3/136)، وشعيب الأرناؤوط على شرط مسلم في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (7002). .

انظر أيضا: