الموسوعة العقدية

المطلبُ الثَّالِثُ: من واجِباتِ الإمامِ: القيامُ بالأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عنِ المُنكَرِ

قال ابنُ تَيمِيَّةَ: (إنَّ اللهَ تعالى أوجَبَ الأمرَ بالمَعروفِ والنَّهيَ عنِ المُنكَرِ، ولا يَتِمُّ ذلك إلَّا بقوَّةٍ وإمارةٍ، وكَذلك سائِرُ ما أوجَبه من الجِهادِ والعَدْلِ وإقامةِ الحَجِّ والجُمَعِ والأعيادِ، ونَصرِ المَظلومِ وإقامةِ الحُدودِ، لا تَتِمُّ إلَّا بالقوَّةِ والإمارةِ) [1369] يُنظر: ((السياسة الشرعية)) (ص: 129). .
وقال أيضًا: (إذا كان جِماعُ الدِّينِ وجَميعِ الوِلاياتِ هو أمرٌ ونَهيٌ؛ فالأمرُ الَّذي بَعثَ اللَّهُ به رَسولَه هو الأمرُ بالمَعروفِ، والنَّهيُ الَّذي بَعثَهُ به هو النَّهيُ عنِ المُنكَرِ، وهذا نَعْتُ النَّبيِّ والمُؤمِنين، كما قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة: 71] ، وهذا واجِبٌ على كُلِّ مُسلِمٍ قادِرٍ، وهو فرضٌ على الكِفايةِ، ويَصيرُ فرضَ عَينٍ على القادِرِ الَّذي لم يَقُم به غَيرُه، والقُدرةُ هو السَّلطانُ والوِلايةُ، فذَوُو السُّلطانِ أقدَرُ من غَيرِهم، وعليهم من الوُجوبِ ما لَيسَ على غَيرِهم؛ فإنَّ مَناطَ الوُجوبِ هو القُدرةُ، فيَجِبُ على كُلِّ إنسانٍ بحَسَبِ قُدرَتِه، قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ.
وجَميعُ الوِلاياتِ الإسلاميَّةِ إنَّما مَقصودُها الأمرُ بالمَعروفِ والنَّهيُ عنِ المُنكَرِ) [1370] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (28/65). .
وقال أيضًا: (بسْمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
من أحمَدَ ابنِ تَيمِيَّةَ إلى سُلْطانِ المُسلِمينَ ووليِّ أمرِ المُؤمنين؛ نائِبِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أمَّتِه بإقامةِ فرضِ الدِّينِ وسُنَّتِه، أيَّدَه اللَّهُ تَأييدًا يُصلِحُ به لَهُ ولِلمُسلِمين أمرَ الدُّنيا والآخِرةِ، ويُقيمُ به جَميعَ الأمورِ الباطِنةِ والظَّاهِرةِ حَتَّى يَدخُلَ في قَولِ اللهِ تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج: 41] ، وفي قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((سَبعةٌ يُظِلُّهمُ اللَّهُ في ظِلِّه يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّه: إمامٌ عادِلٌ )) إلى آخِرِ الحَديثِ [1371] لفظ الحديث: عن أبي هريرة، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((سبعةٌ يُظِلُّهم اللهُ يومَ القيامةِ في ظلِّه يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّه: إمامٌ عادلٌ، وشابٌّ نشأ في عبادة الله، ورجلٌ ذكر اللهَ في خلاءٍ ففاضت عيناه، ورجلٌ قلبُه معلَّقٌ في المسجد، ورجلان تحابَّا في الله، ورجلٌ دعته امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمالٍ إلى نفسِها قال: إني أخاف اللهَ، ورجلٌ تصدَّق بصَدَقةٍ فأخفاها حتى لا تعلَمَ شِمالُه ما صنَعَت يمينُه)). أخرجه البخاري (6806) واللَّفظُ له، ومسلم (1031). ، وفي قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((من دَعَا إلى هُدًى كان لَهُ من الأجرِ مِثلُ أُجورِ من تَبِعَه من غَيرِ أن يَنقُصَ من أجورِهم شَيءٌ )) [1372] أخرجه مسلم (2674) عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((من دعا إلى هدًى كان له من الأجر مثلُ أجور من تبِعَه، لا ينقُصُ ذلك من أجورهم شيئًا..)). . وقدِ استَجابَ اللَّهُ الدُّعاءَ في السُّلطانِ، فجَعَلَ فيه من الخَيرِ الَّذي شَهِدَت به قُلوبُ الأمَّةِ ما فضَّلَه به على غَيرِه، واللَّهُ المَسئولُ أن يُعِينَه؛ فإنَّه أفقَرُ خَلقِ اللهِ إلى مَعُونةِ اللهِ وتَأييدِهِ، قال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور: 55] الآية. وصَلاحُ أمرِ السُّلطانِ بتَجريدِ المُتابَعةِ لكِتابِ اللهِ وسُنَّةِ رَسولِه ونَبيِّه، وحَملِ النَّاسِ على ذلك، فإنَّه سُبحانَهُ جَعلَ صَلاحَ أهلِ التمكينِ في أربَعةِ أشياءَ: إقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، والأمرِ بالمَعروفِ، والنَّهيِ عنِ المُنكَرِ. فإذا أقامَ الصَّلاةَ في مَواقيتِها جَماعةً -هو وحاشيتُه وأهلُ طاعَتِه- وأمرَ بذلك جَميعَ الرَّعيةِ وعاقَبَ من تَهاوَنَ في ذلك العُقوبةَ الَّتي شَرَعَها اللَّهُ، فقد تَمَّ هذا الأصلُ، ثُمَّ إنَّه مُضطَرٌّ إلى اللهِ تعالى، فإذا ناجَى رَبَّهُ في السَّحَرِ واستَغاثَ به، وقال: يا حَيُّ يا قَيُّومُ لا إلَهَ إلَّا أنتَ برَحمَتِكَ أستَغيثُ، أعطاهُ اللَّهُ من التمكينِ ما لا يَعلمُه إلَّا اللَّهُ. قال اللَّهُ تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [النساء: 66 - 68] ، ثُمَّ كُلُّ نَفعٍ وخَيرٍ يُوصِلُه إلى الخَلقِ هو من جِنسِ الزَّكاةِ. فمِن أعظَمِ العِباداتِ سَدُّ الفاقاتِ، وقَضاءُ الحاجاتِ، ونَصرُ المَظلوم،ِ وإغاثةُ المَلهوفِ، والأمرُ بالمَعروفِ، وهو: الأمرُ بما أمرَ اللَّهُ به ورَسولُه من العَدْلِ والإحسانِ، وأمرَ نُوَّابَ البِلادِ وولاةَ الأمورِ باتِّباعِ حُكمِ الكِتابِ والسُّنَّة، واجتِنابِهم حُرُماتِ اللهِ، والنَّهيُ عنِ المُنكَرِ وهو: النَّهيُ عَمَّا نَهى اللَّهُ عنه ورَسولُه، وإذا تَقدَّمَ السُّلطانُ -أيَّدَهُ اللَّهُ- بذلك في عامَّةِ بلادِ الإسلامِ كان فيه من صَلاحِ الدُّنيا والآخِرةِ لَهُ ولِلمُسلِمينَ ما لا يَعلمُه إلَّا اللَّهُ، واللَّهُ يوَفِّقُه لِما يُحِبُّه ويَرضاهُ) [1373] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (28/241-243). .
وقال عَبدُ الباقي الحَنبَليُّ: (الأمرُ بالمَعروفِ والنَّهيُ عنِ المُنكَرِ فرضُ كِفايةٍ على الجَماعةِ، وعَينٍ على الواحِدِ، ويَجِبُ على من عَلِمَه وتَحَقَّقه وهو عارِفٌ بما يُنكِرُه، ولم يَخَفْ أذًى في نَفسِه أو مالِه أو أهلِه، ولا فِتنةً تَزيدُ على المُنكَرِ، ولم يَقُم به غَيرُه، وعلى النَّاسِ إعانةُ المُنكِرِ، ونَصْرُه مَعَ القُدرةِ، ولا يُنكَرُ بَسَيفٍ ولا عَصًا إلَّا مَعَ سُلْطانِ) [1374] يُنظر: ((العين والأثر في عقائد أهل الأثر)) (ص: 48). .

انظر أيضا: