الموسوعة العقدية

المطلبُ الرَّابعُ: فَضْلُ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه

قَد ورَدَتُ في فضائِلِ عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه أحاديثُ كثيرةٌ.
قال أحمَدُ بنُ حَنبَلٍ: (ما رُوِي في فضائِلِ أَحَدٍ من أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالأسانيدِ الصِّحاحِ ما رُوِيَ عن عليِّ بنِ أبي طالِبٍ) [1687] يُنظر: ((طبقات الحنابلة)) لأبي يعلى (2/ 120). .
1- من فضائِلِه رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه برزَ مَعَ حَمزةَ وعُبَيدةَ لخُصَمائِهِم يَومَ بَدرٍ.
عن قَيسِ بنِ عَبَّادٍ قال: سَمِعتُ أبا ذَرٍّ يُقسِمُ قَسَمًا إنَّ: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ [الحَج: 19] إنَّها نَزَلَت في الَّذينَ بَرَزوا يَومَ بَدْرٍ: حَمزةُ، وعَليٌّ، وعُبَيدةُ بنُ الحارِثِ، وعُتْبةُ وشَيبةُ ابنا رَبيعةَ، والوَليدُ بنُ عُتبةَ [1688] رواه البخاري (3969)، ومسلم (3033) واللَّفظُ له. .
 قال ابنُ حَجَرٍ: (لم يَقَع في هَذِه الرِّوايةِ تَفصيلُ المُبارِزينَ، وذَكرَ ابنُ إسحاقَ أنَّ عُبيدةَ بنَ الحارِثِ وعُتبةَ بنَ رَبيعةَ كانا أسنَّ القَومِ، فبَرزَ عُبيدةُ لعُتبةَ، وحَمزةُ لشَيبةَ، وعَليٌّ للوَليدِ، وعِندَ مُوسى بنِ عُقبةَ: برزَ حَمزةُ لعُتبةَ، وعُبيدةُ لشَيبةَ، وعَليٌّ للوَليدِ، ثُمَّ اتَّفَقا، فقَتَلَ عليٌّ الوَليدَ، وقَتلَ حَمزةُ الَّذي بارَزَه، واختَلَفَ عُبَيدةُ ومَن بارَزَه بضَرْبَتينِ فوقَعَتِ الضَّربةُ في رُكبةِ عُبَيدةٌ فماتَ مِنها لَمَّا رَجَعوا بالصَّفراءِ، ومالَ حَمزةُ وعَليٌّ إلى الَّذي بارَزَ عُبيدةَ فأعاناهُ عَلى قَتلِه) [1689] يُنظر: ((فتح الباري)) (7/ 297). .
2- من فضائِلِه رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ اللهَ تعالى جَعلَ فتحَ خَيبَرَ عَلى يَدَيه بَعدَ قَتلِه لفارِسِهم مَرْحَبٍ.
عن سَلَمةَ بنِ الأكوَعِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((لَمَّا قَدِمْنا خَيبَرَ خَرجَ مَلِكُهم مَرْحَبٌ يَخطِرُ بسَيفِه، ويَقولُ: قَد عَلِمَتْ خَيبَرُ أنِّي مَرْحَبُ... شاكي السِّلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ. إذا الحُروبُ أقبَلَت تَلهَّبُ. قال: وبَرزَ لهُ عَمِّي عامِرٌ، فقال: قَد عَلِمَتْ خَيبَرُ أنِّي عامِرُ... شاكي السِّلاحِ بَطَلٌ مُغامِرُ. قال: فاختَلَفا ضَربَتينِ، فوَقَعَ سَيفُ مَرْحَبٍ في تُرْسِ عامِرٍ، وذَهَبَ عامِرٌ يَسفُلُ لهُ، فرَجَعٌ سَيفُهُ عَلى نَفسِه، فقَطَعَ أكحَلَهُ، فكانَت فيها نَفسُهُ. قال سَلَمةُ: فخَرَجتُ، فإذا نَفَرٌ من أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولونَ: بَطَلَ عَمَلُ عامِرٍ؛ قَتلَ نَفسَه! قال: فأتيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنا أبَكي، فقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، بَطَلَ عَمَلُ عامِرٍ؟ قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: من قال ذلك؟ قال: قُلتُ: ناسٌ من أصحابِكَ. قال: كَذَبَ من قال ذلك، بَل لهُ أجرُهُ مَرَّتينِ، ثُمَّ أرسَلَني إلى عَليٍّ وهوَ أرمَدُ، فقال: لأعطينَّ الرَّايةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ ورَسولَهُ، أو يُحِبُّهُ اللهُ ورَسولُهُ، قال: فأتيتُ عَلِيًّا، فجِئْتُ به أقودُهُ وهوَ أرمَدُ، حَتَّى أتيتُ به رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فبَسَق في عَينَيه فبَرَأ، وأعطاهُ الرَّايةَ، وخَرجَ مَرْحَبٌ، فقال: قَد عَلِمَتْ خَيبَرُ أنِّي مَرْحَبُ... شاكي السِّلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ. إذا الحُروبُ أقبَلَت تَلَهَّبُ. فقال عَليٌّ: أنا الَّذي سَمَّتْني أمِّي حَيدَرَهْ... كلَيْثِ غاباتٍ كَرِيهِ المَنْظَرَهْ. أُوفِيهِم بالصَّاعِ كَيْلَ السَّندَرَهْ [1690] قال ابنُ الأثير: (في حديثِ عَليٍّ: أَكيلُكم بالسَّيفِ كَيْلَ السَّنْدَرَه، أي: أقتُلُكم قَتلًا واسِعًا ذَريعًا. السَّنْدَرة: مكيالٌ واسِعٌ. قيل: يحتمَلُ أن يكونَ اتُّخِذَ من السَّنْدرةِ، وهي شَجرةٌ يُعمَلُ منها النَّبْلُ والقِسِيُّ). ((النهاية)) (2/ 408). . قال: فضَربَ رَأسَ مَرْحَبٍ فقَتلَه، ثُمَّ كانَ الفَتحُ عَلى يَدَيه)) [1691] رواه مسلم (1807) مطولًا. .
3- مِن فضائِلِ عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه كانَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في مَنزِلةِ هارونَ من موسى عليهِما السَّلامُ في الِاستِخلافِ؛ فموسى استَخلَفَ هارونَ في مُدَّةِ الميعادِ، ومُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم استَخلَفَ عَلِيًّا في غَزوةِ تَبوكَ.
عن سَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَرجَ إلى تَبُوكَ، واستَخلَفَ عَلِيًّا، فقال: أتُخَلِّفُني في الصِّبيانِ والنِّساءِ؟! قال: ((ألا تَرضى أن تَكونُ مِنِّي بمَنزِلةِ هارونَ من موسى إلَّا أنَّه ليسَ نَبيٌّ بَعْدي )) [1692] رواه البخاري (4416) واللَّفظُ له، ومسلم (2404). .
 قال الخَطَّابي: (هَذا إنَّما قالهُ رَضِيَ اللهُ عنه حينَ خَرَجَ إلى تَبُوكَ، فلَمْ يَستَصحِبْه، فقال: «تُخَلِّفُني مَعَ الذُّرِّيَّةِ» فضَربَ لهُ المِثَلَ باستِخلافِ مُوسى هارونَ عَلى بني إسرائيلَ حينَ خَرَجَ إلى الطُّورِ، ولَم يُرِدْ به الخِلافةَ بَعدَ المَوتِ، فإنَّ المَضروبَ به المَثَلُ -وهوَ هارونُ- كانَ مَوتُهُ قَبلَ وفاةِ موسى صَلَواتُ الله عليهِما، وإنَّما كانَ خَليفَتَهُ في حَياتِه في وقتٍ خاصٍّ، فليَكُنْ كذلك الأمرُ فيمِن ضُرِبَ لهُ المَثَلُ به) [1693] يُنظر: ((أعلام الحديث)) (3/ 1637). .
 قال عِياضٌ: (فيه من فضائِلَ عَليٍّ ومَنزِلَتِه ما لا يَحُطُّ من مَنزِلةِ غَيرِه، ولَيسَ في قَولِه هَذا دَليلٌ عَلى استِخلافِه بَعدَهُ؛ لأنَّه إنَّما قال لهُ حينَ استَخلَفَهُ عَلى المَدينةِ في غَزْوةِ تَبُوكَ، فقال لهُ ذلك لا لاستِخلافِه بَعدَهُ، بدَليلِ أنَّ هارونَ الَّذي يُستَشهَدُ به لم يَكُن خَليفةً بَعدَ موسى، وإنَّما مات في حَياتِه، وقَبلَ مَوتِ موسى بنَحوِ أربَعينَ سَنةً، عَلى ما قال أهْلُ الخَبَرِ، إنَّما استَخلَفَهُ موسى حينَ ذَهَبَ لِمُناجاةِ رَبِّه، فقال له: اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي كما نَصَّ اللهُ تعالى) [1694] يُنظر: ((إكمال المعلم)) (7/ 412). .
 وقال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (قَدِ استَدَلَّ بهَذا الحَديثِ الرَّوافِضُ والإماميَّةُ وسائِرُ فِرَقِ الشِّيعةِ: عَلى أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم استَخلَفَ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عنه عَلى جَميعِ الأمَّةِ... وعَلى الجُملةِ فلا حُجَّةَ لأحَدٍ مِنهم في هَذا الحَديثِ، فإنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنَّما استَنابَه في أمرٍ خاصٍّ وفي وقتٍ خاصٍّ، كما استَنابُ مُوسى هارونَ عليهِما السَّلامُ في وقتٍ خاصٍّ، فلَمَّا رَجَعَ موسى عليه السَّلامُ من مَناجاتِه، عادَ هارونُ إلى أوَّلِ حالاتِه، عَلى أنَّه قَد كانَ هارونُ شَرِكَ مَعَ موسى في أصلِ الرِّسالةِ، فلا تَكونُ لهم فيما راموهُ دَلالةٌ. وغايةُ هَذا الحديثِ أن يَدُلَّ عَلى أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنما استخلَف عليًّا رَضِيَ اللهُ عنه عَلى المَدينةِ فقَط، فلَمَّا رَجَعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من تَبُوكَ قَعدَ مَقعَدَه، وعادَ عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه إلى ما كانَ عليه قَبلُ. وهَذا كما استَخلَفَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَلى المَدينةِ ابنَ أمِّ مَكتومٍ وغَيرَه، ولا يَلزَمُ من ذلك استِخلافُهُ دائِمًا بالِاتِّفاقِ) [1695] يُنظر: ((المفهم)) (6/ 273). .
4- مِن فضائِلَ عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه مَحَبَّةُ اللهِ تعالى لهُ وعُلُوُّ مَنزِلَتِه عِندَ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
عن سَهلِ بنِ سَعدٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال يَومَ خَيبَرَ: ((لأعطينَّ هَذِه الرَّايةَ غَدًا رَجُلًا يَفتَحُ اللهُ عَلى يَدَيه، يُحِبُّ اللهَ ورَسولَهُ ويُحِبُّهُ اللهُ ورَسولُهُ. قال: فباتَ النَّاسُ يَدوكونَ [1696] قال ابن حجر: (قوله: "يدوكون"... أي: باتوا في اختلاطٍ واختلافٍ، والدوكةُ -بالكاف- الاختلاطُ) ((فتح الباري)) (7/ 477). ليلتَهُم أيُّهم يُعطاها، فلَمَّا أصبَحَ النَّاسُ غَدَوا عَلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كُلُّهم يَرجو أن يُعطاها، فقال: أينَ عليُّ بنُ أبي طالِبٍ؟ فقيلَ: هو يا رَسولَ اللهِ يَشتَكي عَينَيه، قال: فأرسِلوا إلَيه. فأُتيَ به، فبَصقَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في عَينَيه ودَعا لهُ فبَرَأَ حَتَّى كأنْ لم يَكُنْ به وجَعٌ، فأعطاهُ الرَّايةَ فقال عَليٌّ: يا رَسولَ اللهِ أقاتِلُهم حَتَّى يَكونوا مِثلَنا، فقال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: انفُذْ عَلى رِسلِكَ حَتَّى تَنزِلَ بساحَتِهِم، ثُمَّ ادْعُهم إلى الإسلامِ وأخبِرْهم بما يَجِبُ عليهِم من حَقِّ اللهِ تعالى فيه، فواللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بكَ رَجُلًا واحِدًا خَيرٌ لكُ من أن تَكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ )) [1697] رواه البخاري (4210) واللَّفظُ له، ومسلم (2406). .
وعن سَلَمةَ بنِ الأكوَعِ نَحْوُه مُختَصَرًا [1698] رواه البخاري (3702)، ومسلم (2407) ولفظ البخاري: عن سلمة قال: كان عليٌّ قد تخلَّف عن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في خيبر، وكان به رمدٌ، فقال: أنا أتخلَّفُ عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟! فخرج عليٌّ فلحق بالنبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلما كان مساء الليلة التي فتحها الله في صباحها قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لأعطينَّ الرايَةَ -أو ليأخذَنَّ الرَّايةَ- غدًا رجًلا يحبُّه الله ورسوله -أو قال: يحب اللهَ ورسولَه - يفتح الله عليه، فإذا نحن بعليٍّ وما نرجوه، فقالوا: هذا عليٌّ، فأعطاه رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ففتح الله عليه. .
 قال ابنُ حَجَرٍ: (إنَّ عَلِيًّا يُحِبُّ اللهَ ورَسولَهُ ويُحِبُّهُ اللهُ ورَسولُهُ، أرادَ بذلك وُجودَ حَقيقةِ المَحَبَّةِ، وإلَّا فكُلُّ مُسْلِمٍ يَشتَرِكُ مَعَ عَليٍّ في مُطلَقِ هَذِه الصِّفةِ، وفي الحَديثِ تَلميحٌ بقَولِه تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ فكَأنَّه أشارَ إلى أنَّ عَلِيًّا تامُّ الِاتِّباعِ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَتَّى اتَّصَفَ بصِفةِ مَحَبَّةِ اللهِ لهُ، ولِهَذا كانَت مَحَبَّتُه عَلامةَ الإيمانِ وبُغْضُه عَلامةَ النِّفاقِ) [1699] يُنظر: ((فتح الباري)) (7/ 72). .
وعن أبي حازِمٍ أنَّ رَجُلًا جاءَ إلى سَهلِ بنِ سَعدٍ فقال: هَذا فُلانٌ، لأميرِ المَدينةِ، يَدعو عَلِيًّا عِندَ المِنبَرِ. قال: ماذا يَقولُ لهُ؟ قال: يَقولُ أبو تُرابٍ! فضَحِكَ وقال: واللهِ ما سَمَّاهُ إلَّا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وما كانَ لهُ اسمٌ أحَبَّ إلَيه مِنهُ، فاستَطَعَمتُ الحَديثَ سَهلًا، وقُلتُ: يا أبا العَبَّاسِ كيفَ؟ قال: ((دَخلَ عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه عَلى فاطِمةَ، ثُمَّ خَرجَ فاضطَجَعَ في المَسجِدِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أينَ ابنُ عَمِّكِ؟ قالت: في المَسجِدِ، فخَرجَ فوجَدَ رِداءَهُ قَد سَقَطَ عن ظَهرِه، وخَلَصَ إلى ظَهرِه، فجَعلَ يَمسَحُ التُّرابَ عن ظَهرِه، فيَقولُ: اجلِسْ يا أبا تُرابٍ، مَرَّتينِ )) [1700] رواه البخاري (3703) واللَّفظُ له، ومسلم (2409). .
 قال العَينيُّ: (فيه دَلالةٌ عَلى فضيلةِ عَليٍّ رَضيَ اللهُ تعالى عنه، وعُلُوِّ مَنزِلَتِه عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وذلك لأنَّه مَشى إلَيه ودَخلَ المَسجِدَ ومَسحَ التُّرابَ عن ظَهرِه واستَرضاهُ تَلطُّفًا به؛ لأنَّه كانَ وقَعَ بَينَ عَليٍّ وفاطِمةَ شَيءٌ؛ فلِذلك خَرَجَ إلى المَسجِدِ واضطَجَعَ فيه) [1701] يُنظر: ((عمدة القاري)) (16/ 216). .
وعن سَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: أمَّا ما ذكَرْتُ ثَلاثًا قالهُنَّ لهُ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فلَن أسُبَّهُ، لأن تَكونَ لي واحِدةٌ مِنهُنَّ أحَبُّ إليَّ مِن حُمْرِ النَّعَمِ. سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ له: خَلَّفَهُ في بَعضِ مَغازيه فقال لهُ عَليٌّ: يا رَسولَ اللهِ، خَلَّفْتَني مَعَ النِّساءِ والصِّبيانِ؟ فقال لهُ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أمَا تَرضى أن تَكونَ مِنِّي بمَنزِلةِ هارونَ من موسى، إلَّا أنَّه لا نُبُوَّةَ بَعْدي، وسَمِعتُهُ يَقولُ يَومَ خَيبَرَ: لأُعطِينَّ الرَّايةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ ورَسولَهُ، ويُحِبُّهُ اللهُ ورَسولُهُ. قال: فتَطاوَلْنا لها فقال: ادعُوا لي عَلِيًّا. فأُتِيَ به أرمَدَ، فبَصَقَ في عينِه ودَفعَ الرَّايةَ إلَيه، ففَتَحَ اللهُ عليه، ولَمَّا نَزَلَت هَذِه الآيةُ: فَقُلْ تَعَالَوا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ [آل عِمرانَ: 61] دَعا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَلِيًّا وفاطِمةَ وحَسَنًا وحُسَينًا، فقال: اللَّهُمَّ هَؤُلاءِ أهلي)) [1702] رواه البخاري (3706) مختصرًا، ومسلم (2404) واللَّفظُ له. .
وعن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((والَّذي فلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمةَ، إنَّهُ لعَهِدَ النَّبيُّ الأمِّيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَيَّ ألَّا يُحِبَّني إلَّا مُؤمِنٌ، ولا يُبغِضَني إلَّا مُنافِقٌ )) [1703] رواه مسلم (78). .
 قال ابنُ هُبَيرةَ: (في هَذا الحَديثِ مِنَ الدَّليلِ أنَّ حُبَّ عليٍّ إيمانٌ، وبُغْضَه نِفاقٌ، وفيه دَليلٌ عَلى أنَّ الرَّجُلَ يَصدَعُ بالحَقِّ وإن كانَ فيه ثَناءٌ عَلى نَفسِه من غَيرِ جُبنٍ عن ذلك، ولا سيَّما إذا وقَعَ الجَهْلُ من أهلِ الشَّكِّ، كما ذَكَرَ عُثمانُ رَضِيَ اللهُ عنه عن نَفسِه من فضلِه لَمَّا ارتابَ الجاهِلونَ بفَضلِه) [1704] يُنظر: ((الإفصاح)) (1/ 284). .
وقال عياضٌ: (مَن حَقَّقَ مَكانَ عَليٍّ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وحُبَّهُ لهُ وغَناهُ في الإسلامِ وسَوابِقَه، أحَبَّهُ إن كانَ مُؤْمِنًا مُحِبًّا في النَّبيِّ وآلِه، وإن كانَ بخِلافِ ذلك أبغَضَهُ بفَضلِ بُغْضِه للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأهْلِ مِلَّتِه) [1705] يُنظر: ((إكمال المعلم)) (1/ 335). .
5- من فضائِلِ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ أنَّه كانَ من أشهَرِ كُتَّابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهوَ الَّذي كَتَبَ صُلْحَ الحُدَيبيَةِ [1706] رواه مسلم (1784) عن أنس (أنَّ قريشًا صالحوا النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيهم سُهَيلُ بنُ عمرو. فقال النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعليٍّ: اكتُبْ بسم اللهِ الرحمنِ الرحيمِ. قال سهيلٌ: أما باسمِ اللهِ فما ندري ما بسمِ اللهِ الرحمن الرحيم، ولكن اكتُبْ ما نعرف: باسمك اللهُمَّ. فقال: اكتب من محمَّدٍ رسولِ الله. قالوا: لو عَلِمْنا أنك رسول الله لاتبعناك، ولكن اكتُب اسمك واسم أبيك، فقال النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اكتُبْ من محمَّدِ بنِ عبد اللهِ. فاشترطوا على النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن من جاء منكم لم نردَّه عليكم، ومن جاءكم منا رددتموه علينا. فقالوا: يا رسول الله أنكتُبُ هذا؟ قال: نعم. إنَّه من ذهب منا إليهم فأبعده الله، ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجًا ومخرجًا). .
وعن مَعْمَرٍ قال: سَألتُ الزُّهريَّ: مَن كانَ كاتِبَ الكِتابِ يَومَ الحُدَيبيَةِ؟ فضَحِكَ وقال: هو عَليٌّ، ولَو سَألْتَ هَؤُلاءِ قالوا: عُثمانَ، يَعني بني أمَيَّةَ [1707] رواه الإمام أحمد في ((فضائل الصحابة)) (1002). .

انظر أيضا: