الموسوعة العقدية

المبحثُ الثَّاني: من شُروطِ انعِقادِ الإمامةِ: البُلوغُ

فلا تَنعَقِدُ إمامةُ الصَّبيِّ؛ لأنَّه مُولًّى عليه في أمورِه، وموكَّلٌ به غَيرُه، فكَيفَ يَجوزُ أن يَكونَ ناظِرًا في أمورِ الأمَّةِ؟!
قال اللهُ تعالى: وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا [النساء: 5] .
قال ابنُ جَريرٍ: (قال عامَّةُ أهلِ التأويلِ: همُ النِّساءُ والصِّبيانُ لضَعفِ آرائِهم، وقِلَّةِ مَعرِفَتِهم بمَواضِعِ المَصالِحِ والمَضارِّ الَّتي تُصرَفُ إليها الأموالُ) [1281] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/302). .
وقال أيضًا: (الصَّوابُ من القَولِ في تَأويلِ ذلك عِندَنا أنَّ اللهَ جَلَّ ثَناؤُه عَمَّ بقَولِه: وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ فلم يُخَصِّصْ سَفيهًا دونَ سَفيهٍ، فغَيرُ جائِزٍ لأحَدٍ أن يُؤتيَ سَفِيهًا مالَهُ، صَبيًّا صَغيرًا كان أو رَجُلًا كبيرًا، ذَكَرًا كان أو أُنثَى) [1282] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/394). .
فإذا نُهِينا عن إعطائِهم أموالَهم؛ لأنَّهم لا يُحسِنونَ التصَرُّفَ، فمِن بابِ أَولَى ألَّا يُقَلَّدوا تَدبيرَ أمورِ المُسلِمينَ.
وأيضًا فالصَّغيرُ غَيرُ مُكَلَّفٍ.
عن عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها مَرفوعًا: ((رُفعَ القَلمُ عن ثَلاثٍ: عنِ النَّائِمِ حَتَّى يَستَيقِظَ، وعنِ الصَّغيرِ حَتَّى يَكبَرَ، وعنِ المَجنونِ حَتَّى يَعقِلَ أو يُفيقَ )) [1283] أخرجه النسائي (3432) واللَّفظُ له، وابن ماجة (2041)، وأحمد (24694).  ورواه أبو داود (4398) بلفظ: (وعن المبتلى حتى يبرأ) بدل المجنون، ورواه الحاكم (2350)، والبيهقي (11453) بلفظ: (وعن المعتوهِ حتى يُفيقَ). صحَّحه الحاكم وقال: على شرط مسلم، وابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/392)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (3432)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/89): إسناده على شرط مسلم، وجود إسناده شعيب الأرنؤوط في ((تخريج المسند)) (24694)، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (12/124): له شاهد وله طرق يقوي بعضها بعضًا، وقال البخاري كما في ((العلل الكبير)) للترمذي (225): أرجو أن يكون محفوظًا. وللحديث شاهد من حديث علي رَضِيَ اللهُ عنه. أخرجه الترمذي (1423) بلفظ: (المعتوه حتى يعقل)، وأخرجه أحمد (956)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (7346)، على الشك: (المعتوه أو المجنون حتى يعقل). حسَّنه البخاري كما في ((العلل الكبير)) للترمذي (226)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1423)، وصحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (1183)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (2/197). .
فمن رُفعَ عنه القَلمُ لا يَصِحُّ تَصَرُّفُه في الأمورِ؛ لأنَّه غَيرُ مُكَلَّفٍ شَرعًا، فما دامَ لا يَملِكُ التصَرُّفَ في خاصَّةِ نَفسِه فلا يَجوزُ شَرعًا أن يَكونَ مالِكًا للتَّصَرُّفِ في جَميعِ شُؤونِ المُسلِمينَ، ومن لا يَلي أمرَ نَفسِه لا يَلي أمرَ المُسلِمينَ من بابِ أَولَى.

انظر أيضا: